كيف تكون تربية الأولاد إذا كان أحد الزوجين يخالف الآخر بالتربية، مثل هذا يشدُّ أو متساهل، أو العناد بينهما بالتربية؟
الجواب:
تربية الأبناء أمانة في عنق الوالدين، وهم مسؤولون عنهم، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[التحريم:6].
وأخرج البخاري من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ‹‹كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ››،فإذن تربية الأولاد أمانة شديدة في عنق الوالدين.
ومما ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه “تحفة المودود”: أن عامة فساد الأبناء بسبب الآباء، وذلك أن الأب يقصِّر في تربية ولده وتعليمه أمور دينه، ثم بعد ذلك يفسد الولد، وكثيرٌ من الآباء يتساءل لماذا لم يُربَّ ولدي تربية حسنة؟ لماذا أخلاق ولدي كذا وكذا؟
فيقال: السبب هو الوالدان، فإنهما أعظم سبب لفساد الأبناء، هذا من حيث الجملة.
فالواجب على الوالدين أن يتقوا الله، وأن يقوموا بالأمانة الواجبة من تربية أبنائهم، وإنَّ مما يعين على تربية الأبناء أمورًا:
الأمر الأول: الدعاء، فالدعاء عظيم، وهو مفتاح الخير كما قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ البقرة:186]،فيستحب للوالدين أن يدعُوَا الله بصلاح أولادهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان:74]، فمن صفات أهل الإيمان أنهم يدعون الله بصلاح أزواجهم وأولادهم، فينبغي للوالدين أن يَدْعُوَا الله بصلاح أولادهم.
الأمر الثاني: الاستقامة والصلاح، فإنَّ الأبوين إذا كانا صالحين كانا سببًا لصلاح أولادهم، وكانا سببًا للخير لهم في الدين والدنيا معًا، كما قال سبحانه: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا﴾[الكهف:82]، فانتفع الأولاد بصلاح آبائهم في أمور دنياهم، فصلاح الوالدين سببٌ عظيمٌ لصلاح الأولاد.
الأمر الثالث: التطاوع وعدم الاختلاف، فإن مما يؤلم أن يختلف الوالدان، وأن يتعاندا في تربية أولادهم، وهذا يعود بالضرر على الأولاد، وقد أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث أبي موسى، أبا موسى ومعاذ إلى اليمن للدعوة إلى الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا››، فإن التطاوع مطلب شرعي لينتفع الأولاد بذلك، وأَلَّا يكون الأولاد أرض معركة تحصل بين الوالدين، أو أن يكونوا ضحيَّة عناد يحصل من الوالدين، فالله الله بالتطاوع والسعي إلى إصلاح الأولاد.
وإنَّ مما ينبغي أن يُعلم أنه إذا كان أحدُ الوالدين شديدًا، وكان الآخر مُسهِّلاً فإن في هذا نفعًا للأولاد، بحيث أنه لا يشد الاثنان عليهما.
والأصل أن تكون القوامة بيد الأب، وأن يكون هو الذي بيده القوة، والأم بخلاف ذلك؛ ليقرب الأولاد منها، ويأخذوا من حنانها، ويفشوا لها سرهم،… إلى غير ذلك، فاختلاف الزوجين فيه نفع للأولاد.
الأمر الرابع مما يعين على تربية الأولاد: فعل الأسباب في إصلاحهم من تعليمهم لدين الله، وتعليمهم للقرآن، وإبعاد المعاصي والذنوب عن البيت من هذه الشاشات المحرمة وغير ذلك، حتى يكون سببًا لصلاحهم، وإذا رأى فيهم خلقًا طيبًا عززه، وخلقًا سيئًا زجره، وهكذا حتى ينمو الولد ويربو على الأخلاق الحسنة والطيَّبة، ثم بعد ذلك يرى الوالدان أثر ذلك في الدنيا قبل الآخرة.
أسأل الله عز وجل أن يجعل أزواجنا وقرّة أعين لنا؛ إنه هو الرحمن الرحيم، وهو أرحم الراحمين