الدكتور أحمد الكبيسي والفتنة الكبرى
بقلم الشيخ الدكتور محمد غيث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فإن المتأمل في الساحة العربية، وما تشهده من تحولات وتغيرات وتدخلات وثورات، ليدرك من أول وهلة أن دعاة الفتن قد وجدوا بغيتهم في هذه الأجواء، وبدؤوا يزحفون إلى البلاد الآمنة المستقرة ليوسِّعوا فتنتهم، حتى إنهم بدؤوا يلوِّحون بنقل المعركة، وتضييق الخناق على الدول الآمنة من كل جهة، فيتوسلون بأي أحد، ويرتبطون بكل منظمة، حتى وصل الحد ببعض دعاتهم المفتونين في بلدنا الآمنة أن يخير الدولة بين إصلاحهم المزعوم أو طوفان ثورتهم، وتكاثر المفتونون حتى انتقلوا من المطالبة بالحقوق والإصلاح إلى ذكر المثالب والعيوب، تُناصرهم في ذلك أقلام خارجية، ومنظمات حقوقية، ثم انتقلوا إلى التطاول على الحكام وتقليل هيبتهم بين الرعية، ليهيئوا أجواء ثورتهم المرجوة، ويشعلوا البلاد إلى فتنة!! فصُدِموا بسد الولاء المحكم، واللُّحمة الواحدة، والنصرة المتكاثرة، وما زالت خيوط مؤامراتهم تتكشَّف، وولاءاتهم تنجلي، وارتباطاتهم تظهر، مما يُنبئ بعظم المؤامرة، وخطورة الموقف، فهبّ أهل الحق والولاء لنصرة دولتهم، وتعرية أهل الباطل، مسترشدين بالسنة النبوية، وأقوال العلماء المرضية في وجوب الرد على أهل البدع والفتنة، قال الإمام الشاطبي رحمه الله: “حيث تكون الفِرقةُ تدعو إلى ضلالتها، وتُزيِّنها في قلوب العوام ومن لا علم عنده؛ فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس، فلابد من التصريح بأنهم من أهل البدع والضلالة، لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم”.
وفي حمئة هذه الردود وتكاثر أهل الشر وتنوع شبههم وانشغال الدولة بهم، ظهر لنا الدكتور أحمد الكبيسي بفتنة هوجاء، وطعونات نكراء، صرفت أهل الحق إليه، وشغلت الرأي العام، وهيئت الأجواء للأقلام الحاقدة، لاسيما وهو يتكلم في فضائية رسمية، كيف لا وقد تضمن كلامه من الباطل والافتراء ما لا يجوز السكوت عنه، ولا يرضاه عاقل، مما مس به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل السنة كافة، وأعقب عليه بتعقيبات شنيعة، إذ قد نادى على نفسه بالبطلان، وأظهر مكنون قلبه للعيان، ومن أخفى الشر خانه لحن قوله ولابد، وذِكرُ ما قاله يكفي في رده:
1- زَعَم أن الصحابة على نوعين وأن هذا من أولويات العلم:
“النوع الأول: كل من رأى النبي أو رآه النبي صلى الله عليه وسلم”.
وهذا تعريف عجيب! وما أظن أن أحدا قال به قبل الدكتور!! لأنه يلزم منه أن كفار قريش الذين رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم صحابة!! وكفى بهذا جهلا، وأما أولويات العلم عند أهل السنة في هذا أن الصحابي هو: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك.
“النوع الثاني: الصحابي بمعنى الفضل والحماية والتقديس!! وهم الذين نهى النبي عن سبهم، وهم: الأنصار والمهاجرون والرضوانيون حصرا!!، وهؤلا محميون حماية كاملة، لا لأنهم صحابة! ولكن لأن النبي أوصى بهم وحماهم، وهؤلاء معدودين أربع مائة خمس مائة واحد، والباقي كلهم برا”، هكذا قال.
وهذا يدل على أن الدكتور يهرف بما لا يعرف!! ويخترع أقوالا من رأسه، بل إنه حتى لا يدري عن الحقائق التاريخية شيئًا، أو أنه على مذهب أن الصحابة ارتدوا إلا أربعة!! فزاد العدد للتقية!! وإلا فأهل بيعة الرضوان وحدهم يربون على ألف وأربع مائة، كما لا يخفى.
وما أدري ما معنى: “والباقي كلهم برا” عند الدكتور؟ هل يجوز الطعن فيهم وسبهم لأنهم ليس لهم حماية نبوية؟ ظاهر الكلام هذا!! وإلا فليوضح الدكتور!! لأنه قال مبينا: “أنتم مو أصحابي أنتم جئتم بالسيف”!!
ولا أدري معنى قوله: “اقرؤا السيرة مالتكم”!!
هل عندك سيرة أخرى؟!
2- زعم أن معاوية ووالده وغيرهم ارتدوا عن الإسلام بعد حنين … وأن الرسول أعطاهم المال ليردهم !!!
من قال بهذا قبلك يا دكتور؟!!. أبوسفيان أسلم يوم الفتح، وشهد المشاهد، فمتى ارتد؟
3- زَعَم أن الروافض صاروا روافض بـ “إسماعيل الصفوي”، وصرنا نواصب بـ”معاوية”، وقال: “ما فيش أحد أحسن من أحد”!!
ما أدري ماذا أعقب؟! أعلى جهل الدكتور بالفِرَق وتاريخها!! أم على هذه المقارنة العجيبة!! وكيف ما فيش أحد أحسن من أحد!! كيف يتساوى الحق والباطل!! ألم يأتك نبأ عقيدة القوم!
4- قوله:”أنتم نواصب أصحاب معاوية الذي أمر بسب علي، كل ما نعانيه الآن من معاوية!!، وأنتم تحبونه كل هذا الحب! .. والله أنا كنت من الأنبار، وأهل الأبار نواصب، علي مش بتاعنا!!”.
يا دكتور ما أجرأك على اتهام الناس!!
أولا: أين أمر معاوية بسب علي؟ والله إنك لكاذب!! أتحداك أن تقف على أثرة صحيحة تنصر مذهبك! والله إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَجَلُّ وأعلى من أن يأمروا الناس بسب صحابة رسولهم!! واقرأ سيرتنا لتعلم عمق العلاقة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
ثانيا: قوله: “كل ما نعانيه الآن من معاوية؟!! “.
هلا فسرت لنا بعض هذا الكل يا دكتور؟! أما تعلم أن معاوية خير ملوك المؤمنين، وأن تراب منخره خير من عمر بن عبد العزيز كما قاله أئمة السنة؟ وأنه سِتْرُ الصحابة، وأن الطعن فيه ضلال ورفض؟!
ثالثا: لماذا تنقم على الناس حبهم لصحابي من صحابة رسولهم صلى الله عليه وسلم؟ ما الذي يصيبك من هذا حتى تعاني هذا العناء؟
رابعا: اتهامك لأهل الأنبار بالنصب! وهو العداء لعلي رضي الله عنه وسبه!!
وأنا أتحداك أن توجِد لي في العالم كلَّه ليس في الأنبار وحدها سنيا واحدا يكره عليا أو يسبه!!
ولا يتهم الناس بهذا إلا من نصب العداء للسنة وأهلها، فهل أنت منهم!!؟
هل يقول أحد من أهل السنة: علي مش بتاعنا؟
لقد أسرفت يا دكتور، فتذكر وقوفك بين يدي الله وأهلُ السنة المحبُّون لعلي كلهم خصمك.
5- قوله: “كلكم يسمع ما يفعله الشيعة في العراق، كلكم سواء، روافض ونواصب!! الرسول يقول: (لعن الله من ناصبكم العداء)، كيف تكون مواليا لعلي وقاتله؟! وللحسين وقاتله؟! ما يصير! لو هذا، لو هذا!! اختار لك واحد منهم!!”.
يا دكتور كيف الروافض والنواصب عندك سواء وأنت تروي حديثا يلعن النواصب؟ وترجِّح كفة الروافض بمعاداة الصحابة؟!! شككتنا في عقيدتك يا دكتور!! ثم هل عندك أن معاوية قتل عليا؟ الذين قتلوا عليا هم الخوارج وكانوا قد أجمعوا على قتل معاوية في نفس الوقت!! فأصيب ولكنه لم يمت!! لماذا تقلب الحقائق؟ أم أن في سيرتكم ما قلته؟!!، ثم من أين جئت بحديث اللعن هذا؟! الكذب على رسول الله حرام وفيه وعيد، والناقل للكذب بلا بيان أحد الكاذبين.
