القنـوات الفضـائـيـة… شرور وسمـــوم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياءوالمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:فإننا نعيش هذه الأيام زمنا تكاثرت فيه الشرور وعظمت فيه الفتن، وصارت بسبب كثرتها يرقق بعضها بعضا ولعل في هذا مصدقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إن هذه الأمة جُعل عافيتها في أولها، وسيُصيب أخرَها بلاء وأمور تُنكرونها، تجيئ الفتن يرقق بعضها بعضا، وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر }. لقد تزايد في هذا الزمان كيد الكفار أعداء الله وأعداء دينه وأعداء عباده المؤمنين، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم وزعزعة إيمانهم وتدمير أخلاقهم و إفساد سلوكهم ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم وإخراجهم من حظيرة الإسلام، لا بلغهمالله ما يريدون.ولقد كانوا سابقا يعجَزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة لبث ما لديهم من سموم وعرض ما عندهم من كفر و إلحاد و مجون، أما الآن فقد أصبحت تحمل أفكارهم الرياح، إنها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمرة تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصلاح، وتجتث أصول الحق واليقين.لقد تمكن أعداء دين الله من خلال القنوات الفضائية والبث المباشر من الوصول إلى العقول والأفكار، ومن الدخول إلى المساكن والبيوت، يحملون نتنهم وسمومهم، ويبثون كفرهموإلحادهم و مجونهم، وينشرون رذائلهم وحقاراتهم وفجورهم في مشاهد زور،ومدارس خنى، وفجور، تطبع في نفوس النساء والشباب محبة العشق والفسادوالخمور، بل إنها بمثابة شرك الكيد وحبائل الصيد تقتنص القلوب الضعيفة وتصطاد النفوس الغافلة، فتفسد عقائدها، وتحرف أخلاقها وتوقعها في الافتتان، ولا أشد من الفتنة التي تغزو الناس في عقر دورهم ووسط بيوتهم محمومة مسمومة محملة بالشر والفساد. ومن أسف ! بل ومما يملؤ القلب حزناً وكمداً أن أصبح في أبناء المسلمين وبناتهم من يجلس أمام هذه الشاشات المدمرة ساعات طوال، و أوقات كثار يصغي بسمعه إلى هؤلاء، وينظر بعينه إلى ما يعرضون ويقبل بقلبه و قالبه على ما يقدمون ومع مر الأيام تتسللالأفكار الخبيثة وتتعمق المبادئ الهدامة وتغري العقول والأفكار، ويتحقق للكفار ما يريدون فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 8 ،9] ، وَدُّواْلَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ] النساء: 89[، وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم [البقرة:109]، وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]. إن من يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يَبُثه هؤلاء يجدها كثيرة لا تحصى وعديدة لا تستقصى، أضرار عقائدية، وأضرار اجتماعية، وأضرار أخلاقية وأضرار فكريةونفسية.فمن الأضرار العقائدية خلخلة عقائد المسلمين والتشكيك فيها ليعيش المسلم في حيرة واضطراب، وشك وارتياب، واضعاف عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض فينصرف المسلم عن حب الله وحب دينه وحب المسلمين إلى حب زعماء الباطل ورموز الفساد ودعاة المجون، إضافة إلى ما فيها من دعوات صريحة إلى تقليد النصارى وغيرهم من الكفار في عقائدهم وعاداتهموتقاليدهم واعيادهم وغير ذلك.ومن الأضرار الاجتماعية ما تبثه تلك القنوات الآثمة من الدعوة إلى الجريمة بعرض مشاهد العنف والقتل والخطف والاغتصاب، والدعوة إلى تكوين العصابات للاعتداء والإجرام، وتعليم السرقة والاحتيال والاختلاس والتزوير، والدعوة إلى الاختلاط والسفور والتعري وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والدعوة إلى إقامة العلاقات الجنسيةالفاسدة لتشيع الفاحشة وتنشر الرذيلة إضافة إلى ما فيها من إكساب النفوسطابع العنف والعدوان بمشاهدة أفلام العنف والدماء والرصاص والأسلحة والجريمة، ناهيك عما تسببه تلك المشاهدات من إضاعة للفرائض والواجبات و إهمال للطاعات والعبادات ولاسيما الصلوات الخمس التي هي ركن من أركان الإسلام. إلى غير ذلك من الأضرار والأخطار التي يصعب حصرها ويطول عدهاإِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:17-15].هذا بعض ما يقوم به هؤلاء ويسعون إلى الوصول إليه، فما الواجب علينا تجاهذلك كله، أيليق بالمسلم أن يصغى لكيدهم و يركن لشرهم ويستمع لباطلهم، أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه وأبنائه وبناته الجلوس لمشاهدة ما ينشره هؤلاء و الاستماع إلى ما يبثون، أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه بالدنية ولأهل بيته بالخزي والعار و الرزية.لقد حذر الله عباده من الركون إلى الكفار، وبين عظم شرهم وكبر خطرهم وفداحة كيدهم ومكرهم، وبين سبحانه لعباده السبيل السوية التي من سلكها نجا ومن سار عليها هدي إلى صراط مستقيم، إنها العودة الصادقة لدين الله والاعتصام الكامل بحبله والسير الحثيث على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم و الصبر على ذلك كله إلى حين لقاء اللهوَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [ آلعمران: 120]. إن المسئولية تجاه النشأ عظيمة، والواجب نحوهم كبير، فهمأمانة في الأعناق، وكل مسئول عمن يعول يوم القيامة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُواأَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول : { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول في أهله، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عنرعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته} . وروى الترمذي بإسناد صحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ أم ضيّع } .وروى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسارقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة } . فنسأل الله أن يعين الجميع على ما تحملوه من مسؤولية، وأن يعيذ المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرد ضالهم إلى الحق ردا جميلا، وأن يثبت صالحهمعلى الحق والهدى، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.