خطورة الكهانة والعرافة والسحر


الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذِي أنعمَ علينَا بنعمةِ التوحيدِ، وأكَّدهَا بنعمةِ التوكُّلِ وإبطالِ التنديدِ، والصلاةُ والسلامُ علَى رسولِ اللهِ سيدِ المُتوكِّلينَ وإمامِ الغرِّ المحجلينَ ﷺ.

وأشهدُ أنْ لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أمَّا بعدُ:

فإنَّ التوحيدَ أعظمُ الأوامرِ الشرعيةِ، وأحبُّ الأعمالِ المَرضِيَّةِ، ومنْ أجْلِهِ خُلِقَت الخليقةُ، وأُرسِلَتْ الرُّسُلُ الكريمةُ، قالَ تعالى: ﴿‌وَمَا ‌خَلَقْتُ ‌الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] وقالَ: ﴿‌وَلَقَدْ ‌بَعَثْنَا ‌فِي ‌كُلِّ ‌أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].

وأوَّلُ أمرٍ فِي القرآنِ أمرٌ بهِ، قَالَ تعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21] أيْ: وَحِّدُوا رَبَّكم، وأوَّلُ نَهْيٍ فِي القرآنِ نَهْيٌ عنْ ضِدِّهِ وهوَ الشركُ، قَالَ تعالَى: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22].

والذنبُ الوحيدُ الذي لَا يغفِرهُ اللهُ الشركُ الأكبَرُ، قالَ تعالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] وقالَ لمحمدٍ ﷺ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65].

وَلا دُخُولَ للجِنَانِ ونَجَاةَ مِنَ النِّيرانِ إلَّا بالتوحيدِ وتركِ التنديدِ، قالَ تعالَى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72].

ومِمَّا يُخالِفُ التوحيدَ السحرُ، والكهانةُ، والعرافةُ، لِمَا فيها مِن الاستِعَانَةِ بالشياطينِ، قالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ‌الَّذِي ‌أَجَّلْتَ ‌لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: 128].

ولِمَا فيهِا مِن ادِّعاءِ علمِ الغيبِ، وعلمُ الغيبِ خاصٌّ باللهِ، قالَ تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ ‌أَيَّانَ ‌يُبْعَثُونَ﴾ [النمل: 65] وقالَ: ﴿وَعِنْدَهُ ‌مَفَاتِحُ ‌الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59].

وقالَ سبحانهُ مُبيِّنًا كفرَ السَّاحِرِ: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ ‌فِي ‌الْآخِرَةِ ‌مِنْ ‌خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102] وقالَ: ﴿يُؤْمِنُونَ ‌بِالْجِبْتِ ‌وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51] قالَ عُمَرُ: “ الجِبْتُ: السِّحْرُ ” علَّقَهُ البخاريُّ، وأخرَجَ الشيخانُ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- عن النبيِّ ﷺ قالَ: «اِجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قالوا: يا رسولَ اللهِ: وَمَا هُنَّ؟ قالَ: «الشِّرْكُ باللهِ، والسِّحْرُ …»، وثبتَ عندَ عبدِ الرزاقِ عن عُمَرَ بنِ الخطابِ أنهُ كَتَبَ: أنْ اقْتُلُوا كُلَّ ساحِرٍ وَسَاحِرَةٍ.

فكلُّ السحرِ والكهانةِ والعرافةِ كفرٌ سواءٌ كانَ لصرفِ المرأةِ عنْ زوجهَا أو لعطفِ المرأةِ وتحبيبِها لزوجِهَا، أوْ العكسِ، وما أكثرَ هذا بينَ الناسِ الذين باعُوا دينَهم للدُّنيَا ومصالِحِهَا، أو مَا يفعلُه بعضُ ضَعَفَاءِ الدِّينِ مِنَ السحرِ للإضرارِ بالآخرينَ أو الانتقامِ مِنهمْ أوْ غيرِ ذلكَ.

وإنَّ إِتْيانَ الكُهَّانِ والعَرَّافينَ والسَّحَرَةِ وتصديقَهُمْ كفرٌ فِي الدِّينِ، رَوَى الإمامُ أحمدُ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَنْ أتَى كاهنًا أوْ عرَّافًا فصدقهُ بمَا يقولُ فقدْ كفرَ بمَا أنزلَ علَى محمدٍ ﷺ»، وثبتَ عندَ أبِي يعلَى عنِ ابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: “ منْ أتَى كاهنًا أوْ عرَّافًا فصدقهُ بمَا يقولُ فقدْ كفرَ بمَا أنزلَ علَى محمدٍ ﷺ “.

فاحْذَرْ إتيانَ السَّحَرَةِ والكُهَّانِ والعَرَّافينَ، وممَّا يدخُلُ فِي ذلكَ مُتَابعتُهُم فِي القنواتِ الفضائيةِ أوْ مواقعِ الانترنتِ، أوْ الاتصالُ بهمْ، أو تصديقُ الأبراجِ كبرجِ الثورِ أو الحوتِ أو غيرِ ذلكَ، فإنَّ الأمرَ خطيرٌ غايةَ الخطورةِ وجِدٌّ ليسَ بالهَزْلِ، فمَا أكثرَ المتوَرِّطينَ بمُتَابَعَةِ الأبراجِ أوْ مُتَابَعةِ الكُهَّانِ والعَرَّافينَ أوْ ما يُسَمَّى بأصحابِ الأحجارِ الكريمَةِ أو الطاقةِ.

اللهُمَّ احفَظْ لَنَا توحيدَنَا، ونعوذُ بكَ منَ الشركِ والكفرِ كُلِّهِ.

أقولُ مَا قُلْتُ، وأستغفِرُ اللهَ لِي ولكمْ فاستغفروهُ، إنهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ غافِرِ الذنبِ وقابلِ التَّوْبِ، شديدِ العِقابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إلهَ إلَّا هوَ إليهِ المصيرُ، أمَّا بعدُ:

فإنَّهُ لا أعظَمَ للمسلمِ مِن توحيدِهِ، فهُوَ مفتاحُ الجِنانِ، والمُنْجِي مِن النيرانِ.

وهذا التوحيدُ العظيمُ في خَطَرٍ، فَمَا أسرعَ ذهابَهُ عندَ ارْتِكَابِ ناقِضٍ مِن نواقِضِهِ، وزَوَالَهُ عندَ الوُقوعِ في نَقِيضِهِ وضِدِّهِ: وهو الشركُ والكفرُ.

لِذا كانَ الخليلُ إبراهيمُ -عليهِ السلامُ- يدعو اللهَ بالثَّباتِ عليهِ، قال: ﴿وَاجْنُبْنِي ‌وَبَنِيَّ ‌أَنْ ‌نَعْبُدَ ‌الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35] وَرَوَى ابنُ جريرٍ عن إبراهيمَ التَّيْمِيِّ أنهُ قالَ: “ وَمَنْ يَأْمَنُ البَلَاَء -أي الشركَ- بعدَ إبراهيمَ -عليهِ السلامُ-؟“.

وكانَ الرسولُ ﷺ يخافُ على أصحابِهِ مِن الشركِ، روَى الإمامُ أحمدُ عن محمودِ بنِ لبيدٍ عن الرسولِ ﷺ أنهُ قالَ: «أخوَفُ ما أخافُ عليكُمْ الشركُ الأصغرُ»، وسُئِلَ عنهُ، فقالَ: «الرِّيَاءُ». فنحنُ أوْلَى وأوْلَى.

وأعظمُ طريقٍ للشيطانِ في غَزْوِ التوحيدِ وأهلِهِ أنْ يؤمِّنَ الموحدَ مِن الشركِ وزوالِ التوحيدِ ليَسْهُلَ عليهِ سَلْبُ التوحيدِ بأَنْ يُوقِعهُ في وسائِلِ الشركِ ثم الشركِ -حَمَانَا اللهُ أجمعينَ-.

وأعظمُ سبيلٍ للنَّجَاةِ مِن الشيطانِ تعلُّمُ التوحيدِ ودِرَاسَتُهُ وتَدْريسُهُ بقراءَةِ الكُتُبِ النافِعَةِ في التوحيدِ؛ كَكِتابِ التوحيدِ وكتابِ (ثلاثةِ الأصولِ) وكتابِ (القواعدِ الأرْبَعِ)، كُلُّهَا لشيخِ الإسلامِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ -رحمه الله تعالى-، وقراءَةِ شروحِهَا وحضورِ الدروسِ في التوحيدِ في المساجدِ أو عن بُعْدٍ، أو في اليوتيوبِ وغيرِهِ للعلماءِ الموثوقينَ وطلَبَةِ العلمِ السائرينَ على طريقَتِهِمْ.

فاحْرِصُوا على ذلكَ غايةَ الحِرْصِ.

أيُّها المسلمونَ، تعاهدُوا أزواجَكُمْ وأولادَكُمْ ذكورًا وإناثًا، وربُّوهُمْ علَى التوحيدِ وحذِّروهُمْ مِنَ السحرِ والكهانةِ والعرافةِ بجميعِ صورهَا.

أيُّها المسلمونَ، تناصحُوا وتناقلُوا بينكُم فِي وسائلِ التواصلِ وغيرِهَا حرمةَ السحرِ والكهانةِ والعرافَةِ وأصحابِ الأحجارِ الكريمةِ والطاقةِ، وبيِّنوا للناسِ أنهَا كفرٌ مُخالفٌ للتوحيدِ الذِي هوَ حقُّ اللهِ علَى العبيدِ.

وقومُوا إلَى صلاتِكم يرحمْكم اللهُ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

شارك المحتوى:
0