يقول السائل: ذكرت في إحدى محاضراتك: أن السلف كانوا يشنِّعون على المخالف في مسائل العقيدة، فهل يشنع على عالم عنده أخطاء في العقيدة، ولكن لديه حسنات كثيرة؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: ينبغي التفصيل في مثل هذا، الأصل أن الأخطاء في العقيدة ليست كالأخطاء في غيرها، لذا قال الشافعي في حكمه في أهل الكلام: “أن يُضْرَبوا بالجريد والنعال، ويُطافَ بهم في العشائر والقبائل، ويقال هذا جزاء من أقبل على علم الكلام، وترك الكتاب والسنة”.
وقال في المقابل فيما نقل عنه قال: “قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب”، كلامه لما قال: “حكمي في هذا الكلام”، هذا في المسائل التي لا يسوغ الاجتهاد فيها، وفي الأخطاء العقدية ونحوها.
وفي الأول هذه هي المسائل التي يسوغ الخلاف فيها، فالسلف يشددون في المسائل التي لا يسوغ الخلاف فيها، وأكثر العقائد من هذا، بل كلها إلا قليلًا.
لذلك من أخطأ فيما لا يسوغ الخلاف فيه فالأصل أن ينكر، وأن يبين خطأ هذا القول، لكن لا يضلل المخطئ مطلقًا، فلا بد أن يفرق بين الخطأ الجزئي والخطأ الكلي، وقد تقدم تفصيل هذا كثيرًا في أجوبة مستقلة وتبعًا، فليس كل خطأ جزئي يضلل به العالم، بل الذي يضلل به هو الخطأ الجزئي الذي اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدع.
كالقول بالخروج على السلطان، أو تأويل العلو أو النزول، أو عدم الدعوة للتوحيد، أو محاربة العلم لأنه ينفِّر، وعدم إنكار المنكر، أو التجميع والتحزب على حزب أو أشخاص إلى غير ذلك، فإن أمثال هذه الأمور يضلَّل فيها المخالف.
أما إذا كان العالم عالمًا سنيًا سلفيًا، وأخطأ خطأ جزئيًا لم يشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة، فإنه لا يضلَّل، ومثَّل علماء الإسلام بالإمام ابن خزيمة، فإنه أخطأ في حديث الصورة، ومع ذلك لم يضلِّلوه، بل اشتهر تلقيبه بأنه إمام الأئمة.
وقد بيَّن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “بيان تلبيس الجهمية”، وكذلك القاضي شريح أول صفة “العَجَب”، فهو مع تأويل هذه الصفة لم يضلله أئمة السنة، لأنه أخطأ خطأ جزئيًا، قال ابن تيمية: ومع ذلك هو إمام من الأئمة بالاتفاق، ذكر هذا كما في “مجموع الفتاوى”.
فإذًا، ليس كل خطأ ولو كان عقديًا يضلَّل به المخالف، وفي المقابل ليس كل خطأ لا يضلل به المخالف، بحجة أن عنده حسنات كثيرات، بل لا بد أن يفرق بين الخطأ الكلي أو الخطأ الجزئي الذي اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة، كما تقدم تفصيل هذا كثيرًا.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.