يقول السائل: هل الخلاف في حكم ضرب الرجال للدف في الأعراس خلافٌ معتبر؟ وما ضابط الخلاف المعتبر في الفقه؟
الجواب:
يقال: إن ضابط الخلاف المعتبر في الفقه هو ما اختلف فيه السلف على قولين، أي ما لم يكن مسبوقًا بإجماع سابق، فإن هناك مسائل علمية يحصل فيها خلافٌ لكنها مسبوقة بإجماع سابق، فمثل هذه لا يكون الخلاف فيها سائغًا، أما إذا لم تُسبق بخلاف سائغ أو اشتهر في كتب أهل الفقه المعتمدة أنها تُورد المسألة مسألة خلافية، كأن يذكر ذلك المروزي والطحاوي وابن عبد البر وابن المنذر، وابن قدامة، وغيرهم، فمثل هذا يكون الخلاف سائغًا معتبرًا.
ومن ذلك ضرب الدف للرجال، فإن في المسألة أقوالًا ثلاثة، قول بالإباحة وقول بالكراهة وقول بالتحريم، والأصح -والله أعلم- أنه محرم، وقد ذهب إلى هذا جماهير أهل العلم كما عزاه إليهم ابن رجب -رحمه الله تعالى-.
ومن الأدلة على حرمته أن الدف من جملة المعازف، لذا في حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين قال: مزمار الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
وإنما استُثني ما جاء الدليل به من ضرب النساء له في يوم العيد، وفي العرس ونحو ذلك من الولائم، أما الرجال فهم على أصل المنع والحظر -والله أعلم-.
يقول السائل: ما صحة حديث النهي عن الاحتباء يوم الجمعة؟ أرجو التفصيل
الجواب:
يُقال: (الحِبْوَة) ويُقال أيضًا (الحُبْوَة)، بضم الحاء وكسرها كما ذكر ذلك أهل اللغة وشُرَّاح الحديث؛ هي أن يُلصق فخذه ببطنه منتصبًا على قدميه، أي أن تكون قدماه منصوبتين وقد أُلصق الفخذ على البطن، ويجمع ذلك إما بيده أو بثوب أو بغير ذلك.
وقد جاء في ذلك حديث عند الترمذي وغيره، لكن لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وممن بيَّن ضعف هذه الأحاديث الشوكاني في كتابه (نيل الأوطار).
وفي المقابل ثبتت الحبوة عن جمع من الصحابة كما ثبتت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عند ابن أبي شيبة، قال ابن قدامة: وذهب إلى هذا أنس وابن عمر وليس لهما مخالف من الصحابة.
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري أنه جلس هذه الجِلسة، لكن لم يكن في الاستماع لخطبة الجمعة.
ثم من منعها علل بأشياء منها: أنها سبب لانكشاف العورة، وإذا انكشفت العورة كانت هذه الجلسة محرمة، لا لذات الجلسة لكن لانكشاف العورة، كما بيَّن هذا النووي -رحمه الله تعالى-، ومنهم من علل أنها سبب للاسترخاء والنوم.
فلذا الصواب في مثل هذه الجلسة أنها جائزة، وقد ذكر العراقي عن أكثر أهل العلم إباحتها، وهذا هو الصواب -والله أعلم- لعدم ثبوت النهي ولأنه ثبت عن الصحابة أنهم جلسوها، بل جلسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير خطبة الجمعة كما تقدم.
أسأل الله أن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.