بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
أما بعد:
فإن أعمار الأمم السابقة طويلة وكلما تأخر الزمان نقصت الأعمار ثبت عند ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- في تفسير قول الله تعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت: 14] قال: “فإن الناس لم يزالوا في نقصان أعمارهم وأحلامهم وأخلاقهم إلى يومك هذا”. أما أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها قليلة مقارنة بالأمم السابقة ثبت عند الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقليل منهم من يجاوز ذلك»، فلما حكم الله على هذه الأمة المحمدية بقِصَر الأعمار، عوَّضها بأنها إذا عملت أعمالًا قليلةً أخذت أجورًا كثيرة.
لو أردت أن أذكر فضائل الأعمال اليومية لطال المقام فضلًا عن فضائل الأعمال الأسبوعية، أو الشهرية، أو السنوية، وإنما أُذكر ببعض الأعمال ذات الفضائل والأجر العظيمة، أسأل الله أن يجعلنا من المسارعين والمسابقين في الطاعات، إنه الرحمن الرحيم.
إخوة الإيمان: إن كل فريضة أكثُر أجرًا من كل نافلة، ومما نُخطئ فيه كثيرًا أن أحدنا إذا تقرَّب إلى الله بصدقة مستحبة أو صلى صلاة نافلة، وجد لذتها بخلاف الفرائض، والمفترض أن تكون اللذة أكثر وأكبر عند التقرب إل الله بالفرائض.
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «قال الله عز وجل: وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه … » الحديث.
ومن تكلم الفضائل، هذه الصلوات الخمس المفروضة، التي نصليها كل يوم، إن ما بين كل صلاة فريضة وصلاة فريضة أخرى كفارة لما بينهما، وإن هذه الجمعة إلى الجمعة اللاحقة والسابقة كفارة لما بينهما.
ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «والصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر».
ومن الفضائل بعد الصلاة ما روى صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «من سبّح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحِمَده ثلاثًا وثلاثين، وكبره ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة -أي مرة واحدة-: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر».
ومن الفضائل العظيمة قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله” ثبت في البخاري عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة».
ومن الفضائل العظيمة: الصلاة على رسول الله ﷺ ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «من صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا»، فأكثروا إخواني من الصلاة على نبينا محمد بن عبد الله ﷺ ولا سيما في يوم الجمعة وليلتها.
فالله الله إخواني أن نتسابق على الفضائل، وألا نُسبق على فضيلة، وأن نُجاهد أنفسنا، فإن النفس أمَّارة بالسوء، لكنها إذا أُخذت بالحزم طاعت وانقادت ووفقها الله، كما قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
فاتقوا الله وجاهدوا أنفسكم، وتذكروا الجنة، وما فيها من النعيم العظيم مما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
اللهم إنا نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، أن تجمعنا ووالدينا وأحبابنا في الفردوس الأعلى يا رب العالمين، اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وأعذنا من النيران، وأسكنا الجنان يا أرحم الراحمين
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن أفضل الأعمال على الإطلاق ذاك العمل الذي لا يُدانيه عمل، ذاك العمل الذي يحبه الله أشد الحب، ألا وهو توحيده سبحانه وتعالى، ألا يُعبد إلا هو، ولا يُستغاث إلا به، ولا يُطلب المدد إلا منه، ولا يُفزع إلا إليه، ولا يُذبح إلا له،
قال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]
فمن تمسك بالتوحيد فليبشر بجنة عرضها السماوات والأرض، ثبت في صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار».
وثبت في الصحيحين من حديث عتبان بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «فإن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله».
وثبت في صحيح مسلم عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة».
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة كانت معه، قال النبي ﷺ: «من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله مستيقنًا بها قلبه، فبشره بالجنة». نسأل الله الجنة، يا رب العالمين.
إنه لا يكفي التلفظ بكلمة التوحيد “لا إله إلا الله” فقد كان المنافقون يقولون لا إله إلا الله، لكن لم يعملوا بمقتضاها، ولم يلتزموا ما دلّت عليه، فقال الله عنهم: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء: 145].
إن من يقول “لا إله إلا الله” وهو يعتقد أن وليًا يتصرف في الكون، أو يعتقد أن رسول الله ﷺ يعلم الغيب، إلى غير ذلك، فإن “لا إله إلا الله” لا تنفعه؛ لأن من وقع في ضدها ونقيضها الذي هو الشرك، حَبِطَ عمله، كما أن الرجل إذا توضأ وصلى ثم وقع في ناقض من نواقض الوضوء، بطلت صلاته، كذلك من وقع في ناقض من نواقض “لا إله إلا الله” بَطَلت وفسدت.
قال الله عز وجل لمحمد ﷺ: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65] وكان إبراهيم -عليه السلام- وهو إبراهيم! يدعو الله أن يجنّبه الشرك ويقول: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]. روى ابن جرير في تفسيره عن إبراهيم التيمي أنه قال: “ومن يأمن البلاء -أي الشرك- بعد إبراهيم -عليه السلام-؟”.
بل قال الله لنبينا محمد ﷺ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: 19].
فاتقوا الله، وتعاهدوا توحيدكم، ولا يخدعنّكم الشيطان بأنكم موحدون فلا تحتاجون إلى التذكير بالتوحيد، فمن نحن وما نحن عند الخليلين إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-؟
فاتقوا الله، وانشروا التوحيد بين المسلمين، بين الأهل والأولاد والأحباب، حتى يعم العالم الإسلامي، فإن الشرك قد عمَّ وطمَّ أكثر بلاد العالم الإسلامي، يا لله، كم من ضريح يُعبد، وكم من وليٍّ يُقصد؟ وكم يُعتقد في رسول الله ﷺوالأولياء أنهم يعلم الغيب؟
وأختم بالتنبيه إلى أن وباء كرونا بدأ يعود انتشاره فلنستعلن بالله ولنستمر على الاحترازات الوقائية حماية لأنفسنا وللناس ولنضع أيدينا بأيدي المسئولين للحد من انتشاره
اللهم يا من لا إله إلا أنت، أحينا على التوحيد والسنة، اللهم أحينا ووالدينا وأولادنا وأحبابنا على التوحيد والسنة، اللهم وأمتنا على ذلك حتى نلقاك راض عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم سلمنا والمسلمين من وباء كرونا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم وفق ملكنا وولي عهده أن يُعزوا دينك وأن يُعلوا كلمتك وأن يكونوا رحمة على المسلمين، وجميع حكام المسلمين يا رب العالمين.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله