يقول السائل: بعض الناس من طلبة العلم يقول: إن شروط لا إله إلا الله مسألة اجتهادية استنبطها بعض العلماء، وليس هذا الأمر من الأمور التي دلت عليه النصوص، فلذلك لا داعي لذكرها ونشرها ودعوة الناس إليها. فهل هذا القول صحيح؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم يقينًا أن (لا إله إلا الله) لا تنفع صاحبها بمجرد التلفظ بها، وأن من تلفظ بها بلا شروط لم تنفعه، ولو كانت تنفع من غير شروط لانتفع بذلك المنافقون، والمنافقون كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله ولم تنفعهم.
لذا قول من قال إن (لا إله إلا الله) تنفع بلا شروط هذا قول كفري، ومقتضاه أنها تنفع المنافقين ، وهذا ما لا يصح بحال، وهو تكذيب للقرآن والسنة.
ثم مما يدل على أنها لا تكفي بمجرد لفظها أن العلماء متفقون على هذا، لذا ذهبت طائفة مع الأحاديث التي رتبت الفضل الكبير على مجرد قول (لا إله إلا الله) بأن هذه الأحاديث مقيدة بالقيود الثقال، وقد ذهب إلى هذا وهب بن منبه كما علقه البخاري، وهو قول الحسن، وهو الذي رجَّحه ابن رجب -رحمه الله تعالى- في كتابه (كلمة الإخلاص).
وذهبت طائفة إلى أن هذه الأحاديث نُسخت بالأحاديث والأدلة التي جاءت بعد ذلك، وهذا قول الزهري والثوري، ومنهم من عبَّر بالنسخ وأراد به التخصيص، فيرجع قوله إلى أنها لا تنفع بمجرد التلفظ بها، وقد بيَّن هذا ابن رجب في كتابه (كلمة الإخلاص).
فإذن العلماء متفقون على أنها لا تكفي بمجرد التلفظ بها، لل لابد أن يتلفظ بها وأن يعرف معناها، فمن تلفظ بها بلا معرفة معناها والقيام بذلك لم تنفعه (لا إله إلا الله)، ثم جاءت الأدلة الصريحة في تقييدها، كحديث عتبان: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» أخرجه البخاري ومسلم، مفهوم المخالفة: إن لم يكن كذلك لم تنفعه.
وكما روى مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله مستيقنًا بها قلبه، فبشره بالجنة»، مفهوم المخالفة: إن لم يكن كذلك لن تنفعه.
فإذن ذكر الحديث الأول شرط الإخلاص، وذكر الحديث الثاني شرط اليقين، وأخرج مسلم عن عثمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة»، مفهوم المخالفة إن لم يكن كذلك لم يدخل الجنة، فدل على شرط العلم. إلى غير ذلك من الشروط.
فإذن قطعًا لابد أن يُقال إن لها شروطًا، ولابد أن تُقيد بقيودها الثقال، فمن زعم أنها تنفع بمجرد التلفظ بها بلا شرط فقوله كفري كما تقدم ذكره.
فما سأل عنه السائل يحتمل أن هؤلاء يقولون تنفع بلا شرط، وأنه لا يُلتفت إلى شروطها وهذا قول كفري والعياذ بالله، ويحتمل أنهم يقولون إنه قد يُتنازع في تعدد شروطها وهذا الأمر أهون من الذي قبله بكثير، لكن لابد أن يُتيقن أن لها شروطًا، وأن من أهم شروطها المحبة، إلى غير ذلك من الشروط التي دلت عليها الأدلة الشرعية، إما بالأدلة العامة أو بالأدلة الخاصة وقد تقدم ذكر بعضها.
وأخشى أن هؤلاء التبس عليهم أمر، وهو أن من نطقها جاهلًا بمعناها فإنها تنفعه، فيقال: ينبغي أن يُفرَّق شرعًا بين شروط عبادة وعمل وبين وُجود عارض من العوارض الأهلية، فإعذار من ترك عملًا لعارض من العوارض الأهلية كالجهل وغير ذلك لا يدل بحال على أن ليس للعمل شروط.
فمثلًا من شروط الصلاة الطهارة، ومن وقع في ناقض من نواقض الوضوء لم يصح وضوؤه فمن ثم لم تصح صلاته، لكن من وقع في أحد هذه النواقض جهلًا وصلى بجهل لا تفريط فيه، فإن صلاته تصح، كما حقق هذا ابن تيمية كما في المجلد السادس من (مجموع الفتاوى) وفي غيره من مجلدات مجموع الفتاوى، وفي غيرها من كتبه.
واستدل بقصة فاطمة -رضي الله عنها- لما كانت تستحاض ولا تتوضأ وذكر غير ذلك من الأدلة.
فالمقصود أنه صحح صلاة مثل هؤلاء، وهذا لا يتنافى مع كون الطهارة شرطًا، فإن العلماء إذا بحثوا أن للطهارة شروطًا وأن للصلاة شروطًا وأن لـ( لا إله إلا الله ) شروطًا فإن هذا من حيث الأصل، لكن لو عارض هذا شيء من العوارض الأهلية كالجهل أو غير ذلك فإن مثل هذا يكون عذرًا لصاحبه إذا كان جهلًا يُعذر به بلا تفريط، ولا يتنافى مع أن هذا العمل لا يصح إلا بشروط.
وأظن أن الأمر ظاهر.
فالمقصود أن هؤلاء إن أُحسن الظن بهم فهم ما بين أن يقولوا إن العلماء متنازعون في عددها، أو التبس عليهم تأصيل العبادة وذكر شروطها وبين العوارض الأهلية، أما من نازع ابتداءً بأنه لا شروط لها وهو على هذا القول فقد قال قولًا كفريًا والعياذ بالله.
وقد كتبت في ذلك مقالًا قبل سنين وهو موجود في موقع الإسلام العتيق في منبر المشرف العام.
أسأل الله أن يهدينا جميعًا لما يحب ويرضى، وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.