يقول السائل: هل يجوز التساؤل بالأرحام مستدلًا بقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ﴾، وما هو تفسير هذه الآية؟
الجواب:
هذه الآية فيها قراءتان، إما أن تكون الأرحام منصوبة ويكون عطف الأرحام على لفظ الجلالة الله، أي: واتقوا الأرحام، أو أن تكون الأرحام مجرورة فتكون معطوفة على الضمير في قوله: ﴿بِهِ﴾، وعلى معنى الجر يصح أن يُسأل بالرحم، فيقول القائل: أسألك برحمي، أو بحق رحمي …إلى غير ذلك من المعاني.
وقد بيَّن هذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في مواضع منها ما في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم)، وذكر أن عبد الله بن جعفر كان إذا سأل علي بن أبي طالب سؤالًا ولم يُعطه، سأله بالرحم، ثم بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن هذا ليس قسمًا، وإنما هو توسل بالرحم، ومثل هذا جائز وقد قرر هذا القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره.
فإن قيل: إن التوسل إنما يجوز بأمور ثلاثة، بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة ودعاء الرجل الصالح، فكيف جاز التوسل بالرحم؟
فالجواب: إن التوسل إنما يجوز في أمور ثلاثة إذا كان في حق الله، فإنه إذا كان في حق الله يكون عبادة، والأصل في العبادات الحظر والمنع فلا يجوز إلا في هذه الأمور الثلاثة، أما أن يسأل الرجل رجلًا آخر وبينهما رحم، فلا يُقال: لا يجوز لأنه عبادة والأصل في العبادات الحظر، بل يقال: هذا ليس عبادة من حيث الأصل، فلذلك يجوز، والبحث في التوسل الذي لا يجوز والذي الأصل فيه الحظر والمنع، هو إذا ما كان في حق الله سبحانه وتعالى.
يقول السائل: هل يُصام شهر محرم كاملًا؟
الجواب:
ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن أفضل الصيام بعد رمضان، فقال: «صيام شهر الله المحرم»، وظاهر هذا الحديث أنه يصح أن يُصام شهر محرم كاملًا، ويُستحب ذلك، وهذا مستفاد من كلام ابن رجب -رحمه الله تعالى- في كتابه (لطائف المعارف)، ونقله المناوي في (فيض القدير) وأقره، وهو ظاهر قول شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-.
فإذن يُستحب صيام الشهر كاملًا -والله أعلم-.
يقول السائل: هل تسحب الصدقة يوم الجمعة؟
الجواب:
إن من المتقرر شرعًا أنه مع فضل يوم الجمعة وأنه خير يوم طلعت فيه الشمس، إلا أنه لا يُتقصَّد ولا يُخصص بعبادة دون الأسبوع إلا ما ثبت به الدليل، لذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، ولا بقيام من بين الليالي …» الحديث.
فلذلك لا يُخص يوم الجمعة بصدقة؛ لأنه لا دليل على ذلك، وإن فعله بعض المتأخرين، فإني لم أجد كلامًا للمتقدمين يدل على استحباب تخصيص يوم الجمعة بصدقة، ولو كان مستحبًا عندهم لرأيت كلامهم متواردًا في مثل ذلك، وإنما رأيت عند بعض المتأخرين من بعض الشافعية وبعض الحنابلة.
فإن قيل: قد روى عبد الرزاق في قصة كعب مع أبي هريرة وأن كعبًا ذكر لأبي هريرة أن للصدقة في يوم الجمعة فضلًا؟
فيقال: هذه القصة التي رواها عبد الرزاق شاذة، وإلا أصلها ثبت من رواية مجاهد عن ابن عباس عن أبي هريرة في قصةٍ حصلت بين أبي هريرة وكعب، وفيها أن أبا هريرة ذكر لكعب الأحبار أن في الجمعة ساعة لا يُوافقها عبد مؤمن إلا استُجيب له فيها. فقط بدون الزيادة التي من كعب الأحبار، وما عدا ذلك فهو شاذ، كما يُستفاد من صنيع الدارقطني -رحمه الله تعالى- في كتابه (العلل).
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وجزاكم الله خيرًا.