“الله موجود بلا مكان” أهذا الكلام صحيح أم غير صحيح ؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: قد دل الكتاب، والسُنة، والإجماع، والعقل والفطرة على أن الله فوق مخلوقاته، كما قال سبحانه: ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:10] ولا يصعد الشيء إلى الله إلا إذا كان أعلى؛ لأن الصعود من أسفل إلى أعلى.
وقال سبحانه:﴿أأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك:16]،وقال سبحانه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]؛ أي: علا وارتفع، وأخرج مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي ﷺ أراد أن يعتق جارية، فسألها: ((أين الله))؟ قالت: في السماء، قال: ((من أنا))؟ قالت: أنت رسول الله ﷺ، قال: ((أعتقها؛ فإنها مؤمنة)).
أما الإجماع فقد حكاه غيرُ واحدٍ من أئمة السُنة؛ ممن كتب في الاعتقاد، واقرأ ما شئت من كتب الاعتقاد ممن تعرَّض لهذه المسألة من كتب أهل السُنة من أئمة السلف الماضين، أومن تبعهم، تر أنهم مجمعون على أن الله فوق مخلوقاته سبحانه.
وقوله: ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:5] المراد به؛ أي: على السماء؛ أي: فوق السماء، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ﴾ [الأنعام:11]؛ أي: على الأرض، وكما قال: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه:71]؛ أي: على جذوع النخل.
لذلك؛ نحن يا أهل السنة نُثبِت أن الله في مكانٍ عدمي؛ أي: مكان غير مخلوق، وهو العلو؛ أي: فوق المخلوقات.
أما القول: “بأن الله موجودٌ بلا مكان” إذا كان قائله يُريدُ منه أن الله ليس في العلو، فهذا اعتقادٌ بدعيٌ ضالٌ مخالفٌ للأدلة من الكتاب والسُنة، وإجماع سلف هذه الأمة؛ وإن أراد أن الله ليس في مكانٍ مخلوق فهذا صحيح.
فإذن لا بد أن ينظر لحال الرجل المتكلم به، وقد أفاد الإمام ابن القيم في كتاب “مدارج السالكين”: أن الرجل إذا تكلم بكلمة محتملة فإنه يتبين معنى هذا الاحتمال بالنظر إلى هديه وحالته وسيرته.
فإذن؛ إذا كان المتكلم بهذا سنيًا سلفيًا، فيُحمَل كلامه على المحمل الحسن، وأنه يريد بالمكان؛ أي المخلوق، وإذا كان خلاف ذلك فيُحمَل على المعنى البدعي من اعتقاد الأشاعرة المبتدعة، أو المعتزلة، أو الجهمية.
فإذن؛ الله سبحانه وتعالى في مكان، وهذا المكان غير مخلوق، ويعبِّر عنه أهل العلم بقولهم:((مكان عدمي))، كما عبّر بذلك شيخ الإسلام بن تيمية في كتاب “منهاج السُنة”، وفي كتاب”درء تعارض العقل والنقل” وغيره من كتبه، وقد عبَّر بذلك كثيرًا؛ أي أنه فوق المخلوقات سبحانه كما دلت على ذلك الأدلة.
أسال الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يحينا على التوحيد والسُنة، وأن يميتنا على ذلك، وجزاكم الله خيرًا.