الغيبه والنميمه ورمي عرض المؤمنه
قال جلّ و علا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ النور : 23 ] إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلات الْمُؤْمِنَات ” كُلّ مُحْصَنَة غَافِلَة مُؤْمِنَة رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ , مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُون بَعْض , فَكُلّ رَامٍ مُحْصَنَة بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الآيَة فَمَلْعُون فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَة وَ لَهُ عَذَاب عَظِيم , إِلا أَنْ يَتُوب مِنْ ذَنْبه ذَلِكَ قَبْل وَفَاته , فَإِنَّ اللَّه دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ بِقَوْلِهِ : ” إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَ أَصْلَحُوا “ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم رَامِي كُلّ مُحْصَنَة بِأَيِّ صِفَة كَانَتْ الْمُحْصَنَة الْمُؤْمِنَة الْمَرْمِيَّة , وَ عَلَى أَنَّ قَوْله : ” لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَة وَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم ” مَعْنَاهُ : لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَ لَمْ يَتُوبُوا .
و روى أبو داود في سننه و أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ :“إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ“ .
و المنهي عنه في هذا الحديث هو إطالة اللسان في عرض المسلم ؛ باحتقاره و الترفع عليه , و الوقيعة فيه بنحو قذفٍ أو سبٍ , و إنما يكون هذا أشد تحريماً من المراباة في الأموال لأن العرض أعز على النفس من المال ، كما قال أبو الطيب العظيم آبادي في ( عون المعبود )
و لمّا كان القذف من أشنع الذنوب ، و أبلغها في الإضرار بالمقذوف و الاساءة إليه ، كان التحذير منه في القرآن الكريم شديداً ، و مقروناً بما يردع الواقع فيه من العقوبة .
قال تعالى : ( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 4 ] .
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية : ( يقول تعالى ذكره : و الذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين , فيرمونهن بالزنا , ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهم رأوهن يفعلن ذلك , فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة , و لا تقبلوا لهم شهادة أبداً , و أولئك هم الذين خالفوا أمر الله و خرجوا من طاعته ففسقوا عنها .
و قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله : ( هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ؛ و هي : الحرة البالغة العفيفة فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، وليس فيه نزاع بين العلماء … و أوجب الله على القاذف إذا لم يُُقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام :
أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة .
الثاني : أنه ترد شهادته أبداً .
الثالث : أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله و لا عند الناس .
و القذف الذي يوجب الحد هو الرمي بالزنا أو اللواط أو ما يقتضيهما كالتشكيك في الأنساب و الطعن في الأمّهات تصريحاً على الراجح ( و هو مذهب أبي حنيفة و الشافعي ) ، لا تعريضاً و لا تلميحاً ( خلافاً لمذهب الإمام مالك و من وافقه ) ، إلاّ إن أقرّ المعرّض بأن مراده هو القذف الصريح .
قال الإمام القرطبي في تفسير آية النور :
للقذف شروط عند العلماء تسعة : شرطان في القاذف ؛ و هما : العقل و البلوغ ; لأنهما أصلا التكليف , إذ التكليف ساقط دونهما .
و شرطان في الشيء المقذوف به , و هو : أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد , وهو الزنى و اللواط ; أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي .
و خمسة من المقذوف ؛ و هي : العقل و البلوغ و الإسلام و الحرية و العفة عن الفاحشة التي رمي بها ، كان عفيفاً من غيرها أم لا
هي من قبيل الطعن في الأعراض بالتعريض و التلميح ، و تعتبر قذفاً موجباً للحدّ عند المالكيّة ، و لا تعتبر كذلك عند الحنفيّة و الشافعيّة كما تقدّم ، و في كلتي الحالتين فإن الوقوع في الأعراض بالتلميح أو التصريح من الذنوب الكبائر ، الموجبة للتوبة و استباحة من تسببت في الإساءة إليه ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مالٌ و لا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ .
و التوبة من القذف كالتوبة من الغيبة من حيث حكمها و كيفيّتها و شروط قبولها .
وقليل ماتجد الآن تجمع الناس في الخير إلا من رحم ربي إلا وتجد في مجالسهم من الغيبه والنميمه ماتقطع به أواصر الأسر وتقطع به الأرحام وتفرق اسر ويتشتت الأبناء من هذه الأخلاق السيئة التي نهانا عنها ديننا الحنيف حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم .
وعرض المؤمن عند الله عظيم لذلك رتب الله عليه جزاء
عظيم قال محمد السفاريني في ” الشرعية غذاء الألباب في شرح منظومة الأداب “:
أخرج الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يعتقه من النار } وإسناده حسن ..
وقال عدي بن حاتم : الغيبة مرعى اللئام . وقال أبو عاصم النبيل : لا يذكر في الناس ما يكرهونه إلا سفلة لا دين له.
وهذه خطبه للشيخ الفقيه العلامة ابن عثيمين رحمه الله قال فيها:
“يها الناس اتقوا الله تعالى وعظموا حرمات الله واحترموا أعراض إخوانكم وذبوا عنها كما تذبون عن أعراضكم فإن من ذب عن عرض أخيه ذب الله عن وجه النار يوم القيامة أيها المسلمون لقد شاع بين الناس داءان عظيمان كبيران وهما في نظر كثير من الناس أمران صغيران أما أحدهما فالغيبة يقوم الرجل فيذكر أخاه بما يكره أن يذكر به من عمل وصفة فتجد أكبر همه في المجالس أن يعترض عباد الله كأن ما وكل بنشر معايبهم وتتبع عوراتهم ومن تسلط على نشر عيوب الناس وتتبع عوراتهم سلط الله عليه من ينشر عيوبه ويتتبع عورته تجده يقول فلان فيه كذا وفلان فيه كذا يصفهم بالعيب إما بالفسق أو بالكذب أو بالطول أو بالقصر أو بالسمن أو بالهزال أو بما أشبه ذلك مما يكره الإنسان أن يوصف به ولو فتش هذا القائل عن نفسه لوجد نفسه أكثر الناس عيوباً وأسوأهم أخلاقاً وأضعفهم أمانة إن هذا الرجل المسلط على عباد الله لمشؤوم على نفسه ومشؤوم على جلسائه فهو مشؤوم على نفسه حيث قادها إلى الشر والبغي ومشؤوم على جلسائه لأن جليسه إذا لم ينكر عليه صار شريكاً له في الإثم وإن لم يقل شيئاً أيها المسلمون احذروا من الغيبة احذروا من سب الناس في غيبتهم احذروا من أكل لحوم الناس فلقد مثل الله ذلك بأقبح مثال مثل الله عز و جل من يأكل لحوم الناس بمن يأكل لحم أخيه ميتاً هل تجد أيها الإنسان هل تجد أقبح أو أبشع من شخص يجلس إلى أخيه الميت فيقطع جيفته قطعة، قطعة ويأكلها هل تجد أحد يمكن أن يطيق ذلك ألا أن الذي يغتاب الناس يطيق ذلك اسمع قول الله عز وجل(ولا يغتب بعضكم بعضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ)وإنه لا يبعد لا يبعد أن يعذب الإنسان الذي يسب أخاه في غيبته أن تقرب إليه جيفته يوم القيامة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيا أيها المسلمون إن أمر الغيبة أمر عظيم وخطر جسيم إن كلمة تقولها في أخيك تعيبه بها لو مزجت بماء البحر لأثرت به فاتقي الله أيها المسلم ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال لجبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم أيها الناس أن بعض المغتابين الذين ابتلوا بالغيبة إذا نصحته قال لك أنا لم أقل إلا ما هو فيه ولكن هذا لا يخرجه من فعل الغيبة فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقيل له أرأيت إن كان في أخي ما تقول فقال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) وإن من العجب أن أولئك الذين يغتابون الناس يقولون في إخوانهم ما لا يعلمون لو سألته فقلت له أتشهد عليه بما قلت عنه لقال لا أشهد أفلا يتقي الله أفلا يتقي الله هذا الذي قال ما لا يعلم أفلا يعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أفلا يعلم إن الله قال( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)ألم يعلم هذا الذي قال في إخوانهم ما لا يعلم أنه فيهم ألا يعلم أنه سوف يحاسب عن كل كلمة قالها ألم يكن لا يرضى أن يقع أحد في عرضه فكيف يرضى أن يقع هو في أعراض الناس أما يخشى أن يفضحه الله في الدنيا قبل فضيحة الآخرة.
