تأصيل الشيخ عبد العزيز الريس وفقه الله تعالى صحيح ولو كره التكفيرون
23-11-1439هـ | 5-8-2018م
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فإن الأخ الشيخ عبد العزيز بن ريس الريس وفقه الله تعالى كغيره من بني آدم يصيب ويخطئ، ومن توفيق الله تعالى له في العموم أن صوابه أكثر من خطئه، ولا معنى للتشنيع عليه وإثارة حملة ضده على فرض أنه لم يوفق في مثال ضربه.
لكن الأمر ظاهر جداً، وهو أن عامة من تكلم بسبب مخالفتهم له، واختلافهم معه حول مسائل منهجية وعقدية.
لذلك لا نجد لهم استنكاراً ولا تشنيعاً على من يشتهون ومن معه يتفقون ولو صدر منهم طامات كبرى.
نعم، لقد ذكر الشيخ عبد العزيز بن ريس في مسألة السمع والطاعة لولي الأمر ما أصّله أهل السنة والجماعة، ووفق في ذلك والحمد لله.
وقد ذكر مثالاً على سبيل الفرضية فحسب؛ فقال ما معناه: (حتى لو ظهر ولي الأمر يزني على التلفاز فيجب أن نسمع له ونطيع ولا نثير الناس عليه، مع إنكار فاحشة الزنا). انتهى كلامه بمعناه.
والحق أن كلام الشيخ ليس فيه إقرار للزنا، ولا نهي عن نصيحته، ولا منع من الإنكار عليه مطلقاً، وإنما يكون الإنكار في وجهه وبحضرته ويُذكر بالله تعالى، وأراد الشيخ تقرير وجوب السمع والطاعة له وعدم الخروج عليه وعدم تهييج الرعية ضده، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة وعليه الأدلة الصحيحة الصريحة، وقد قرره الشيخ مراراً وتكراراً وكل من من تتبعه يعرف عنه ذلك ، لكن من فيه لوثة تكفير اعتبر كلام الشيخ إقراراً منه على الزنا أو تهويناً للفاحشة، وهذا بعيد جداً، فليس في كلامه دعوة إلى الفاحشة ولا غير ذلك مما حاول بعض الناس إلصاقه به.
ولعل الشيخ عبد العزيز بن ريس ذكر هذا المثال المستبعد متأسياً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»، ومن المعلوم أن فاطمة رضي الله عنها من أبعد الناس عن كبيرة السرقة؛ لكن أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصل معنى معيناً في نفوس الناس، وهو المنع من الشفاعة في حدود الله تعالى.
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ»، ومعلوم أن هذا مستبعد أن يتأمر من كانت هذه صفته.
ولقد وقفتُ على كلام قريب جداً من كلام الشيخ عبد العزيز بن ريس وهو لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى؛ قال – بالحرف الواحد – واصفا مذهب أهل السنة والجماعة: «فهم يرون إقامة الحج مع الأمراء وإن كانوا فساقا، حتى وإن كانوا يشربون الخمر في الحج» [شرح العقيدة الوسطية | (ج ٢، ص ٣٣٧)]، وقال في شرحه على التدمرية (ص ٤٦٦): «ولي الأمر العاصي يجب طاعته ما لم يكن كافرا، إن كفر كفراً صريحا عندنا فيه من الله برهان لا نطيعه.
وأما إذا كان يشرب الخمر، ويزني، ويتلوط، ويقتل النفس بغير الحق فإنه يجب طاعته حتى لو ضربك ضربا، فيجب عليك أن تطيعه».
وقال أيضاً في مقطع صوتي: «لو كان ولي الأمر: فاسقًا، يشرب الخمر، ويزني، ويلوط، ويظلم، ويفعل كل منكر إلا الكفر فإنه لا يجوز الخروج عليه، بل تجب مناصحته، ودعاء الله له» انتهى كلامه.
والمنصف الذي لا يحمل شيئاً سابقاً في قلبه على الشيخ عبد العزيز بن ريس، يجد كلامه قريبا جداً أو مطابقاً لكلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
فالزنا ليس كفراً بواحاً، ولو جاهر فيه، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله ذكر الزنا وذكر ما هو أشد منه وهو التلوط، ثم عمم وقال: «ويفعل كل منكر»، وهذا يشمل ما ذكره الشيخ عبد العزيز بن ريس في المثال وغيره.
ومع هذا أقول: إن الشيخ عبد العزيز بن ريس لو لم يذكر المثال الذي مثل به لكان أفضل لعدة أسباب، منها:
١/ أن نفوس بعض الناس لا تتقبله ولو كانوا من المحبين فضلاً عن المبغضين المخالفين.
٢/ التعبير النبوي أولى وأحق؛ فيقول: «الأثرة»، «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ»، «ولو منعك حقك»؛ ونحو ذلك.
٣/ الأفضل أن يقول: وإن زنى وسرق وشرب الخمر فيبقى مسلما، وولي أمر له السمع والطاعة بالمعروف ولا يجوز الخروج عليه من غير ذكر الصورة التي مثل بها.
٤/ مراعاة لفهم الناس ولعدم فتنتهم، ويمكنه أن يذكر أمثلة أخرى يمكن استيعابها.
٥/ لو ذكر كلام الشيخ ابن عثيمين أو غيره من أهل العلم لسلم من كلام الناس، بحيث من أراد أن يتكلم أو حتى يطعن فسيكون بمواجهة العالم وليس بمواجهته.
٦/ لأنه يعلم مقدار المتربصين به، فالأولى تفويت الفرصة عليهم.
والخلاصة: أن الشيخ عبد العزيز بن ريس الريس أصاب في التأصيل ووافق عقيدة أهل السنة والجماعة.
أسأل الله تعالى له مزيد التوفيق والسداد.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.