يقول بعض السلف: الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإمام، ما معنى قوله: معاينة الغيب؟
أولًا: هذا الكلام ذكره ابن القيم في كتابه “مدارج السالكين”، وابن أبي العز الحنفي عن أبي سليمان الداراني.
ثم ثانيًا: ينبغي أن يُعلم أن الفراسة أقسامٌ ثلاثة، ذكرها ابن القيم –رحمه الله تعالى– في كتابه “مدارج السالكين” وأطال الكلام في ذلك، ولخصه ابن أبي العز الحنفي في “شرحه على الطحاوية”.
النوع الأول من الفراسة: الفراسة الخَلقِية، يعني بدراسة علم الفراسة يُعلم أن من كان رأسه كبيرًا فهو يدل على ذكائه، وأن من كان بعيد المنكبين فهو يدل على حلمه، هذه أشياء عُرفت بالممارسة، وتُدرس، وقد درسها الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى– ، رحل إلى اليمن ليدرس الفراسة، وهذه أوصافٌ أغلبية.
النوع الثاني من الفراسة: الفراسة الرياضية، وهي أن تعوّد النفس بأن تُجوّع إلى حدٍ ما، فيصبح عنده دقة في النظر، ودقة في التأمل، ودقة في الانتباه إلى غير ذلك، وهذه الفراسة يجتمع فيها المسلم والكافر، كالفراسة السابقة
أما الفراسة الثالثة: وهي التي ذكرها أبو سليمان الدراني لما سماها “مكاشفة النفس ومعاينة الغيب” فهذه الفراسة الإيمانية، شيءٌ يوقعه الله في قلب العبد، كلما كان أكمل إيمانًا كان أكمل فراسةً، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر:75]، أي: للمتفرسين، كما جاء عن مجاهد عن ابن عباس –رضي الله عنه– وعن مجاهد، ففي قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ أي: للمتفرسين.
ودل على هذا أشياء جاءت عن الصحابة ومن بعدهم، كما جاء عن أبي بكر وعن غيره من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم–.
وهذه الفراسة فيها كشفٌ عما يُستقبل، يعني ممكن يعرف أشياء في المستقبل كالمنامات يعرف ما يحصل في المستقبل، لكنه من باب الظن لا من باب اليقين، لذلك لا تُعارض قول الله –عز وجل–:﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن:26].. الآية، وقوله: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل:65]، لأن هذه ظن، ذكر هذا ابن رجب في “شرحه على البخاري”، قال: ((ما جاء من علم الفراسة أو الرؤى هذه من الظنون، والغيب الذي اختص الله به هو من باب علم اليقين)).
وهذه الفراسة كشف يحصل، قد يعلم شيئًا في المستقبل من باب الظن، كما يحصل لأصحاب الرؤى والمنامات.
وانظر للفائدة الجواب رقم: (839-3)
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.