بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد استمعت إلى مقطع لعبد العزيز الطريفي -هداه الله- وهو يُقرر فيه عدم استحباب قراءة الأعلى والكافرون والإخلاص عند الشفع والوتر، إلا إذا اتصلت، أما إذا فُصل بين الشفع والوتر بسلام فلا يُستحب قراءتها.
وما قرره الطريفي -هداه الله- شاذٌ حديثيًا، وقولٌ مُحدث لا سلف له فقهيًا.
أما حديثيًا: فقد اعتمد على ما روى النسائي من حديث أُبيّ بن كعب، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الوتر بـ(سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الركعة الثانية بـ(قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة بـ(قل هو الله أحد)، ولا يسلم إلا في آخرهنّ.
وهذه الرواية التي اعتمد عليها الطريفي شاذة؛ لأنها من طريق عبد العزيز بن خالد الترمذي، وقد انفرد بها عبد العزيز بن خالد الترمذي، فقد رواها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه عن أُبيّ بن كعب.
وعبد العزيز بن خالد الترمذي قال عنه أبو حاتم: “شيخ” وقوله هذا فيه إشارة إلى ضعف حفظه، بل ذكر ابن حجر أنه مجهول جهالة حال.
فإذن مثل عبد العزيز بن خالد لا يُقبل منه هذا التفرُّد، بل لو تفرد بهذا من هو أوثق من عبد العزيز بن خالد لم يُقبل تفرده؛ لأن الحديث قد رواه جماعة دون هذه الزيادة، وهي قوله: “ولا يسلم إلا في آخرهن”. فإذن لو رواها ثقة لما قُبل، فكيف وقد رواها عبد العزيز بن خالد الترمذي، فإذن هي شاذة ولا يصح أن يُعوّل عليها.
وإنما اللفظ الصحيح لهذا الحديث: هو من رواية عبد الرحمن بن أبزى-رضي الله عنه-، كما أشار لهذا النسائي، وبيّنه بوضوح المزي -رحمه الله تعالى- في كتابه (تهذيب الكمال)؛ وذلك أن النسائي رواه على الوجه الصحيح عن عبد الرحمن بن أبزى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بـ(سبح اسم ربك الأعلى)، و(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)، فإذا فرغ قال: «سبحان الملك القدوس» ثلاثًا، ويمد في الثالثة. أي يمد في الثالثة بقوله: «سبحان الملك القدوس».
أما من الجهة الفقيهة: فإن قول الطريفي -هداه الله- لم يسبقه إليه أحد، وهو قول مُحدث لا سلف له والعلماء على خلافه، ونحن مأمورون أن نتبع سبيل المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: 115].
وقد ذكر ابن تيمية أن الأقوال المحدثة التي ليس لها سلف داخلة في عموم المحدثات والبدع، وقال الإمام أحمد: لا تقل قولًا ليس لك فيه إمام. أي: لا تحدث قولًا جديدًا.
ثم إن قول الطريفي هذا مبنيٌ على خطأ في الفهم الفقهي، وذلك أنه ظنّ أن من قرأ في الشفع بالأعلى والكافرون ثم سلَّم ثم قرأ الإخلاص، أن هذا قد أوتر بواحدة، وهذا خطأ بل مثل هذا قد أوتر بثلاثٍ، إلا أن الوتر بثلاث قد يكون بتسليمة واحد وقد يكون بتسليمتين، كما ذهب إلى هذا الإمام أحمد والشافعي وجماعة من أهل العلم، وقال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث جاءت بتسليمتين.
ويصح أن يُسلم بتسليمة واحدة، لكن الأفضل أن يُسلم بتسليمتين؛ لأن أكثر الأحاديث جاءت بذلك، وقال النووي: لأن ما كان فيه تسليمتان فهو أكثر عملًا فصار أفضل تعبدًا.
فالمقصود أنه مع الوصل أو الفصل، أي بتسليمة واحدة أو بتسليمتين، فالكل يسمى وترًا بثلاث، وهذا خلاف ما ظنه الطريفي من أنه عند الفصل يكون وترًا بواحدة، وهذا خطأ كبير في فهم هذه المسألة، بناءً عليه أحدَثَ الطريفي هذا القول الذي لم يُسبق إليه.
لذا العلماء القائلون بالوتر بثلاث على أنها تُقرأ، سواء وُصلت أو فُصلت، فمن رأى التخيير بين الوصل والفصل قال تُقرأ، ومن ذهب إلى وجوب الفصل قال تُقرأ، ومن ذهب إلى أنها لا تُفصل ولا يصح فصلها كالحنفية فإنهم أيضًا قالوا تُقرأ، ولم يُفرِّق أحدٌ منهم بين حال الوصل والفصل.
فالواجب اتباع سبيل المؤمنين، وألا يُخرج عن سبيلهم إلى الأقوال المُحدثة الجديدة، إذن لو صح حديث أبي بن كعب بلفظ: ولا يسلم إلا في آخرهنّ، فهي صفة من الصفات ولا يمنع حال الفصل كما جاء في حديث ابن أبزى كما هو فهم أهل العلم بحق.
وفي الختام، أدعو الشباب أن يلزموا غرز علماء السنة ومن سار على طريقتهم حتى لا يضلوا ويقعوا في الأقوال المُحدثة والباطلة، كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمهم الله رحمة واسعة-.
وأدعوهم ألا يغتروا بالطريفي فإن له أخطاءً علمية وأوهامًا كثيرة غير هذا الخطأ، وقد أفردت الرد على بعضها في محاضرة بعنوان: (أقوال الطريفي عرض ونقد) مرئيًا وصوتيًا.
أسأل الله أن يثبتنا على التوحيد والسنة حتى نلقاه، وأن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبد العزيز بن ريس الريس
@dr_alraies
المشرف على موقع الإسلام العتيق
11 / 9 / 1441هـ
Tags:
الطريفي,
الوتر,
بدعة