يقول السائل: توفي قبل أيام محمد الصابوني صاحب (صفوة التفاسير) وقد رأيت بعض إخواننا يُثني على علمه وتفسيره، مع أن له مخالفات في التفسير، وقد حذَّر منه الأئمة السلفيون كالعلامة ابن باز -رحمه الله تعالى- فما توجيهكم؟
الجواب:
إن الكلام في الناس بغير بيِّنة ولا برهان شديد، وإن الأصل في أعراض الناس الحرمة، فلا يجوز الكلام فيها إلا ببيِّنة وبرهان، وكذلك في المقابل إن الإشادة بأهل البدع وأهل الضلالة جريمة كبيرة وفيها إعانة على هدم الإسلام، كما ذكر البربهاري عن الفضيل بن عياض أنه قال: من أثنى على صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
وجاءت هذه المقالة عن غير الفضيل كأبي ميسرة وغيره من أئمة السنة، وصدقوا، فإن للبدعة أنصارًا ورجالًا، فإذا أُشيد بهم كان فيه تقوية للبدعة، كما أن للسنة أنصارًا ورجالًا، فإذا قويَ هؤلاء الرجال قويت السنة، وإذا ضعفوا ضعفت السنة، فإذن ينبغي أن نتقي الله وأن نكون وسطًا على صراط مستقيم بلا إفراط ولا تفريط، وأن نتذكر أننا غدًا بين يدي الله موقوفون وأننا مسؤولون عما نقول، ولنضبط عواطفنا وحماساتنا بدين الله، وألا نكون أصحاب ردود أفعال، فإن بعض إخواننا صاحب ردة فعل، قد يرى شدة من أقوام عليه أو على غيره فيُقابل ذلك بردة فعل بتسهيل وتهوين غير مرضي شرعًا، فاتقوا الله يا إخواني واستمسكوا بالحق، كما قال تعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ﴾ [الزخرف: 43] وقال: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153] فاتقوا الله وكونوا وسطًا بلا إفراط ولا تفريط.
وإنه قد كثُر كلام علمائنا من أئمة السنة في هذا العصر على الصابوني، ونقدوه عن بيِّنة وبرهان لا عن هوى وحماسة وعاطفة، وبيَّنوا سبب نقدهم، والأخطاء التي ذكروها شاهدة عليه في كتبه، فلذا لم يتجنّوا عليه ويتقولوا عليه بما لم يقل، فقد بيَّنوا ما قرره من عقائد ضالة شنيعة في حق ربنا سبحانه وتعالى، فاتقوا الله وكونوا أهل غيرة على دين الله، وقدموا دين الله على كل أحد.
وممن نقده وردَّ عليه شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- وشيخنا العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- والشيخ محمد جميل زينو، والشيخ بكر أبو زيد، بل إنه قد ردَّ عليه أناس ليسوا معروفين بنصرة السنة -وقد يكونوا كذلك لكنهم ليسوا مشهورين بذلك فيما أعلم-، ومنهم الشيخ سعد ظلّام، عميد الكلية العربية في مصر، إلى غير أولئك ممن ردوا عليه.
ومن كلمات الشيخ بكر أبو زيد في كتابه [الردود (ص311)]: “صفوة التفاسير اسم فيه تغرير وتلبيس، فأنى له الصفاء وهو مبني على الخلط بين التبر والتين؟ إذ مزج بين تفسيري ابن جرير وابن كثير السلفيين وتفسير الزمخشري المعتزلي، والرضا الرافضي، والطبرسي الرافضي، والرازي الأشعري، والصاوي الأشعري القبوري المتعصب، وغيرهم، ولاسيما وهذا المزج على يد من لا يعرف الصنعة ولا يُتقنها كهذا الذي يتسوَّر هذا الصرح بلا سلم، وإلا فإن أهل العلم يستفيدون من المفسرين المتميزين بما لا يُخرج عن جادة مسلك السلف وضوابط التفسير وسنن لسان العرب”.
إلى أن قال: “فيفيد وصفه بالجهل أنه -أي يُبرهن لماذا وُصف بالجهل- يصحح الضعاف ويضعف الصحاح ويعزو أحاديث كثيرة إلى الصحيحين أو السنن الأربعة أو غيرها وليس في الصحيحين مثلًا أو ليس في بعضها، ويحتجّ بالإسرائيليات ويتناقض في الأحكام”.
قال: “ويفيد وصفه بالإخلال بالأمانة العلمية -أي يُبرهن في وصف الصابوني بهذا الوصف- بتر النقول وتقويل العالم ما لم يقله، وتحريف جمع من النصوص والأقوال، وتقريره مذهب الخلف في كتب السلف”. -وهذه شنيعة لذاتها!-
قال: “ويفيد خلفيته في الاعتقاد -أي يذكر البرهان على أنه خلفي في الاعتقاد- مسخه لعقيدة السلف في مواضع من تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير، وبأكثر في (صفوة التفاسير) وما تحريفه لعدم النصوص إلا ليُبرر هذه الغاية”.
فما ذكره الشيخ بكر أبو زيد كافٍ في بيان ضلاله وأن الرجل ليس على السنة، فاتقوا الله يا إخواني فإنكم محاسبون غدًا على أقوالكم وأفعالكم وإياكم أن تغلبكم عاطفتكم أو ردة الأفعال أو العناد أو غير ذلك في أن تنصروا باطلًا، فما جوابكم إذا وقفتم بين يدي الله؟
وقد رأيت أحد المخرفين ودعاة الضلالة في بلادنا يشيد بالصابوني، وهذا ليس غريبًا، بل إن إشادة أمثال هؤلاء بالصابوني دليل على سوء الصابوني، لكن ممن قال: إنه قد رد عليه أقوام وغدًا سيقفون بين يدي الله.
فيقال: يا مسكين، إن من رد عليه ما ردَّ إلا ابتغاء ما عند الله، وجعلوا ردهم عليه وعلى أمثاله زادًا ينفعهم عند لقاء الله، فاعلم أنهم قد أقدموا على ما أقدموا ابتغاء ما عند الله، ولم يدفعهم إلى ذلك إلا أن يُرضوا الله سبحانه وتعالى والغيرة على دين الله.
فإذن أمثال هذا الكلام العاطفي الذي يأتي به هذا المخرف وأمثاله لا ينبغي أن يُلتفت إليه، فاتقوا الله وانصروا الدين ولا تكونوا عاطفيين واعلموا أنكم غدًا محاسبون وبين يدي الله موقوفون.
أسأل الله أن يحينا على التوحيد والسنة وأن يميتنا على ذلك وأن نلقى الله راضيًا عنا، وجزاكم الله خيرًا.