قصتي مع كتاب والرد على سيد قطب


قصتي مع كتاب والرد على سيد قطب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد،

فإن الله تعالى يُسخر في كل زمن من يذب عن الدين وأهله، ولعل الله تعالى استعمل أحد العلماء وهو الشيخ عبدالله الدويش ـ رحمه الله ـ فوقف على كتاب في التفسير (1) ليس فيه من التفسير إلا قليل يقع في ستة مجلدات لأحد “أقطاب” دعوة حديثة عصرية نشأت في مصر قبل ما يقارب خمسين سنة، وهذا “القطب” قد سطر ـ في كتابه كثيراً من الأخطاء باستعماله لعبارات فلسفية ومنطقية اعتمد في تأليفه على الأسلوب الأدبي أكثر بكثير من تفسير القرآن بطريقة السلف حيث يفسر القرآن بالقرآن، والقرآن بالسنة والقرآن بآثار الصحابة والتابعين وتفسير القرآن بلغة العرب.

أقول: فكان للشيخ الدويش السبق في نقده لذلك الكتاب وبيان ما فيه من مخالفات عقدية وشرعية وسمى كتابه «المورد الزلال»، ولما كان مؤلف ذلك الكتاب (( قطباً )) كبيراً في جماعته اجتهد كثير منهم بطباعة كتابه وسائر كتبه فنشروا منها مئات الآلاف في العالم مع أنه ليس من أهل العلم وفاته أهم مسائل العقيدة بل لا يُعرف له شيوخ ولا علماء أخذ عنهم العلم. وتأثر به كثير من شباب العالم الإسلامي. ولم يتنبه له كثير من العلماء، فبينما الحال كذلك تصدى لمؤلفاته وكتبه الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى وجزاه عنا خيراً.

فتتبع كتبه ووقف على أخطاء كبيرة جداً تعجب منها كل من اطلع عليها وتبين له حال ذلك ” القطب” الكبير الذي طالما انخدع به كثير من الناس بل مازال هناك من يخدع به المسلمين ويظهره للناس كأنه مجدد للناس دينهم أو أنه المجاهد الأكبر حتى زعم بعضهم أنه برتبة شيخ الإسلام ابن تيمية في زمانه!!

أخي القارئ الكريم فبينما أقرأ كما يقرأ غيري أحببت أن أقف بنفسي على موضع من المواضع ذكر غير واحد أنه قد سبَّ وشتم وجرح بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلت في نفسي لو اقتنيت هذا الكتاب ووقفت على الموضع بنفسي بحيث لو طالبني أحد بإثبات صحة ما ينسب إليه في سبه وشتمه لبعض الصحابة لأنه لن يقبل مني لو قلت له قرأت في كتاب كذا وكذا، وأنه قال كذا وكذا فربما سيقول هذا النقل ليس بصحيح أو مبتور من سياقه أو فهمته خطأ أو غير ذلك من الأعذار بسبب التعصب له.

فكلفت أحد الاخوة الشباب واسمه محمد بن صالح المري حفظه الله وجزاه عني خيراً أن يبحث لي عن كتاب بعنوان «كتب وشخصيات» لذلك (( القطب )) وفعلاً ذهب يبحث عن الكتاب من مكتبة إلى مكتبة فلم يجد له أثراً، فكيف سنقف على ذلك السب والشتم من المؤلف الذي يقال انه صدر منه لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟!

سبحان الله فبينما الأخ محمد يسأل عن الكتاب فإذا بأحد الباعة في إحدى المكتبات قال أنا عندي الكتاب في بيتي وضمن مكتبتي الخاصة سأحضره أبيعك إياه، وفعلاً أحضره وباعنا إياه ربما بثلاثة أضعاف سعر كتاب بحجمه!! فرحت لما حصلت على الكتاب لأقف بنفسي على تلك الحقيقة المذهلة المؤلمة، الكتاب مغلف وليس مجلداً يقع بـ 333 صفحة طبع ونشر دار الشروق سنة الطبع1403هـ ـ 1983م.



قرأت في الكتاب ووقفت بنفسي على سبَّ وشتم واتهام للصحابيين معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في صفحة 242، قال نصا: « إن معاوية وزميله عمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى الدرك الأسفل…» أ.هـ.

الله أكبر، كم في هذا الكلام من السبَّ والشتم الذي لا يجوز أن يقال في حق أي مسلم من سائر المسلمين، لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «سباب المسلم فسوق»،(2) متفق عليه، فكيف يقال هذا في الصحابة رضي الله عنهم:
تأمل أيها القارئ كيف تجرأ الكاتب فقال:

  1. إن معاوية وزميله عمراً. بأسلوب الاستهجان والاحتقار حتى ما كلف نفسه أن يقول رضي الله عنهما.
  2. استخدامهما لكل سلاح. أي بلاَ تقَيّد بخلق أو دين.
  3. واتهمهما بالكذب!!
  4. والغش!!
  5. والخديعة!!
  6. والنفاق!!
  7. والرشوة!!
  8. وشراء الذمم!!
  9. والتدلي إلى الدرك الأسفل!!



ثم في الصفحة التي بعدها (243) استمر في هجومه فقال: (( لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدي معاوية ومن جاء بعده ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهزمت، بل انطفأت)).

