الحلقاتُ العَشر
في صدِّ عُدوان البُغاة – عجيل النَّشمي وموافقِيه – على أهل السُّنة والحديث السَّلفيين
(الحلقةُ الثَّانية)
الحمدُ لله الذي حرَّم الافتِراء، وجرَّم الظُّلم، وقبَّح المفترِين، وأذلَّ الظَّالمين، الممتنِّ على العباد بيومٍ يُقتصُّ فيه للمظلوم من الظَّالمين، والمعتدَى عليه مِن المعتدين الجائرين.
والصَّلاة والسَّلام على الصَّادق المصدوق، الذي لم يضرَّه رَمِيُ المبطلين الكاذبين، ونَصَره الله عليهم وأظهره على العالمَين، وعلى آله وأصحابه الخائفين على أنفسهم من خَطِّ أيديهم، ونُطق ألسنتهم خوفًا لم يُرَ مثله في العابدين المتَّقين، وأتباعِهم المتواصِين بالحقِّ والصَّبر إلى يَوم الدِّين.
أمَّا بعدُ، فيا معاشِر أهل الدِّين والعقل والنُّبل من أهل الكويت – جمَّلكم الله بطاعته، ولزوم هَدْيِ رسوله، وحَفِظَ لكم دِينكم وبلادكم – :
قد طالعتنا وطالعتكم صحيفة «السِّياسة الكويتية» – عاملها الله بقصدها – في يوم الثلاثاء (17/3/1434هـ الموافق 29/1/2013م) بمقالٍ متضمِّنٌ لما جاء في بيانٍ جائرٍ خارجٍ عن الحقيقة والعدل، قد رتع كاتبوه في باب الظُّلم والجَور، وسبيل الافتراء والتَّدليس، وطريق الخيانة والغش، وكانت ديباجته وعنوانه ورأسه هكذا:
[احذَرُوا من خطورة هذه الفِرقة على وحدة الأمَّة.
علماء ودُعاة: أتباع «الجامية» خارجون عن هَدي كتاب الله وسُنَّة نبيِّه].
وهذه مقدمته:
[حذَّر عددٌ من العلماء والدُّعاة الكويتيين من خطورة فرقة الجامية أو المدخلية، لافِتين إلى أنَّ التَّاريخ الإسلامي لم يشهد فِرقة مثل هذه الفرقة الخطرة التي تخصَّصت في تجريح العلماء والجماعات والأحزاب في كلِّ بلدٍ مهما كانت مكانتهم، ولو كانوا من أهل السُّنة، معتبرين أنَّ أتباع هذه الفرقة هم خارجون عن هَدي كتاب الله، وسُنة نبيِّه – صلَّى الله وعليه وسلَّم – ، وقالوا في بيانٍ صحافي وقَّعه أربعة عشرعالمًا وداعيًا …].
وقد نُسبت الموافقة على هذا البيان الباغِي إلى عددٍ من المُفتين، والدُّعاة، والموجِّهين للأمَّة والنَّاس في بلاد الله الكويت – سلَّمها الله وسلَّم أهلها من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ – ؛ حيث جاء في خاتمته:
[لافِتًا إلى أنَّ علماء الكويت التَّالية أسماؤهم مَن أُخذت موافقتهم – وغيرهم كثير – يوافقون على هذا التَّحذير، وهُم:
الشَّيخ عجيل جاسم النشمي, الشيخ عيسى زكي, الشيخ نبيل العوضي, الشيخ خالد المذكور, الشيخ شافي العجمي, الشيخ طارق الطواري, الشيخ وليد العنجري, الشيخ حامد عبد الله العلي, الشيخ جاسم مهلهل الياسين, الشيخ أسامة الكندري, الشيخ بدر الرخيص, الشيخ جمعان العازمي, الشيخ أحمد الفلاح, الشيخ يوسف السند].
ثمَّ أُعيد نشر هذا البيان المعتدِي في صحيفة «الوطن» الكويتية بتاريخ (19/3/ 1434هـ – 31/1/2013م) ، وعُنوِنَ له بهذا العنوان:
[د.عجيل النشمي لِـ «الوطن» : الجامية فرقةٌ خطيرة فاحذروها].
