خطر الذنوب والمعاصي والكوت عنها
الحمد لله ذي العرش العلي والبطش القوي والعز الأبدي أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم لا ينجو إلا التقي .
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله النبي الأمي من أطاعه فقد فاز ومن عصاه فهو الذليل الشقي .
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الصراط السوي والمذهب النقي وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واخشوا نقمته وعقابه وحاذروا سخطه وعذابه ؛ فهو الحفيظ العليم الشهيد الرقيب القائم على كل نفس بما كسبت .
عباد الله : إنما خلقنا الله لعبادته وطاعته قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فمن خالف هذه الحكمة بمعصية الله خسر في الدنيا والآخرة، قال ابن بطّالٍ رحمه الله تعالى: “في الجهرِ بالمعصيةِ، استخفافٌ بحقِّ الله ورسوله وبصالحِي المؤمنين “.
بل إن من شؤم المعصية والسيئة أنها تدعو أختها قال تعالى {أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }.
والذنوب سبب لحرمان الرزق قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} وقال تعالى:(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ).
فابتلاهم الله بالجدب سنة بعد سنة ، وحبس عنهم المطر فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم (لعلهم يذكرون).
والذنوب أيضا سبب للهزيمة والخسارة قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}.
بل حتى اللحم ما خنز وخبث إلا بالذنوب، أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ».
وأعظم شؤم للذنوب أنها سبب لدخول النار وحرمان الجنان ، قال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} النار، وما أدراك ما النار، حرها شديد، وقعرها بعيد، نسأل الله النجاة منها .
يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – : “إنه لم يظهر المنكر في قوم قط ثم لم ينههم أهل الصلاح بينهم إلا أصابهم الله بعذاب من عنده أو بأيدي من يشاء من عباده ، ولا يزال الناس معصومين من العقوبات والنقمات ما قمع أهل الباطل واستخفي فيهم بالمحارم” .
الساكتُ عن المنكر حالَ الإظهار وعدم الاستتار مع إمكانِ الإنكار شريكٌ لا يسلَمُ من التبِعة، ولا ينجو من الإثم والحرج، يقول جلّ في علاه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ) .
روى أحمد وحسنه الحافظ ابن حجر عن عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه (أي فلم ينكروه)،فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة».
وروى أبو داود وحسنه الألباني عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِن رجلٍ يكون في قومٍ يعْملُ فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيِّروا عليه فلا يغيّروا إلاَّ أصابهم الله بعذابٍ من قبل أن يموتوا».
وعنده عن أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه وصححه الألباني عند بيانه لما أشكل على البعض من قوله تعالى 🙁عليكم أنفسكم) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيه أوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب» .
عباد الله :غايةٌ في التشدِيد ونهايةٌ في التهديد ، نسأل الله أن يتدارَكَنا بعفوه ولطفِه ورحمتِه، وأن يهديَ ضالَّنا ويصلحَ شبابنا وفتياتنا.
أيّها المسلمون، ويلٌ لمن جالس أهلَ المعاصي والمنكرات، أو فرِح بظهورِهم، أو رضيَ بباطلهم، أو أشادَ بأفعالهم، أو ساعَدَهم وساندهم ، أو كثّر سوادَهم، ومن كثَّر سوادَ قومٍ فهو نهم، ومَن رضِيَ عمَلَ قومٍ كان شريكَ مَن عملَ به، قال جل في علاه:(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) .
يقول الشيخ ابن عتيق أحد أئمة الدعوة : العقل على ثلاثة أنواع: عقل غريزي، وعقل إيماني مستفاد من مشكاة النبوة، وعقل نفاقي شيطاني، يظن أربابه أنهم على شيء؛ وهذا العقل هو حظ كثير من الناس بل أكثرهم، وهو عين الهلاك، وثمرة النفاق. فإن أربابه يرون أن العقل إرضاء الناس جميعهم، وعدم مخالفتهم في أغراضهم وشهواتهم، واستجلاب مودتهم، ويقولون: صلح نفسك بالدخول مع الناس، ولا تبغض نفسك عندهم؛ وهذا هو إفساد النفس، وهلاكها لعدة أمور منها:
أحدها: أن فاعل ذلك قد التمس رضى الناس بسخط الله، وصار الخلق في نفسه أجل من الله؛ ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس .
الثاني: أن المداهن لا بد أن يفتح الله له باباً من الذل والهوان من حيث طلب العز; فلو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف بحقه، فكما هان عليه أمر الله، أهانه الله وأذله، (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ).
الثالث : أن المداهن، الطالب رضى الخلق، أخبث حالاً من الزاني والسارق والشارب؛ فأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله من هؤلاء كما قال ابن القيم، رحمه الله تعالى: وأكثر الدينين لا يعبؤون من الأعمال إلا بما شاركهم فيه عموم الناس، وأما أن ينفرد أحدهم بإنكار المنكر وجهاد أهل البدع والرد على أهل الأهواء ودعاة الفتن والدعوة إلى السنة ومخالفة أهواء الناس فلا يقوم به إلا أقل الناس، وأكثر الناس لا يخطر ببالهم فضلا عن أن يريدوه فضلا عن أن يفعلوه، قال ابن القيم : وأقل الناس ديناً، وأمقتهم إلى الله، من ترك هذه الواجبات، وإن زهد في الدنيا جميعها.
عباد الله : في وقتنا وفي بلدنا ظهرت المترجلات من النساء والمستخنثين من الرجال في أسواق المسلمين وميادينهم ، شباب يبالغ في التزين والتحلي والتخنث في الكلام ، والتسكع في الأسواق والتمايل في مجامع النساء ، وفتيات يمشين في الممرات والمتنزهات بتكسر وأزياء منكره وملابس فاتنة توجب سخط الله وعذابه ؛ حتى فجعنا هنا أن نرى تراسل تلك المنكرات تعجبا فقط ، وأقبح منه تضاحكا وسبقا اخباريا ، حتى هانت معصية الجبار في قلوب البعض وكأنه أمر عادي عياذا بالله فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وأيم الله إن لم يتدارك الغيورون على دينهم ونسائهم وأولادهم بالقيام بما أوجب الله وبالإنكار والتوجيه وإلا فليس لنا صك من الله بالعصمة من العذاب .
وقانا الله وإياكم وذريتنا من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد ..
فياأيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه ، وأطيعوه ولا تعصوه .
عباد الله : مساكين وجهلاء هذه الشعوب يريدون حلا لمشاكلهم دون ترك الذنوب وهذا والله هو المستحيل بعينه إنهم يدورون في الفراغ ، يضيعون في التيه سنوات تلو سنوات وأجيال تلو أجيال وهم كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول ، القرآن بين أيديهم فيه تشخيص الداء ووصف الدواء ولكنهم لا يريدونه يريدون الله أن يغير سنته لأجلهم وهذا أبعد شيء عنهم ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا سنة الله واحدة.
ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة مشاكل هذه الشعوب المحتلة وغير المحتلة ، من سلط عليهم حكام ظلمة ومن لم يسلط ، من ابتلوا بالفقر، من انتهت ثوراتهم ،ومن عضهم السيف بنابه وضرستهم الحرب والفتن ،الأمر واحد لا حل إلا بترك الذنوب فإن لم يفعلوا ذلك فوالله ما يزيدون الطين إلا بلة.
عباد الله: لا تغتروا حتى الذين انتهت ثوراتهم وقعوا في شر مما فروا منه انتشر عندهم الشرك والبدع والتصوف وسب الإله والفوضى العارمة وفقدان الأمن والاقتتال، لا حل ، الداء هو لذنوب والعلاج هو التوبة وما سوى ذلك ضياع في تيه ، ولكن الذي يعلمهم بهذا ويضع يده على
الجرح يواجه أشد المواجهة لأن الله قال:﴿ َنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾.
يقول ربنا { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } ولو انتظروا قرون ، هذا هو الحل.
يقول ربنا جل وعلا ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا ﴾ والسلطان الظالم بأس من الله سيف من الله ، الله هو الذي سلطه، لا محبة فيه، ولكن تأديبا لعباده ﴿ فَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى .
اللهم وفق جنودنا المرابطين على أمن بلاد الحرمين وأيدهم بتأييدك .
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد صلاة وسلام ممتدين دائمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين .