أنا كنت في سفرٍ في شهر رمضان فأقمت في أحد المدن ليلةً، ثم نويت السفر في اليوم التالي، ولم أصم هذا اليوم بداهة؛ لأني أريد السفر فلم أسافر حتى غربت الشمس، فما الحكم؟
يقال: بما أنك سافرت مسافة يصح فيها الفطر، وهو السفر الطويل وهو ما يعادل أربعة بُرد، كما قال ذلك ابن عمر وابن عباس، وعلَّق عنهما البخاري أي بما يعادل في زمننا تقريبًا ثمانين كيلو متر، إذا سافرت هذه المسافة، صح لك الفطر.
وعلى ما ذكرته في السؤال: أنك لما أفطرت كنت مسافرًا، فإن كان سفرك هذا سفراً طويلًا، أي ما يعادل ثمانين كيلو متر، أو كنت ناويًا أن تذهب إلى بلدٍ يبعد هذه المسافة وأكثر، وفى الطريق توقفت في بلد، فأفطرت، فإنه يصح لك الفطر.
وأوضّح هذا بمثال لو أن رجلًا أراد أن يسافر من الرياض إلى مكة، والمسافة ما بين الرياض ومكة ألف كيلو متر تقريبًا، ولما خرج خمسين كيلو متر، توقف، واستقر في مكان يومًا بنية أن يكمل السفر، فإنه بقطعه مسافة خمسين كيلو متر، وبنية أن يسافر سفرًا طويلًا يتجاوز ثمانين كيلو متر، فبمجرد خروجه من الرياض يصح له أن يترخص برخص السفر، ولو لم يتم المسافة الطويلة وهي ثمانون كيلو متر.
ففي مثل هذا منذ أن خرج من الرياض صح له أن يفطر إن كان مسافرًا، ويستحب له أن يقصر الصلاة بعد أن أدركته، ولو توقف وجلس في الطريق والمسافة لم تتجاوز خمسين كيلو ولو عشر كيلو متر، بشرط أن يكون فارق البنيان.
فعلى هذا ما ذكره السائل أنه سافر، ثم توقف في مكانٍ يومًا، فأفطر فيه، وفى نيته أن يكمل سفره.
فيقال: إذا كان ما ينوي السفر إليه يعادل ثمانين كيلو متر أو أكثر، فإنه يصح له أن يترخص برخصة السفر من الفطر وغيره.
أما إذا كان ما ينوي الذهاب إليه أقل من ثمانين كيلو متر فلا يصح له الفطر، وهذا يسمى سفرًا قصيرًا، والدليل على هذا ما تقدم نقله عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وهذا تحديد.
وقد ذكر ابن عبد البر قاعدة: أن الصحابة إذا حددوا شيئًا فهذا يدل على أنهم أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يحددون إلا عن توقيف ودليل شرعي.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفقهّنا في الدين، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علّمنا، إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرا.