لا يعرف خلاف بين الصحابة أن مس المحدث للمصحف لا يجوز
الحمد لله العلي العظيم، الجليل الكريم، الخبير العليم، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذه إحدى المسائل أنقلها لإخواني ـ سددهم الله تعالى ـ من كتابي “الأحكام الفقهية الخاصة بالمصحف الكريم” مع شيء من الزيادة، وأسأل الله ـ جل وعلا ـ أن ينفع بها الكاتب والقارئ والناشر في الدارين، إنه سميع الدعاء.
ونص هذه المسألة هو:
هل يجوز للمحدث حدثاً أكبرأو أصغر أن يمس المصحف؟
وسيكون الكلام على هذه المسألة في ثلاثة فروع:
الفرع الأول:عن كلام أهل العلم في بيان حكم هذا المس.
قال إسحاق بن منصور الكوسج ـ رحمه الله ـ في “مسائله”(1/89):
قلت ـ يعني للإمام أحمد ـ: هل يقرأ الرجل على غير وضوء ؟ قال: نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف إلا متوضأً.اهـ
ثم قال ـ رحمه الله ـ:
قال إسحاق ـ يعني ابن راهويه ـ: لما صح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يمس القرآن إلا طاهر )) وكذلك فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون.اهـ
ونقله أيضاً عنهما ابن المنذر ـ رحمه الله ـ في كتابه “الأوسط” (2/102).
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(21/266):
مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، كما قال في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (( أن لا يمس القرآن إلا طاهر )) قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له، وهو أيضاً قول سلمان الفارسي وعبد الله بن عمر وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف.اهـ
وقال أيضاً (21/288):
وأما مس المصحف فالصحيح أنه يجب له الوضوء، كقول الجمهور، وهذا المعروف عن الصحابة: سعد وسلمان وابن عمر.اهـ
وقال أيضاً (21/270):
والصحيح في هذا الباب ما ثبت عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو أن مس المصحف لا يجوز للمحدث، ولا يجوز له صلاة الجنازة، ويجوز له سجود التلاوة، هذه الثلاثة ثابتة عن الصحابة.اهـ
وقال أيضاً في “شرح العمدة في الفقه”(1/383 قسم الطهارة ):
وكذلك جاء عن خلق من التابعين، من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين، وهذا يدل على أن ذلك كان معروفاً بينهم.اهـ
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في “المغني”(1/202) معلقاً على قول الخرقي “ولا يمس المصحف إلا طاهر”:
يعني طاهراً من الحدثين جميعاً، روي هذا عن ابن عمر والحسن وعطاء وطاووس والشعبي والقاسم بن محمد، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم لهم مخالفاً إلا داود فإنه أباح مسه…وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف.اهـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في “المجموع”(2/86):
واستدل أصحابنا بالحديث المذكور، وبأنه قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة.اهـ
وقال ابن عبد البر ـ رحمه الله في “الاستذكار”(8/10):
أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد، وهؤلاء أئمة الرأي والحديث في أعصارهم.
وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وطاووس والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وعطاء، وهؤلاء من أئمة التابعين بالمدينة ومكة واليمن والكوفة والبصرة.اهـ
وقال في “التمهيد”(17/397):
ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام: أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر، على وضوء، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبي ثور وأبي عبيد وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وطاووس والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وعطاء.اهـ
وقال الوزير ابن هبيرة ـ رحمه الله ـ في “الإفصاح”(1/68):
وأجمعوا على أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف.اهـ
الفرع الثاني:عن الآثار الواردة عن الصحابة في هذا المس.
نقل في حكم هذا المس جملة من الآثار عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وممن نقل عنه:
أولاً: سعد بن أبي وقاص.
فقد ثبت عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال:
(( كنت أمسك المصحف على سعد بنأبي وقاص فاحتككت، فقال: لعلك مسست ذكرك؟ قال: فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت)) رواه مالك في الموطأ (57) وابن أبي داود في “المصاحف”(ص184-185) والطحاوي في “شرح معاني الآثار”(1/76).
وقال البيهقي ـ رحمه الله ـ في “الخلافيات”(1/516مسألة:12):
هذا ثابت رواه مالك في “الموطأ”.اهـ
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى” (21/200طبعة مكتبة الباز):
وهو ثابت عن سعد.اهـ
وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في “الإرواء”(1/161 رقم:122).
ثانياً: سلمان الفارسي.
فقد ثبت عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال:
(( كنا مع سلمان في حاجة، فذهب فقضى حاجته، ثم رجع فقلنا له: توضأ يا أبا عبد الله لعلنا نسألك عن آي من القرآن، قال: فاسألوا فإني لا أمسه، إنه: {لا يمسه إلا المطهرون} قال: فسألناه فقرأ علينا قبل أن يتوضأ )) رواه ابن أبي شيبة (1/98رقم:1100و1101) واللفظ له، والدارقطني (ا/123رقم:8و9و10و11و12) والحاكم (1/183) وصححاه.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(21/ 200طبعة مكتبة الباز):
وهو ثابت عن سلمان.اهـ
ثالثاً: عبد الله بن عمر بن الخطاب.
فقد ثبت عن نافع عن ابن عمر:
(( أنه كان لا يمس المصحف إلا وهو طاهر)) رواه ابن أبي شيبة (2/ 140) واللفظ له، وأبو عبيد في “فضائل القرآن”(ص244) وابن المنذر في “الأوسط”(2/101رقم:629) والمستغفري في “فضائل القرآن” (1/219رقم:167).
الفرع الثالث:عن الأدلة التي يذكرها أهل العلم عند تقرير هذا الحكم.
ومن هذه الأدلة:
أولاً: آية سورة الواقعة.
حيث قال الله ـ عز وجل ـ في شأن القرآن:
{ إنه لقرءان كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين }.
ووجه ذلك عند المستدلين بهذه الآية:
أن قوله تعالى: { لا يمسه } خبر بمعنى النهي، أي: لا يمسه، وليس بخبر مجرد، لأن خبر الله لا يتخلف، والقرآن يمسه المسلم والمنافق والكافر كما هو مشاهد.
و { المطهرون } قيل المراد بهم: الملائكة، وقيل: الرسل، وقيل المطهرون من الحدث الأكبر والأصغر، وقيل: غير ذلك، وقيل: يدخل فيه جميع من ذكر، لأن الآية عمت جميع المطهرين، ولم تخصص بعضاً دون بعض.
ومما يؤكد دخول المطهرين من الأحداث في هذه الآية، ويقويه على غيره، ما ثبت عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال:
(( كنا مع سلمان في حاجة، فذهب فقضى حاجته، ثم رجع، فقلنا له: توضأ يا أبا عبد الله لعلنا نسألك عن آي القرآن، قال: فاسألوا، فإني لا أمسه، إنه: {لا يمسه إلا المطهرون} )).
وسلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ من الصحابة، وقد استدل بهذه الآية على أن القرآن لا يمس مع الحدث، والصحابة قد شهدوا التنزيل، ووعوه وحفظوه، وعرفوا التفسير والتأويل، فهم أدرى الناس بالمراد به، وعلى ماذا تدل الألفاظ، وما يستنبط منها.
وقال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في “زاد المسير”(8/152) عن الكتاب المذكور في آية سورة الواقعة:
ومن قال هو المصحف ففي المطهرين أربعة أقوال:
أحدها: أنهم المطهرون من الأحداث، قاله الجمهور فيكون ظاهر الكلام النفي ومعناه النهي.اهـ
ثانياً:ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم.
وقد جاء فيه:
(( أن لا يمس القرآن إلا طاهر )).
والمراد بالطاهر:الطاهر من الحدث.
وقد احتج به على هذا الحكم كثير من السلف، ومنهم:
مالك وأحمد وإسحاق.
فإن قيل: هذا الحديث محتمل للطهارة المعنوية وهي: الإيمان، وللطهارة الحسية، وهي الحدث، وإذا دخله الاحتمال لا يصح الاستدلال به.
قيل في الجواب على ذلك:
بأنه “لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر، لأن وصفه بالإيمان أبلغ”.اهـ من كلام العثيمين ـ رحمه الله ـ في “الشرح الممتع”(1/320أو1/265).
والحديث “لا يقدح فيه أن اسم طاهر من قبيل المشترك اللفظي، لأنه لا مانع من حمل الحديث هنا على جميع معانيه، فلا يجوز مس المصحف من المشرك، كما لا يجوز مسه من المسلم المحدث حدثاً أكبر أو أصغر، وقد قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، إذ قد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام، وقال الشوكاني: ـ رحمه الله ـ: حمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي.اهـ من كلام محمد بن عمر بازمول ـ وفقه الله ـ في “الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة”(ص85).
ويزاد على ذلك أن السلف ـ رحمهم الله ـ قد درجوا على الاستدلال به على الطهارة الحسية، وأشهر من عارضه بالنجاسة المعنوية هو داود الظاهري وأصحابه.
وقد قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في رد ذلك على داود:
ودفع حديث عمرو بن حزم في: (( أن لا يمس القرآن إلا طاهر )) بأنه مرسل غير متصل، وعارضه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( المؤمن ليس بنجس )) وقد بينا وجه النقل في حديث عمرو بن حزم، وأن الجمهور عليه، وهم لا يجوز عليهم تحريف تأويل، ولا تلقي ما لا يصح بقبول، وبما عليه الجمهور في ذلك أقول.اهـ
ويقوي بقاءه على الطهارة الحسية، ما تقدم ذكره من آثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(21/ 200طبعة مكتبة الباز):
ثم مس المصحف يشترط له الطهارة الكبرى والصغرى عند جماهير العلماء، وكما دل عليه الكتاب والسنة وهو ثابت عن سلمان وسعد وغيرهم من الصحابة.اهـ
وقال أيضاً (21/270):
والصحيح في هذا الباب ما ثبت عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو أن مس المصحف لا يجوز للمحدث.اهـ
تخريج هذا الحديث:
هذا الحديث أخرجه مالك في “الموطأ”(ص161 رقم:455 كتاب القرآن، باب [1] الأمر بالوضوء لمن مس القرآن ) عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن حزم: (( أن لا يمس القرآن إلا طاهر )).
وقال ابن عبد البر في “التمهيد”(17/338):
لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد.اهـ
وأخرجه عبد الرزاق (1/341-342 رقم:1328) عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال: في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن حزم: (( لا يمس القرآن إلا على طهر )).
ورواه من طريقه الدارقطني (1/121) وقال عقبه:
مرسل، ورواته ثقات.اهـ
وأخرجه أبو داود في “المراسيل”(ص121 رقم:92) حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس أخبرنا محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن حزم بنحوه.
وأخرجه الدارمي (3/1455 رقم:2312) أخبرنا الحكم بن موسى حدثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله كتب إلى أهل اليمن: (( أن لا يمس القرآن إلا طاهر )).
وأخرجه أبو داود في “المراسيل”(ص122 رقم:94) حدثنا محمد بن يحي حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: قرأت صحيفة عند آل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبها لعمرو بن حزم …)).
وقال عقبه: روي هذا الحديث مسنداً، ولا يصح.اهـ
وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ في “الرسالة”(422-423):
ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم ـ والله أعلم ـ حتى ثبت لهم أنه كتاب رسول الله.اهـ
وقال الدوري ـ رحمه الله ـ تلميذ يحيى بن معين كما في “التاريخ”(رقم:647):
سمعت يحيى يقول: حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتاباً، فقال له رجل: هذا مسنداً؟ قال: لا، ولكنه صلح.اهـ
وقال إسحاق بن راهوية ـ رحمه الله ـ كما في “المسائل”(1/89) لإسحاق بن منصور الكوسج: صح.اهـ
وقال ابن عدي ـ رحمه الله ـ في “الكامل في الضعفاء”(3/274-275 ترجمة رقم:747):
سمعت عبد الله بن عبد العزيز يقول: سمعت أحمد بن حنبل وسئل: عن حديث الصدقات هذا الذي يرويه يحيى بن حمزة أصحيح هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحاً.اهـ
وهو في “مسائل أحمد” (ص51 رقم:38) لعبد الله بن عبد العزيز البغوي.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(21/266):
قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.اهـ
وقال الزيلعي ـ رحمه الله ـ في “نصب الراية”(2/341-342):
ورواه كذلك ابن حبان في “صحيحه” والحاكم في “المستدرك” كلاهما عن سليمان بن داود حدثني الزهري به، قال الحاكم: إسناده صحيح، وهو من قواعد الإسلام، وقال ابن الجوزي رحمه الله في “التحقيق”: قال أحمد بن حنبل رضي الله عنهما: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح، قال: وأحمد يشير بالصحة إلى هذه الرواية لا إلى غيره، لما سيأتي، وقال بعض الحفاظ من المتأخرين: ونسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة الأربعة بالقبول، وهي متوارثة، كنسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.اهـ