وقال رحمه الله في الجزاء المترتب في الكلام في أعراض الناس:
“ إن من العجب أن يبتلى به أقوام يحرصون على الصلاة ويتقدمون إليها وهم في أعماله الأخرى مستقيمون ولكنهم يهدون هذه الأعمال الصالحة يهدونها هنيئا مريئا إلى أولئك الذين يغتابونهم إن غيبة إخوانكم إهداء أعمالكم الصالحة إليهم فإنهم إذا لم ينتصروا في الدنيا أو يحللوكم أخذوا من أعمالكم الصالحة في الآخرة فإن فنيت أعمالكم الصالحة أخذ من أعمالهم السيئة فطرحت عليكم ثم طرحت في النار“”
وقال رحمه الله عن داء النميمه:”
” النميمة وهي الإفساد بين الناس بنقل كلام بعضهم في بعض يأتي الإنسان إلى الشخص فيقول قال فيك فلان كذا وكذا حتى يفسد بين الناس ويلقي العداوة بينهم والبغضاء وربما كان كاذباً في ذلك فيجمع بين البهتان والنميمة وإن الواجب على من نقل إليه أحد كلام أحد فيه أن ينكر عليه وينهاه عن ذلك ويحذر منه وليحذر هو بنفسه من هذا الذي نقل كلام الناس إليه فإن من نقل كلام الناس إليك نقل إليهم كلامك وربما ينقل عنك ما لم تتكلم به يقول الله عز وجل ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة نمام ) ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقبران يعذبان وقال (إن أحدهما لا يستنزه من البول وإن الأخر كان يمشي بالنميمة ) فاحذروا أيها المسلمون الغيبة والنميمة فإن بهما فساد الدين والدنيا وتفكك المجتمع وإلقاء العداوة والبغضاء وحلول النقم والجلاء وهم بضاعة كل بطال وإضاعة الوقت بالقيل والقال ولكن قد يقول قائل إذا كان المقصود بالغيبة نصيحة الخلق وتحذيرهم من أهل السوء فهل على في ذلك حرج والجواب على هذا أنه إذا كان المقصود بالغيبة نصيحة الخلق وتحذيرهم من أهل السوء فلا حرج على الإنسان أن يبين تلك العيوب في ذلك الرجل فإذا رأيت شخصاً ينشر أفكاراً هدامة أو يبث أخلاق سيئة أو يشيع تشكيك بين المسلمين في دينهم أو يفعل سواء ذلك من الأمور التي يخشى منها على عباد الله فذكرته بما فيه تحذيراً من شره ونصحاً للأمة وحماية للدين فلا حرج عليك في هذا بل ربما يكون واجباً عليك وهكذا إذا رأيت شخصاً يتملق لشخص مصانع له يأخذ ما عند فإذا أخذ ما عنده ذهب يفضح ما أسره وذكرت ذلك للشخص ليحذر منه فليس ذلك من نميمة وإنما هو نصيحة وهكذا إذا استشارك شخص في إنسان ليعامله أو يزوجه وأنت تعرف فيه نقص في دينه أو خلقه أو أمانته وجب عليك أن تبين ما فيه لمن استشارك ولا يعد ذلك من الغيبة بل هو من النصيحة والله يعلم المفسد من المصلح.
http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/article_31.shtml