يقول السائل: ما حكم من يعرف صفات الشخص من خلال طريقة كتابة حرف باللغة العربية، حتى وإن كان الذي يكتب في مكان والمحلل في مكان آخر؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: كأن المراد من هذا السؤال أن يأتي شخص فيطلب من آخرين أن يكتبوا ولو حرفًا، فإذا كتبوا ذلك، وقرأ هذا الحرف، وقد يكتبون ما زاد على الحرف، أو بعض الناس يقول: وقِّع، فإذا وقَّع من خلال هذا يعرف شخصيته ويستطيع أن يحلل شخصيته إلى غير ذلك.
إن معرفة الجواب في مثل هذا مبني على مقدمة مهمة، وهي: أن من ظن الشيء سببًا، ولم تثبت سببيته، لا بالشرع، ولا بالتجربة الظاهرة المباشرة، فإن مثل هذا شرك.
فقد ثبت عند الترمذي من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطيرة شرك»، وثبت عند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فقد أشرك».
وجه الشرك في هذين الأمرين الطيرة والتميمة: أن أصحابها جعلوها وظنوها سببًا، وهي أسباب وهمية لم تثبت سببيتها لا بالشرع ولا بالتجربة الظاهرة المباشرة، فكل من ظن سببًا وهميًا سببًا حقيقيًا فقد وقع في الشرك.
فلو أن رجلًا أراد أن يفتح متجره، فرأى رجلًا أعور، فقال: إذًا اليوم خسارة، فلن أفتح متجري، فمثل هذا قد وقع في الشرك؛ لأن رؤيته للرجل الأعور أو الأعرج سببٌ وهمي للخسارة، لا سبب حقيقي، فمثله مثل الطيرة، ومثله مثل لبس التميمة، فإن هذه أسباب وهمية، بخلاف لو أن رجلًا أراد أن يفتح متجره، فكان الجو مغبرًا، أ كثير الغبار، وفي مثل هذا الحال يغلب على الظن أَلَّا يأتي أحد، ففي مثل هذه الحالة لا يفتح متجره، فإن مثل هذا جائز؛ لأنه سبب حقيقي.
إذًا يتلخص مما تقدم أن ظن السبب الوهمي حقيقي شرك، ولا يكون السبب حقيقيًا إلا بأحد أمرين:
إما بالشرع بأن يثبت أنه سبب حقيقي، كالرقية، والتداوي بالعسل وبالحجامة، وبالكي إلى غير ذلك.
أو بالتجربة، ويشترط في التجربة أمران:
أن تكون مباشرة، وأن يظهر تأثير السبب في المسبب.
ومعنى المباشرة أن يكون هناك اتصال بين السبب والمسبب، فمن أراد أن يفتح الباب لابد أن يضع يده على مقبض الباب، أو أن يدفعه بيده.
ولا أحد يُوجِد الأسباب بدون اتصال بين السبب والمسبب إلا الله، فهو إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون، أما ما عداه من المخلوقين فلا يُوجِدون شيئًا من الأسباب إلا باتصال بين السبب والمسبب.
والشرط الثاني: أن يظهر تأثير السبب في المسبب، فلابد أن يكون تأثيره ظاهرًا، والظهور إما أن يظهر للناس كلهم كشرب الماء لذهاب العطش، وكالأكل لذهاب الجوع ونحو ذلك، أو أن يكون ظاهرًا لأهل التخصص فحسب، كما نرى في كثير من الأجهزة الإلكترونية أنها تفتح بابًا أو شاشة تلفاز ، فإن ظهور مثل هذا خاص لأهل الفن والتخصص.
أما إذا لم يكن تأثير السبب في المسبب ظاهرًا، لا ظهورًا عامًا لكل أحد، ولا لأهل التخصص، فإن مثل هذا محرم في الشريعة، بل هو شرك – عافاني الله وإياكم-؛ لأنه سبب وهمي.
فما اشتهر في هذه الأزمان من أن بعض الناس يأتي بالأحجار الكريمة فيقلِّبها، فيجعلها سببًا لمعرفة كذا وكذا، فهذا من الشرك والكهانة- عافاني الله وإياكم-.
وبعض الناس يقول لرجل: وَقِّع، فإذا وقَّع فعن طريق توقيعه يعرف يحلل شخصيته هذا أيضًا من الشرك؛ لأنه سبب وهمي، ومثل ذلك إذا قال: اكتب حرفًا أو كتابة، -كما سأل السائل- فهذا من الشرك الذي يجب أن يتقى، فإن هذه الأفعال شرك وهي محرمة في الشريعة.
فأدعو المسلمين أن يتقوا الله، وأن يدرسوا التوحيد، وأن يعرفوه ويعرفوا أدلته، فإن معرفة ذلك واجب على المسلمين حتى لا يقعوا في الشرك، سواء كان الشرك الأكبر أو الأصغر.
وقد أشار لما تقدم ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، وبينه بيانًا أوضح شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرحه على كتاب التوحيد في كتابه “القول المفيد”.
وإن من المهم أن يضبط المسلمون قاعدة الأسباب، وأن يغلقوا هذا الباب الذي يدخل منه الشياطين على بني آدم، بالكهانة والخديعة وغير ذلك، فإذن لا يكفي في السبب أن يؤثر، بل لا بد أن يثبت أن هذا المؤثر سبب حقيقي، ولا تثبت سببيته الحقيقية إلا بالشرع أو بالتجربة المقيدة بأمرين بالظاهرة والمباشرة.
ومن بلغه مثل هذا، فإن كان في السعودية فليبلغ رجال الأمن ورجال الحسبة، وأهل العلم، وليكتب فيهم إلى ولاة الأمر حتى يُمنَعوا ويؤدبوا، وإن كان بغير السعودية فليحذِّر الناس منهم، وليسع بكل سبيل لإيقافهم.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.