الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد خلق الله تعالى الخلق فقسمهم إلى ذكر وأنثى ليتناسلوا ويعمروا الأرض، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[الذاريات:49].
وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ﴾ [النَّجم:45]
وجعل الله تعالى العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية، فالرجل قوام عليها، وتجب عليه رحمتها والإحسان إليها إن كانت زوجة، ورعايتها إن كانت بنتاً أو أختا.
والمرأة لها الحق في الزواج، و لا يحل لوليها أن يمنعها منه، ولا أن يرد الخاطب الكفوء عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ). الترمذي، وابن ماجه. وحسنه الألباني.
(فَسَادٌ عَرِيضٌ): أَيْ؛ ذُو عَرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ ، رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ ، وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نِسَاءٍ ، فَيُكْثِرُ الِافْتِتَانُ بِالزِّنَا ، وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ.
فإنْ منع الولي مَنْ تحت يده من الفتيات عن الزواج؛ كان ذلك عضلا لها، وعضل المرأة ظلم نهى الله تعالى عنه في القرآن الكريم، وعضلها هو حبسها عن الزواج من كفئها لأي سبب كان.
قال تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾. [البقرة:232].
تأمل أيها العاضل!!!
أن الله تعالى ختم الآية بوعظه عز وجل الأولياء عن عضل البنات، وبين أن تزويجهن ممن أردن إذا كانوا مرضيي الدين والخلق أزكى لهم وأطهر، وأن الله تعالى أعلم منهم بما يصلح لهم ويصلح لبناتهم.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ﴾.[النساء:19].
وكم من فتاة لا ينقصها عن الزواج شيء، ويرغب كرام الرجال في مثلها، لولا أنها ابتليت بولي يرد الخاطبين الأكفاء عنها، بأسباب تافهة ـــــــ وما أكثر التفاهات اليوم ـــــــــ، يظن أنه أدرى بمصلحتها حتى شاب رأسها، واغتيلت سعادتها، وتلاشت أحلامها وأمانيها.
ولا يعلم هذا الولي المسكين بل المتسلط الظالم؛ أن المرأة لو مُلِّكت خزائن الأرض، وأعطيت أموال قارون، وحازت أعلى الشهادات، فلا سعادة لها إلا بزوج وأولاد ترى نفعهم في كهولتها وشيخوختها.
ولا تسأل عن حزن المرأة وقد فاتها قطار الزواج لكبرها بعضل وليها لها وهي ترى قريباتها وقريناتها ينعمن بأزواج وأولاد وبيوت يقمن عليها.
وكم من فتاة محرومة معضولة دعت على من ظلمها وعضَلها ـــــــ وقد يكون العاضل والديها أو أحدهما أو أخيها ـــــــ من شدة ما تعاني من حرقة في قلبها على ما فَعل بها وحرَمها من عش الزوجية التي تحلم به كل امرأة وفتاة.
إن عضل الفتيات جريمة في حقهن، وجريمة في حق المجتمع بأسره؛ لما يولده من انحرافات، وما يسببه من مشكلات، وكم من فتاة محتاجة للزواج قد حيل بينها وبينه، فأشبعت عواطفها وأحاسيسها بالحرام، وجرّت على أسرتها العيب والعار، وكان السبب في ذلك وليها حين منعها حقها، وحال بينها وبين ما أحل الله تعالى لها، وقد ذكر بعض المفسرين أن الخطاب في قوله تعالى ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة:232] متجه لأفراد المجتمع كله، وأنهم مسئولون عما يقع فيه من عضل للفتيات؛ لأنه إذا وجد العضل بينهم وهم ساكتون راضون؛ كانوا في حكم العاضلين.
فالواجب عليهم الإنكار على من فعل ذلك بمن تحت يده من النساء، ووعظه بالكتاب والسنة، فإن أرعوى وإلا وجب أن تنفر جماعة من الناس للمحاماة عن المعضولات، ورفع شكايتهن للقضاء، ونزع ولايتهن من العاضلين لهن.
في نهاية هذه الكلمة ننصح الفتيات اللآتي تعرضن للعضل أن يصبرن ويتصبرن ويتلطفن مع الأبوين ما استطاعوا، فحقهما عظيم ولا ينبغي أن تكون العلاقة بأحد والديك أيتها الفتاة المعضولة علاقة توتر وبغض، فالاحتساب أمره عظيم وثواب الصبر ليس له حدود.
كما نسأله تعالى أن يبصر الأولياء بجهلهم وعيوبهم وما يفعلونه بفتياتهم اللآتي هن أمانة عندهم، وأن يتقوا الله تعالى في عضل من تحت أيديهن من النساء.
والله أعلم.
كتبه وجمعه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
السبت 21 / 5 / 1435هـ.