ودُونكم يا أهل الكويت – سلَّمكم الله – ما جاء في هذا البيان مُقسَّمًا إلى مقاطع مُتسلسلة، على نَفْسِ ترتيبِ ونَظْمِ المكتوب في الصَّحيفة من غَير بَترٍ ولا تقديمٍ ولا تأخير.
وهذه هي حلقتُه الثَّانية:
(المقطعُ الثَّاني)، وقد قالوا فيه:
[وقد أثنَى عليهما العلماء بادِئ الأمر، قبل أن يروِّجَا لفكرهما القائم على مبادئ عدَّة خاطئة، ومنها بخاصَّة مبدأ التَّجريح للعلماء الكبار، وهذا الذي أَورث جَفْوةً بينهم وأقرانهم من أهل العلم؛ حيث تأثَّر بمنهجهما بالجرح تلامذتهما، فبالغوا أشدَّ المبالغة، وجعلوا من التَّجريح لكبار العلماء منهجًا, وهذا الذي من أجله صدرت الأحكام والبيانات والفتاوى في التَّحذير منهم].
أيُّها الكويتي الحَصِيف النَّبيل – سدَّدك الله وسلَّمك -:
انظُر إلى هؤلاء الكَتَبةِ الظَّلمة – أصلحهم الله – كيف يفترون على العلماء، ويزوِّرُون على القُرَّاء، ويفضحون أنفسَهم، ويُزرُون بها أمام الملأ.
ودُونك بعض ما يجلِّي لك ذلك في وَقَفتين:
الوَقفةُ الأُولى:
زعموا – والله ناصر مَن افتَرَوا عليه – أنَّ العلماء قد أثنوَا على هَذَين العالِمَين: محمَّد أمان الجَامي، وربيع المدخلي – رفع الله قدرهما – في بادئ الأمر، وقبل أن يروَّجَا لمبادئهما الخاطئة، فقالوا:
[وقد أثنى عليهما العلماء بادئ الأمر قبل أن يروِّجَا لفكرهما القائم على مبادئ عدَّة خاطئة].
وقد مرَّ بِكَ في الحلقة الأُولى تزكيةُ وثناء أكابر أهل العِلم من أهل السُّنة والحديث السَّلفيين عليهم، وهُم:
العلَّامة ابن باز، والعلَّامة العثيمين، والعلَّامة الفوزان، والعلَّامة اللحيدان، والعلَّامة السُّبيل، والعلَّامة العبَّاد.
ولا بأس من إعادة وتكرار بعضه لا كله:
1- قال العلَّامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء، ورئيس هيئة كبار العلماء:
بخصوص صاحِبَي الفضيلة: الشَّيخ محمَّد أمان الجامي، والشَّيخ ربيع بن هادي المدخلي، كلاهما من أهل السُّنة، ومعروفان لديَّ بالعِلم والفضل والعقيدة الصَّالحة، وقد تُوفي الدكتور محمَّد أمان في ليلة الخميس، الموافقة سبع وعشرين شعبان من هذا العام – رحمه الله – ، فأُوصي بالاستفادة من كتبهما. اهـ
فانظُر يا محبَّ الصِّدق ومُبغض الكذب – سلَّمك الله – إلى هذه التَّزكية، وهذا الثَّناء، وهل صَدَر قبل وفاة العلَّامة محمَّد أمان الجامي – رحمه الله – أم بعد وفاته؟
ثمَّ قَارِنه بقولهم – أرشدهم الله – واحكُم بنفسك لا بحكم غَيرك، وكُن من المنصفين.
2- وقال – أيضًا – في خطابٍ له يحمل (الرقم: 64) وتاريخ: (9/1418هـ) في حقِّ العلَّامة محمَّد أمان – رحمه الله – :
معروفٌ لديَّ بالعِلم والفَضل وحُسن العقيدة، والنَّشاط في الدَّعوة إلى الله سبحانه، والتَّحذير من البدع والخرافات، غفر الله له وأسكنه فسيح جنَّاته، وأصلح ذرِّيته، وجمعنا وإيَّاكم وإياه في دار كرامته إنَّه سميعٌ قريب. اهـ
وهذه التَّزكية، وهذا الثَّناء منه – رحمه الله – أيضًا لم يكن في حال الحياة؛ بل كسابقه بعد الوفاة، فأين الصِّدق يا قوم؟
3- وقال الدكتور العلَّامة صالح بن فوزان الفوزان – سلمه الله – عضو اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة وعضو هيئة كبار العلماء في كتابٍ له بتاريخ: (3/ 3/1418هـ) :
الشَّيخ محمَّد أمان كما عرفته:
إنَّ المتعلِّمين وحَمَلة الشَّهادات العُليا المتنوِّعة كثيرون، ولكن قليلٌ منهم مَن يَستفِد من عِلمه، ويُستفاد منه، والشَّيخ محمَّد أمان الجامي هو مِن تلك القِلَّة النَّادرة من العلماء الذين سخَّرُوا عِلمهم وجُهدهم في نفع المسلمين، وتوجيههم بالدَّعوة إلى الله على بصيرة، من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية، وفي المسجد النَّبوي الشَّريف، وفي جولاته في الأقطار الإسلامية الخارجية، وتجواله في المملكة لإلقاء الدُّروس والمحاضرات في مختلَف المناطق، يدعُو إلى التَّوحيد، وينشر العقيدة الصَّحيحة، ويوجِّه شباب الأمَّة إلى منهج السَّلف الصَّالح ويحذُّرهم من المبادئ الهدَّامة والدَّعوات المُضَلِّلَة، ومَن لم يعرفه شخصيًا؛ فليعرفه من خلال كُتُبه المفيدة، وأشرطته العديدة، التي تتضمَّن فَيض ما يحمله من عِلمٍ غزير، ونفعٍ كثير، وما زال مواصِلًا عملُه في الخير حتى توفَّاه الله، وقد ترك مِن بعده عِلمًا يُنتفَع به؛ مُتمثِّلًا في تلاميذه وفي كُتبه، رحمه الله رحمةً واسعة، وغفر له وجزاه عمَّا علَّم وعَمِل خير الجزاء، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه. اهـ
وهذه التَّزكية، وهذا الثَّناء منه – سلَّمه الله – لم يكن في حال الحياة؛ بل بعد الوفاة، فأين الصِّدق يا قوم؟
4- وقال العلَّامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر – سلَّمه الله – مدير الجامعة الإسلامية بالمدينية النبوية سابقاً، والمدرس بالمسجد النبوي الشريف:
عرفتُ الشَّيخ محمَّد أمان بن علي الجامي طالبًا في معهد الرِّياض العلمي، ثمَّ مُدرِّسًا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في المرحلة الثانوية، ثمَّ في المرحلة الجامعية.
عرفتُه حَسَن العقيدة، سليم الاتَّجاه، وله عنايةٌ في بيان العقيدة على مذهب السَّلف، والتَّحذير من البدع، وذلك في دروسه ومحاضراته وكتاباته، غفر الله له ورحمه وأجزل له المثوبة. اهـ
وهذه التَّزكية، وهذا الثناء منه – سلمه الله – لم يكن في حال الحياة؛ بل بعد الوفاة، فأين الصدق يا قوم؟
وكلُّ ما قاله العلَّامة ابنُ باز، والعلَّامة العثيمين، والعلَّامة السبيل – رحمهم الله – في حقِّ العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي – سلمه الله – قد قالوه وماتُوا عليه، فلم يُغيِّروه، أو يَتَراجَعُوا عنه.
وكذلك ما قَالَهُ العلَّامة الفوزان، والعلامة اللحيدان – سلَّمهما الله – في حقِّه، لا زَالَا عليه، ولا زَالَا يُسألان عنه حِينًا بعد حين، وفي مجلسٍ بعد آخر، فيُثنيان على عِلمه، وحُسن عقيدته، وأنَّه من أهل السُّنة والحديث، ومِن أهل العِلم والفَضل.
وهذا نعرُفه، ويعرفه تلامذته وتلامذتهم، وموجودٌ بأصواتهم وألسنتهم في مواقع عديدة من الشَّبكة العنكبوتية (الإنترنيت)، وتسطيع الوصول إليه عبر مُحرِّك البحث الشهير بـ : (جُوجَل)، وسماعه عبر (اليوتيوب).
وقد تركتُ تزكيَّات وثناءات علماء كُثُر – من أهل السُّنة والحديث – عليهما في بلدان عديدة؛ خشية الإطالة التي قد تُضعِف قراءة طالب الحقِّ المسترشد المستبصر.