وقال العقيلي ـ رحمه الله ـ كما في “تلخيص الحبير”(4/1317 رقم:1688):
هذا حديث ثابت محفوظ، إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري.اهـ
وقال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في “الاستذكار”(8/10):
وكتاب عمرو بن حزم هذا قد تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل.اهـ
وقال في “التمهيد”(17/338-339):
لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد روي مسنداً من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف عند أهل العلم، معرفة تستغني بشهرته عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه، لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.اهـ
وقال أيضاً (17/396):
كتاب مشهور عند أهل العلم معروف، يستغنى بشهرته عن الإسناد.اهـ
وقال أيضاً (17/397):
والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام: أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر، على وضوء.اهـ
وقال مغلطاي ـ رحمه الله ـ في “شرح سنن ابن ماجه”(2/402):
ومما يدل على شهرة كتاب عمرو وصحته ما ذكره ابن وهب عن مالك والليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه:…اهـ
وقال الحاكم ـ رحمه الله ـ في “المستدرك” (1/398):
هذا حديث كبير مفسر في هذا الباب يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهري بالصحة.اهـ
وقال يعقوب بن سفيان الفسوي ـ رحمه الله ـ كما في ” تنقيح تحقيق أحاديث التعليق”(1/131-134 رقم:178 مسألة:43):
لا أعلم في جميع الكتب كتاباً أصح من كتاب عمرو بن حزم، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون يرجعون إليه، ويدعون آراءهم.اهـ
وقال البيهقي ـ رحمه الله ـ في “السنن”(4/90):
وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي وعثمان بن سعيد الدارمي وجماعة من الحفاظ، ورأوا هذا الحديث الذي رواه في الصدقة موصول الإسناد حسناً.اهـ
وقال أيضاً (4/90):
وقد روينا الحديث من حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس من أوجه صحيحه، ورويناه عن سالم ونافع موصولاً ومرسلاً، ومن حديث عمرو بن حزم موصولاً، وجميع ذلك يشد بعضه بعضاً.اهـ
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في “إرشاد الفقيه”(1/52):
وروى أبو داود في المراسيل عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ولا يمس القرآن إلا طاهر )) وهذا يسمى وجادة، وهي حسنة تشدد ما قبلها.اهـ
ثم ذكر له أوجهاً وطرقاً أخرى.
وقال في “تفسيره”(4/391):
هذه وجادة جيدة، قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به، وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منه نظر.اهـ
وقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في “تلخيص الحبير” (4/1317رقم:1688):
وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد، بل من حيث الشهرة.اهـ
ثم ذكر كلام الشافعي وابن عبد البر ويعقوب بن سفيان والحاكم.
وقال أيضاً:
وصححه الحاكم وابن حبان كما تقدم والبيهقي.اهـ
وقال ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع فتاويه”(10/153):
وهو حديث حسن له شواهد، وطرق يشد بعضها بعضاً.اهـ
وقال الألباني ـ رحمه الله ـ في “الإرواء”(1/160-161 رقم:122) بعد أن ساق طرقه وشواهده:
وجملة القول: أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، إذ ليس في شيء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال، أو سوء الحفظ، ومن المقرر في “علم المصطلح” أن الطرق يقوي بعضها بعضا إذا لم يكن فيها متهم كما قرره النووي في “تقريبه” ثم السيوطي في “شرحه” وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث، لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل كما سبق، وصححه أيضا صاحبه الإمام إسحاق بن راهويه، فقد قال إسحاق المروزي في “مسائل الإمام أحمد”( ص 5 ): قلت ـ يعني لأحمد ـ: هل يقرأ الرجل على غير وضوء ؟ قال: نعم ولكن لا يقرأ في المصاحف ما لم يتوضأ، قال إسحاق: كما قال: لما صح قول النبي عليه السلام: (( لا يمس القرآن إلا طاهر )) وكذلك فعل أصحاب النبي عليه السلام والتابعون.
قلت: ومما صح في ذلك عن الصحابة:
ما رواه مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: (( كنت أمسك المصحف على سعد بن أي وقاص فاحتككت فقال سعد: لعلك مسست ذكرك ؟ قال: فقلت : نعم فقال: قم فتوضأ فقمت فتوضأت ثم رجعت )) رواه مالك (1/42رقم:59) وعنه البيهقي، وسنده صحيح، وبعد كتابة ما تقدم بزمن بعيد وجدت حديث عمرو بن حزم في كتاب “فوائد أبي شعيب” من رواية أبي الحسن محمد بن أحمد الزعفراني وهو من رواية سليمان بن داود الذي سبق ذكره، ثم روى عن البغوي أنه قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون صحيحا.اهـ
وقال أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ في تعليقه على كتاب “الرسالة” (423) للشافعي:
وأما كتاب آل عمرو بن حزم، فإنه كتاب جليل، كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن، وأرسله مع عمرو بن حزم، ثم وجد عند بعض آله، ورووه عنه، وأخذه الناس عنهم، وقد تكلم العلماء طويلاً في اتصال إسناده وانقطاعه، والراجح الصحيح عندنا أنه متصل صحيح، وقد أوضحت ذلك في حواشي بعض الكتب، وساقه الحاكم مطولاً وصححه.اهـ
وقال محمد علي آدم الأتيوبي ـ وفقه الله ـ في “ذخيرة العقبى” (36/291 عند رقم:4855):
حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه هذا صحيح عندي، فقد صححه ابن حبان والحاكم والبيهقي، ونقل عن أحمد أنه قال: أرجوا أن يكون صحيحاً، بل قال ابن الجوزي في “التحقيق”: قال أحمد رحمه الله تعالى: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح، والحاصل أنه وإن رجح الأكثرون إرساله لكن تصحيحه هو الأرجح عندي لما يأتي.اهـ
وقال العثيمين ـ رحمه الله ـ في “الشرح الممتع”(1/320):
وأما حديث عمرو بن حزم فالسند ضعيف كما قالوا، لكن من حيث قبول الناس له، واستنادهم عليه فيما جاء فيه من أحكام الزكاة والديات وغيره، وتلقيهم له بالقبول يدل على أن له أصلاً، وكثيراً ما يكون قبول الناس للحديث سواء كان في الأمور العلمية أو العملية قائماً مقام السند، أو أكثر، والحديث يستدل به من زمن التابعين إلى وقتنا هذا، فكيف نقول: لا أصل له؟ هذا بعيد جداً.اهـ
وينظر للاستزادة هذه المراجع:
أولاً: في التفسير وأحكام القرآن وفضائله.
تفسير ابن جرير (11/659-661) ) وتفسير البغوي (4/28) والوسيط (4/239) للواحدي، وتفسير ابن عطية (5/251-252) وتفسير ابن الجوزي (8/152) وتفسير القرطبي (17/225-227 أو 17/146-147) وتفسير ابن كثير (4/391) وتفسير صديق خان (6/541-543) وتفسير والألوسي (14/153-154) وفضائل القرآن للمستغفري (1/215-220) وأحكام القرآن (4/174-176) لابن العربي، والتبيان في أقسام القرآن (320).
ثانياً: في شروح الحديث.
الاستذكار (8/9-13و15/253-256و17/338-339) والتمهيد (17/395-400) وشرح البخاري (1/414-415و424و5/150) لابن بطال، وشرح سنن ابن ماجه (2/397-406) لمغلطاي، وعمدة القاري (5/371و25/245و36/232) ومرقاة المفاتيح (2/386) ونيل الأوطار (1/259) وسبل السلام (1/220) وتحفة الأحوذي (1/387) ومرعاة المفاتيح (2/320) شرح سنن النسائي المسمي ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (36/291-294 رقم:4855).
ثالثاً: في الفقه.
الأوسط (2/101-104) والإشراف (1/298-299) والمحلى (1/94-99 مسألة رقم:116) والإفصاح (1/68) وبداية المجتهد (1/114-116و77-78) والحاوي (1/241) والمغني (1/202) والمجموع (2/85-86) وشرح العمدة في الفقه (1/ 380-383) لابن تيمية، ومغني المحتاج (ا/149-150) وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/47) ورد المختار (1/225) وحاشية رد المحتار (1/96) وتمام المنة (ص107) والشرح الممتع على زاد المستقنع (1/315-323 أو1/260-268) والترجيح في مسائل الطهارة والصلاة (83-91).
رابعاً: في المسائل والفتاوى.
مسائل الإمام أحمد وإسحاق (1/89) لإسحاق بن منصور الكوسج، ومسائل البغوي عن أحمد (ص51 رقم:38) ومجموع فتاوى ابن تيمية (21/200و266و270و288) و(21/200من طبعة المكتبة الباز ) والمستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية (1/30) الفتاوى الكبرى (1/34و398) ومجموع فتاوى ابن باز (2/132و10/147 و10/153) وفتاوى إسلامية(4/23-25).
خامساً: في التخريج والرجال.
الكامل في الضعفاء (3/274-275 ترجمة رقم:747) والخلافيات (1/497-518 مسألة:12) وخلاصة الأحكام (1/207-209) والإمام في معرفة أحاديث الأحكام (2/414-427) وإرشاد الفقيه (1/52) ونصب الراية (1/196-199و2/339-342) وتنقيح تحقيق أحاديث التعليق (1/131-134 رقم:178 مسألة:43) والبدر المنير (2/449-505) والدراية (1/86-88 رقم:73) وتلخيص الحبير (1/197-198 رقم:175و4/1329 رقم:1708و4/1315-1317 رقم:1688) ومجمع الزوائد (1/344) والإرواء (1/158-161 رقم:122).
وكتبه: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد