يقول السائل: ما صحة قصة الغرانيق روايةً ودرايةً؟ وهل حصلت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
الجواب:
المراد بقصة الغرانيق هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في مكة وقرأ سورة النجم، فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لتُرتجى)، فلما سمع ذلك كفار قريش سجدوا مع المسلمين وفرحوا بقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الكلمات.
هذه خلاصة قصة الغرانيق.
وهذه القصة من جهة الدراية لا يوجد فيها ما يُستنكر، وهي من جملة الفتن التي تحصل، كما أفاد هذا ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، فهي فتنة من جملة الفتن فإذن لا يوجد فيها ما يُستنكر حتى تُستنكر من جهة الدراية.
أما من جهة الرواية فإن السلف على تصحيحها، وقد ذكر هذا ابن تيمية، ذكر أن السلف على إثباتها كما في (مجموع الفتاوى)، وذكره ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان)، ولا يُعرف تضعيفها إلا من بعض المتأخرين، كالقاضي عياض، وابن العربي، وأمثالهم، أما السلف الأولون فإنهم على خلاف ذلك، وهم مُثبتون لها.
ومما يدل على صحة القصة من جهة الرواية أنها رُويت بطرق مُرسلة، والتابعون الذين أرسلوها مُختلفو البلدان، فممن أرسل القصة أبو العالية، وقتادة، وكلاهما بصريان، وسعيد بن جبير كوفي، وأبو بكر ابن عبد الرحمن مدني.
فهذا يدل على أن القصة صحيحة، فإن التابعين إذا اختلفت بلدانهم وأرسلوا حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن هذه المراسيل يُقوي بعضها بعضًا كما ذكره الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، وشرح ذلك وأقره ابن رجب في شرح (العلل)، وابن عبد الهادي في (الصارم المنكي)، وفي كلام ابن تيمية كما في شرح (العمدة) ما يدل على أن العلماء متفقون على هذا، أي متفقون على أن المراسيل إذا تعددت بلدانهم فإنه يقوي بعضها بعضًا.
وهذه المراسيل تعددت وتغايرت بلدانهم وأسانيدها صحيحة إلى من أرسلها، فبهذا تكون القصة صحيحة -والله أعلم-.
وأؤكد، ليس في القصة ما يُستنكر، ولو كان فيها ما يُستنكر لما أقرها السلف كما بيَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وإنما هي من جملة الفتن الكثيرة التي يمتحن الله بها عباده.
لاسيما وليس فيه إقرار لأمر، فإن الله قد نسخ ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: 52].
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.