وإنِّي أتحدَّى من كَتَب هذا البيان، ووافق عليه، ورضي به، أن يُثبِت تَغَيُّر أقوال من تقدم ذكرهم من العلماء وتراجعهم، والميدان مفتوح فليرونا.
ولو كانوا على جَادَّة أهل العدل، وسلك طلَّاب الإنصاف يسيرون؛ لدلَّلوا على ما زعموه من تغيُّرٍ وتراجعٍ بالجزء والصفحة، وبالشَّريط وعنوانه وموقعه، ولَـمَا تكلَّموا بهذا الأسلوب الرَّخيص المُبتذَل الذي يُجيده حتَّى الجاهل، ويستطيعه الصَّغير، ولا تعجز عنه العجائز، فلا كُلْفَة فيه إلَّا تحريك اللِّسان أو كَتْب البَنَان.
لكنَّ بعض العوَام عندهم من الدِّين والحياء ما يَردعُهم عن الوقيعة والخَوض بالباطل في أعراض النَّاس – نَاهِيك بأعراض العلماء – ما لا يوجد حتَّى عند كثيرٍ ممَّن لوَّثتهم ومسختهم الحزبيَّات، وأذهبت إنصافهم الجماعات، وجرأتهم على الباطل التَّنظيمات، مع انتسابهم إلى الدِّين والتديُّن، والعلم والإفتاء، والتَّدريس والدَّعوة.
الوَقفةُ الثَّانية:
قالوا – كان الله لمن ظلموه ناصِرًا – :
[ومنها بخاصَّة مبدأ التَّجريح للعلماء الكبار، وهذا الذي أَورث جفوةً بينهم وأقرانهم من أهل العِلم؛ حيث تأثَّر بمنهجهما بالجرح تلامذتهما؛ فبالغوا أشدَّ المبالغة، وجعلوا من التَّجريح لكبار العلماء منهجًا, وهذا الذي من أجله صدرت الأحكام والبيانات والفتاوَى في التَّحذير منهم].
فزعموا – أصلحهم الله – أنَّ من مبادئ هَذَين العالِـمَين ومِنْهَاجِهِما التَّجريح للعلماء الكبار، وأنَّه قد تأثر بِمِنْهَاجِهِمَا هذا تلامذتهما حتَّى وصلوا إلى أشد المبالغة، وجعلوا منهج التَّجريح لكبار العلماء منهجًا، وصَدَرت لِأجل ذلك الأحكام والبيانات والفتاوَى في التَّحذير منهم.
ولو كان كُتَّاب هذا البيان، والموافقون عليه، الرَّاضون به، على طريق الصِّدق يسيرون، ولظهور الحقِّ يبغُون، ولِنُصح الخَلق يريدون؛ لبيَّنوا لنا أسماء علماء كبار أجلَّاء من أهل السُّنة والحديث – مِن السَّابقين أو اللَّاحقين قد عُرِفُوا بالعِلم والفقه، والزُّهد والصَّلاح، والتَّصنيف والتَّدريس، ومتابعة السَّلف الصَّالح، ونُصرة التَّوحيد والسُّنة، ومحاربة الشِّرك والبدعة – قد جرَّحُوهم؛ حتَّى يحكم القارئ لهم معهم من زاويةٍ واحدة، وبِعَينٍ مُتَّحدة.
وحتى يُعلم: أَصَدقوا أم افتَرَوا، أَنَصحوا أم خَانُوا، أَأنصفُوا أم ظلموا؟
أم أنَّ أعراض مَن لقَّبوهم بـ : «الجامية» أو «المدخلية» حلالٌ، وأعراض غيرهم حرام، وجرحُهم مباحٌ وجَرح غيرهم ممنوع.
أَلَا إنْ كان هذا الطَّعن والتَّجريح لهم، وهذا الافتراء والكذب عليهم في شَرع بعض الأحزاب والجماعات أو بعض رموزها ودُعاتها وأفرادها حلالٌ مباح؛ فإنَّه في شَرع الله ودِينه حرامٌ، وأعراض أهل الإسلام جميعهم سواء في الحُرمة.
وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا – وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»رواه مسلم.
ألا فاحذروا وخافوا وانتهوا عن القسمة الضيزى.
ثمَّ مَا لهُم لم يبينوا للقرَّاء: مَن جَرَحُوا؟، وفيمَن طعنُوا؟
أَجَرحُوا الأئمَّة: كمالك، والشَّافعي، وأحمد، والأوزاعي، والثوري، وابن عُيينة، وابن مهدي، والليث بن سعد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير الطبري، والمزني، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وابن كثير، وابن رجب، ومحمد بن عبد الوهَّاب وأحفاده وتلامذته، وابن باز، وابن عثيمين، وعبيد الله المباركفوري، والألباني، والفوزان، والوادعي، والسُّبيل، وأضرابهم وأمثالهم في كلِّ عصرٍ ومِصر؟
إِنْ كان؟ – وهم عاجزون عنه لا محالة – ؛ فليثبتوا لنا بالجزء والصفحة، والشريط والموقع، فإنَّا – والله شاهد علينا – ما قرأنا ذلك في كُتبهم، ولا سمعنا ذلك منهم؛ مع أنَّا نحنُ جلساؤهم لا هم؛ حتَّى ننصح ونُناصح، ونخوِّف بالله تعالى، ونحذِّر من سخطه.
إلَّا إِنْ كانوا يقصدون:
تبيين خطأ المخطئ في جانب الشَّريعة، ولو كَبُر وجلَّ عندهم، وتبيين الصَّواب فيما أخطأ فيه بِدلِيله؛ فهذا النَّوع قد دَرَج عليه العلماء في جميع الأزمان ومختلف الأقطار، ووُجد في عهد الصَّحابة – رضي الله عنهم – ، وعهد التابعين، وعهود من بعدهم، ولا يزال، ولا سمَّاه العلماء طعنًا ولا تجريحًا ولا غيبة.
إلَّا إِنْ كانوا يقصدون ويتأسَّفون على أنَّهم أو بعضهم – رفع الله قدرهم وذكرهم – :
قد جَرَحُوا أهلَ البدع والضَّلال من: الرَّافضة، والنُّصيرية، والإسماعيلية، والمتصوفة.
وكشفوا ضلال وانحرافات قادة ودُعاة ومفكِّري ومنظِّري «حزب الإخوان المسلمين» وما تفرَّع عنه من: إصلاحٍ، وعدالة، ونهضة، وتنمية، وتربية، وجماعة التَّبليغ، وحزب التَّحرير، والتكفيريين التفجيريين، وفلول التَّصوف، وحذَّروا النَّاس منهم، وما هُم عليه.
فَنَعم والله، وصَدَقوا؛ إذ قرأناه لهم، وسمعناه منهم، وقرأنا وسمعنا تأييد علماء كُثُر من أهل السُّنة والحديث لهم.
إِنْ كانوا يقصدون ويتأسَّفون على أنَّهم أو بعضهم:
قد كشفوا عن ضلالات وانحرافات: حسن البنا، وسيد قطب، ويوسف القرضاوي، وطارق السويدان، وعلي الجفري، وسلمان العودة، وعبد المجيد الزنداني، وعبد الرحمن عبد الخالق، وعدنان عرعور، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وسيَّاف، وحكمتيار، وحسن الصَّفار، وحسن فرحان المالكي، ومحمد إلياس ومحمد سرور ومحمد المسعري وسعد الفقيه ومحمد قطب وعبد الرزاق الشايجي ومحمود الحداد، وأضرابهم، وحذروا النَّاس منهم، ومما وقعوا فيه.
فَنَعم والله، وصدقوا؛ إذ قرأناه لهم، وسمعناه منهم، وقرأنا وسمعنا تأييد علماء كثر من أهل السُّنة والحديث لهم.
ومَبتغَاهُم في ذلك:
نُصح النَّاس؛ حتَّى لا يتابعوهم فيما وقعوا فيه من بدعٍ، وضلالات، وانحرافات؛ فينحرفوا مثلهم، ويَضِلُّوا معهم، ويُلاقوا ربَّهم بسيئاتٍ عظيمة، وآثامٍ خطيرة، وخطايا مُزرية.
وهذا منهم رحمة بالنَّاس لا قسوة، وشفقة عليهم لا إهلاكا، وإحسان لهم لا إساءة.
مبتغاهم في ذلك:
رحمة هؤلاء الذين وقعوا في البدع والانحرافات والضلالات، حتى لا يَكثُر متَّبِعُوهم عليها؛ فَتكثُر سيِّئاتهم وآثامهم وذنوبهم؛ لأنَّ مَن دَعَا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تَبِعه لا ينقص ذلك من آثامه شيئاً.
وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» رواه مسلم.
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه «إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين» (4/305و307) :
ومن الكبائر:
أن يدعوَ إلى بدعةٍ أو ضلالةٍ أو تَرْك سُنَّة؛ بل هذا من أكبر الكبائر، وهو مُضادَّةٌ لرسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم – .اهـ
ومَن كان هذا حاله مع النَّاس فهو راحمٌ لهم شديد الرَّحمة، ومشفِقٌ عليهم عظيم الشَّفقة، ومحسنٌ إليهم كثير الإحسان، حقُّه أن يُشكر ويُذكر، ويُقابَل بالدُّعاء والاحترام، والمحبَّة والإجلال.
لكن أين مَن يعقل ذلك؟
أين مَن ينظر إليه بنظرة الخوف من الله، وقلب مَن يخشى الله والدَّار الآخرة؟
ولتنتبهوا وتتنبَّهوا – سلَّمكم الله – إلى أنَّ أكثر وغالب من رُدَّ عليه، وبُيِّنت ضلالَاته، وحُذِّر من انحرافاته، وكُشِفَت مخالفاته، لا يُعدُّ من العلماء؛ بل ولا حتَّى من طُلَّاب العلم الأقوياء.
وأهلُ هذا البيان قد أعطَوهم فَوق حجومهم، ورفعوهم فوق منازلهم، وهذا باب مَهلكةٍ لهم ولمن رفعوه، وأصبحوا به غَشَشَة لهم لا نَصَحَه.
ثمَّ يا أهلُ هذا البيان!
ما هذا التكبير؟
وما هذا التَّفخيم؟
وما هذه الهالة والهَيلَمة؟
وما سببُ هذا النَّفخ والتَّزبيد؟
حيث أرعدتم فقلتم:
[وهذا الذي من أجله صدرت الأحكام والبيانات والفتاوى في التحذير منهم].
صوَّرتُم للنَّاس أنَّ العلماء قد أصدروا الأحكام والبيانات والفتاوَى في التَّحذير منهم بسبب جرحهم في العلماء الكبار.
فلا عرَّفتُم القُرَّاء مَن هم هؤلاء العلماء؟
ولا بيَّنتم لهم نصوص هذه الأحكام والبيانات والفتاوَى؟
ولا مَن أصدرها؟
وأين مصادرها؟
وفيمَن صدرت؟
أَصدرت في حقِّ واحدٍ أو اثنين أو مجموعة أو الكل؟
حتى ينظر القرَّاء معكم من زاويةٍ واحدة، وبعَينٍ متَّحدة؛ فقد يخالفونكم في الحُكم، ويفارقونكم في الحِسبة.
إلا إن كنتم تقصدون أنفسكم وبيانكم فالله تعالى أعلم بكم، وشأنكم إذاً، وبيانكم هو أول بيان رأته أعيننا، وسمعت عنه آذاننا في حق أهل السنة والحديث السلفيين وكبار علمائهم.
والناس لا يعجزون عن مثل هذا الأسلوب في المعاملة مع المخالفين، ولا تستعصي عليهم هذه الطريقة في الروغان والمراوغة، بل هي سهلة عليهم لا مُؤنةَ فيها ولا مشقة، ولا تحتاج إلَّا بضع دقائق، ومعها جلسة قصيرة حتى بلا إعمال فكر، ولكن الكثير منهم – بفضل الله – يحجزه دِينه وإسلامه، يمنعه الخوف من الله الجليل، والعمل بالتَّنزيل، يردُّه الحياء من الله وخلقه، وأن يظهرَ للنَّاس ما خَبَّأه وفجر فيه مع غيره في الخصومة، تزجره ساعة القَصَاص في الدَّار الآخرة.
وكتبه: عبد القادر بن محمد الجنيد
ولقراءة المقال بصيغة pdf :
http://islamancient.com/ressources/docs/638.pdf