بعد فقرتين من الصفحة نفسها قال: «وإذا احتاج جيل لأن يدعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم. فروح ((ميكافيلي)) التي سيطرت على معاوية قبل «ميكافيلي» بقرون، هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل وهم أخبر بها من أن يدعوهم أحد إليها! لأنها روح «النفعية» التي تظل الأفراد والجماعات والأمم والحكومات. أ.هـ.



فتأمل مرة أخرى أخي القارئ العزيز كيف رمى معاوية الصحابي رضي الله عنه بهذه التهم:

  1. روح الإسلام قد تقلصت وهزمت بل انطفأت أي كل ذلك حصل على يدي معاوية رضي الله عنه.
  2. وقال أيضاً أن روح “ميكافيلي” ـ وهو ذاك اليهودي الشيوعي صاحب قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة” ـ قد سيطرت على معاوية رضي الله عنه.
  3. بل عنده أن معاوية رضي الله عنه قد سبق ميكافيلي بقرون.
  4. أن معاوية رضي الله عنه كانت روحه روح (( النفعية )).



أخي القارئ أرشدك الله إلى الحق لقد فات هذا «القطب» الكبير أوضح مسائل العقيدة من أن الصحابة رضي الله عنهم لا يجوز سبهم ولا شتمهم ولا عيبهم بل الواجب الكف عما جرى بينهم فهم بين مصيب له أجران وبين أن مخطئ وله أجر واحد.

أخي القارئ، وفقني الله وإياك إلى التجرد للحق والتمسك به لو قال قائل بثلث هذه الشتائم، والثلث كثير في حق «القطب»، لقامت الدنيا وما قعدت!! فهل يحق له أن يقول هذا في حق بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحق لنا حتى نقده أو التحذير من كتبه؟! هل له من الحصانة ما يجعله فوق النقد والتعقيب؟! سبحان الله بل الصحابة لهم هذه الخاصية لا يجوز عند أهل السنة والجماعة الخوض في أعراض الصحابة والكلام في الفتن التي جرت بينهم ومع ذلك قد تجاوز ذلك “القطب” وطعن طعناً شديداً بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. روى الطبراني في المعجم الكبير من حديث ثوبان وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا ذُكًرَ أصحابي فأمسكوا» صححه الألباني في السلسلة رقم (34) وطابق الحديث بمعناه قولُ “عمر بن عبد العزيز تلك دماء طهر الله منها يدى فلا أحب أن أخضب بها لساني” (3) فانظر المطابقة التامة لهذه المقولة للحديث.

لكن «القطب» لا يعرف هذه الآثار والسنن وليست مجاله ولا ميدانه ولو قارنت بين تفسيره الواقع في ستة مجلدات كبيرة وتفسير ابن كثير رحمه الله الواقع في أربعة مجلدات لوجدت فرقاً كبيراً في المضمون والمحتوى والمادة، فبينما اشتمل تفسير ابن كثير على ما يقارب عشرة آلاف حديثا وأثرا بينما لا يتجاوز تفسير «القطب» بضعة مئات من الأحاديث مع المكرر وما لا يصح فأين هو من حديث عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الناس قرني…» وهو عند البخاري برقم (2652) ومسلم برقم (2532) أم انه لم يبلغه حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». رواه الطبراني وحسنه الألباني في السلسلة (2340) وعند ابن ابي شيبه نحوه كما في ظلال الجنة (1001) وحسنه الألباني، بل هل يخفى على أدنى طالب علم بل ربما كثير من العامة حديث “لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” وهو عند البخاري (3673) ومسلم (2540) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.



أخي القارئ الكريم اعلم وفقني الله وإياك إلى تقواه ورضاه أن هذه الأحاديث لا يستثنى منها أي صحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقرر في عقائد أهل السنة والجماعة ولم يخالفهم إلا من لا اعتبار في خلافه. ومع ذلك فإن معاوية رضي الله عنه من كتاب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم (2501) وهو صحابي لا شك في صحبته وابن صحابي وقال عنه بعض أهل العلم أنه خال المؤمنين باعتبار أنه أخ لأم المؤمنين أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه (1938) حديثاً في مناقب معاوية رضي الله عنه ولفظه «اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب» السلسلة الصحيحة (3227) واخرج الترمذي كتاب المناقب باب مناقب معاوية (3842) قوله عليه الصلاة والسلام (( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به )) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1969).

 وأما عمرو بن العاص رضي الله عنه فحسبه فضلاً أن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص» رواه الترمذي (3844) حسنه الألباني في صحيح الجامع(971).

والخلاصة

  1. أن «القطب» قد غلط غلطاً فاحشاً في حق بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
  2. وأنه بعيد جداً عن معرفة عقيدة أهل السنة والجماعة في موقفهم من الصحابة ماجرى بينهم في الفتن.
  3. أن من مجَّدَه وعظَّمه إنما فعل ذلك بغير وجه حق وغرَّ به الناس وغشهم.
  4. أن من انتقده قد أصاب بذلك فلم يظلمه ولم يتقول عليه.
  5. يجب التحذير من كتبه ومؤلفاته نصيحة للأمة ونصرة للحق.



وأسأل الله التوفيق والسداد لكل مسلم ومسلمة والحمد لله أولاً وآخراً… وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) وهو كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب.
(2). البخاري ( 6044 / 7076 ) ومسلم ( 64 ).
(3). كتاب منهاج السنة النبوية المجلد السادس صفحة 254.


شارك المحتوى: