يقول السائل: هل يغفر الشرك الأصغر؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن العلماء تنازعوا في الشرك الأصغر، هل هو داخل في عموم قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48]، فبهذا يغفر؟ أو هو داخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، فبهذا لا يغفر؟
في المسألة قولان عند أهل العلم، وأصح القولين – والله أعلم-، أن الشرك الأصغر يُغفَر، وأنه تحت المشيئة كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48]، وإلى هذا القول ذهب الإمام ابن القيم في كتابه “الجواب الكافي”، وهو ظاهر كلام الحافظ ابن حجر في “الفتح”، والشوكاني والعلامة ابن السعدي، وذهب إليه جماعة من أهل العلم.
أما الجواب على قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، فهذا يراد به الشرك الأكبر، أي: عموم الشرك الأكبر؛ لأن قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48] “أنْ” والفعل الذي بعدها تؤول مصدرًا، فيكون التقدير: إن الله لا يغفر شركًا، و”شركًا” هنا في سياق النفي فتفيد العموم، فهي عامة في الشرك الأكبر، ولا يدخل في ذلك الشرك الأصغر لسبب وهو أن الشرك إذا أطلق في القرآن، فإنه في الغالب يُحمَل على الشرك الأكبر.
والقاعدة الأصولية: أن اللفظ إذا استعمل في أمرٍ استعمالًا غالبًا، فإنه يحمل عليه من حيث الأصل، ويسمى بالظاهر، فلذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، يُحمَل على الشرك الأكبر، فيكون العموم راجعًا إلى الشرك الأكبر.
فيكون قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، أي: أن هذا عام في الشرك الأكبر، ولا يدخل في ذلك الشرك الأصغر، ويكون الشرك الأصغر داخلًا في قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48].
وعلى كل حال، فالشرك الأصغر عظيم الذنب، وتلطُّخ العبد وقيامه به سريع، وقَلَّ من ينجو منه، وذلك كالرياء وغيره، فالواجب علينا الحذر منه لعظم ذنبه، وهو أكبر إثمًا من الكبائر بإجماع أهل العلم، كما حكى الإجماع ابن قاسم في حاشيته.
فلذا فيجب الحذر منه في الاجتهاد وتركه – عافاني الله وإياكم والمسلمين أجمعين برحمته، وهو أرحم الراحمين-.
وانظر للفائدة الجواب رقم: (857-1) و (137-2)