يقول السائل: أريد منك أن تُبيِّن مجمل أصول الأشاعرة والرد عليهم مفصلًا من ناحية السنة والعقل، لقد اشتد الأمر في بلدي وأحتاج الرد عليهم بالحجة والبيان، وجزاك الله خيرًا.
الجواب:
قد سبق الرد على الأشاعرة مفصلًا وسبق بيان ضلالهم وتناقضهم وأنهم مبتدعة بالأدلة الكثيرة، وقد ذكرت هذا في شرح (الفتوى الحموية) وهو موجود في موقع الإسلام العتيق مكتوبًا وصوتيًا ومرئيًا، وعنوانه: “التطريزات السلفية على الفتوى الحموية”.
أما فيما يخص تعارض العقل والنقل، فإن الكلام عليه يطول، لكن خلاصة الأمر أن الأشاعرة كما قرر هذا الرازي في القانون الكلي، يرون أن العقل إذا تعارض مع النقل فإن العقل يُقدم على النقل، ذكر هذا في (الأربعين) وفي (المطالب العالية) وغيرهما.
وهذا لم ينفرد به الرازي، بل ذكره قبله الجويني وغيره، فمذهب الأشاعرة قائم على تقديم العقل على النقل، وهذا باطل من أوجه كثيرة، لكن أذكر بعضها على عجالة:
– الأمر الأول: أنه لا يُسلم أن بين العقل والنقل الصحيح تعارض، فإن العقل الصحيح والنقل الصريح لا يتعارضان، لأنهما حق والحق لا يتعارضان، وقد ألف ابن تيمية في ذلك كتابًا سماه: (درء تعارض العقل والنقل).
– الأمر الثاني: أنه لا يصح أن يُعول على العقل، فإن عقل الإنسان في نفسه متفاوت، تارة يرى أمرًا حسنًا وتارة يرى هذا الأمر نفسه قبيحًا، فالإنسان في نفسه متقلب في عقله، هذا خير دليل وبرهان على أنه لا يصح أن يُعتمد على العقل وأن يُرد به النقل.
– الأمر الثالث: أن عقول بني آدم متفاوتة، فهذا يرى أمرًا حسنًا، والآخر يراه قبيحًا، فهذا التناقض والاختلاف في العقل لا يصح أن يجعله دليلًا، وصدق الله القائل: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء: 82].
– الأمر الرابع: أن الوحي من الله، والكتاب والسنة من الله، أما القرآن فواضح، وأما السنة فقال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44] أي: لتُبيِّن للناس القرآن، فجعل السنة منزلة بقوله: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ أي السنة، وقد استدل بهذا الإمام الشافعي وغيره على أن السنة مُنزلة، وقد قال الله عن محمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ َمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3-4].
فلذلك حقيقة من قال بتقديم العقل على النقل كأنه يقول: أقدم هذا العقل البشري على خالقه، وعلى أوامر الخالق وهو الله سبحانه الخبير العلم سبحانه وتعالى، فكيف يصح أن يُقال هذا الأمر؟
– الأمر الخامس: من قال إن العقل يُقدم على النقل مُقتضى قوله أنه لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين يديه فأمره بأمر، فإن له أن يقول: يا رسول الله لا أقبل قولك هذا، فإن عقلي يُخالفه. فهذا كفر والعياذ بالله، والله يقول: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65].
– الأمر السادس: من تفكر في حقيقة العقل وجد أن حقيقة العقل أنه وعاء فارغ، يُصحح ويُخطئ ويُصوب بناءً على ما وُضع فيه، وفيما يتعلق بالشرعيات، فالذي يوضع فيه الأدلة من الكتاب والسنة، فإذن العقل نفسه لا شيء، وإنما هو آلة وإناء بحسب ما وُضع فيه، فبهذا يُعلم أن الأصل هو النقل والشرع، لا العقل، إذ العقل لا يُميز الصواب والخطأ في الشرعيات إلا ويكون مستندًا في الأصل على الشرعيات، فرجع العقل إلى الشرعيات. وقد ذكر هذا ابن تيمية وغيره من الأوجه الكثيرة في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) وذكر ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة ردودًا كثيرة على من قال بتقديم العقل على النقل وفي الرد على القانون الكلي الذي ذكره الرازي.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.