6- قوله: “هذه وراثة – يعني طعن أهل السنة في علي – ولعبة من لعب اليهود!! يا وليدي خليك مع النبي وآل بيته!! والله العظيم مصيبة هذه الأمة في معاوية!!”.
والله لقد قلت بقول القوم!! وافتريت أمرا عظيما!! وكيف تحلف على الباطل البين البطلان، اتق الله في نفسك، فقد خسر من كان خصمه صحابةُ رسول الله، اليهود يتلاعبون بأهل الفتن لا بأهل السنن، فانتبه ولا تحذُ حذوهم!!
7- ثم روى حديثا عن أبي هريرة في الفتن وحمله على ما يدعي، وآخَرُ عن ابن عمر أن معاوية قال له وهو في فراش الموت: هل لي من توبة؟ فقال ابن عمر: هيهات يا معاوية!!
هل ابن عمر يعلم الغيب عندك يا دكتور حتى يتألى على الله؟! المؤمن يرجو الخير لأهل الإيمان ويدعو لهم بالخير، فكيف بالصحابة وأخلاقهم؟ كيف غابت عنك حتى تلصق بهم البواطل؟! أم أنه انتصار للمذهب كما في النواح المشهور؟!
8- قوله للسائل: “يا سيدي كل ما نعانيه الآن من معاوية!! وهذا يقال له سيدنا!!…. أنت إما أن تكون مع علي أو تكون مع معاوية!! اختر لك واحد منهم!! اللهم احشرني مع علي، وأنت إن شاء الله ألله يحشرك مع معاوية!!… الذي فرق الأمة واحد!! فعليكم أن تنتبهوا من هذا الواحد!!”.
وهذه جرأة عظيمة، وزَعَم بأن معاوية في النار، ولذلك دعا أن لا يحشره الله معه!! ثم لماذا هذا الحقد على معاوية أليس هو قدوة الحكام العادلين، وما زال الحكام الموفقين يسوسون الناس بشعرة معاوية!! وهل فرَّق الأمة إلا أنت وأمثالك! تربعتَ دهرا على الفضائيات، ولا تخلو حلقة من حلقاتك من طامات، وما زلنا نسكت ونسكت حتى لا نثير فتنة! فإذا بك تأتي بما لا يسع السكوت عنه، وفي وقتٍ الفتنُ فيه مشتعلة، فزدت الفتن فتنا، وأضرمتها نارا!! أين نصرتك للحق وإفحام أهل الفتن ولَمُّ الشَّمل على الأئمة …..؟!
هذا بعض ما تضمنه كلام هذا الدكتور، في حلقة واحدة من برامجه، ولقد فاح ضلاله وانتشر، وأمعن في السب، وكشف عن معدنه وتناقضه وكذبه، إذ قد روى هو نفسه: “الله الله في أصحابي” ” لا تسبوا أصحابي”، ثم يمعن في السب ويحكم بردة كاتب الوحي، ويحكم بالنار على خير ملوك المسلمين!!
ذكرت هذا قياما بالواجب، ونصرة للحق، ودرءا للفتن، وطاماتُه ومخالفاتُه ومجازفاتُه واتهاماتُه للكبار قد تعجز عنها الأسفار، ونحن في وقت فتن، وتربص من الأعداء، ونحن أحوج ما نكون لرص الصف واجتماع الكلمة، ودرء الفتنة، وإن مثل هذا الكلام، وفي فضائية تمثل دولتنا، لتشعل الطائفية في مجتمعنا، وتسل الألسن الحداء على دولتنا، وتحرك أهل الفتن في حصوننا، ثم الأمر يتعلق بديننا ورموزه، فالأمر ليس بالهين، لاسيما وقد تحرك الرأي العام، وصُرِف عن أهل الفتن وما يدبرون إلى هذا الرجل الذي أشعلها فتنة كبرى، واللهُ أعلم بما وراء الأكمة.
فلابد من قطع دابر الشر، ونصر الحق، وكف السفهاء، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وهذا غيض من فيض، والله المستعان على ما يصفون، ولك الله يا إماراتنا، دمت بحفظ الرحمن وعنايته.