خطبة نواقض الإسلام


 

  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا عزَّ إلَّا فِي طاعتهِ، ولَا سعادةَ إلَّا فِي رضاهُ، ولَا نعيمَ إلَّا فِي ذكرهِ، الَّذي إذَا أُطيعَ شَكرَ، وإذَا عُصيَ تابَ وغفرَ، والَّذي إذَا دُعيَ أجابَ، وإذَا استُعيذَ بهِ أعاذَ.

وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ تسليمًا كثيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

أمَّا بعدُ:

فإنهُ لَا أعظمَ منْ نعمةِ الهدايةِ للإسلامِ، قالَ تعالَى: ﴿بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ﴾ [الحجرات: 17] وقالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] وقالَ: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ﴾ [النحل: 53].

ولَا تظنَّ أنَّ فضلَ اللهِ عليكَ بأنكَ وُلدتَ مسلمًا أنَّ هذهِ النعمةَ متيسرةٌ لكلِّ أحدٍ بلَا تعبٍ ولَا مشقةٍ، كلَّا واللهِ، فإنهُ قد حُرِمَ هذهِ النعمةَ أبوَا رسولِ اللهِ ﷺ، روَى مسلمٌ عنْ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- حديثًا فيهِ قصةٌ، وَفيه: أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ للرجلِ: «إنَّ أبي وأباكَ في النارِ».

وروَى مسلمٌ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: زارَ النبيُّ ﷺ قبرَ أمِّه، فبكَى وأبكَى منْ حولهُ، فقالَ: «استأذنتُ ربِّي فِي أنْ أستغفرْ لهَا فلمْ يُؤذنْ لِي، واستأذنتُه فِي أنْ أزورَ قبرهَا فأذنَ لِي».

بلْ إنَّ عمَّ النبيِّ ﷺ أبَا طالبٍ الذِي كانَ يحوطهُ ويحميهِ، وقدْ خدمهُ أكثرَ منْ كثيرٍ منَ المسلمينَ قدْ حُرِمَ هذهِ النعمةَ، فماتَ كافرًا، روَى البخاريُّ ومسلمٌ عنِ المسيبِ أنهُ قالَ: أنهُ لمَّا حضرتْ أبَا طالبٍ الوفاةُ جاءَهُ رسولُ اللهِ ﷺ، فوجدَ عندهُ أبَا جهلٍ بنِ هشامٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبِي أميَّةَ بنِ المغيرةِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ لأبِي طالبٍ: ” يَا عمُّ، قلْ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ، كلمةً أشهدُ لكَ بهَا عندَ اللهِ ” فقالَ أبُو جهلٍ، وعبدُ اللهِ بنُ أبِي أميَّةَ: يَا أبَا طالبٍ أترغبُ عنْ ملةِ عبدِ المطلبِ؟ فلمْ يزلْ رسولُ اللهِ ﷺ يعرضهَا عليهِ، ويعودانِ بتلكَ المقالةِ حتَّى قالَ أبُو طالبٍ آخرُ مَا كلمهمْ: هوَ علَى ملةِ عبدِ المطلبِ، وأبَى أنْ يقولَ: لَا إلَه إلَّا اللهُ.

أيُّهَا المسلمونَ، إنَّ هذهِ النعمةَ العظيمةَ والمنحةَ الجليلةَ قدْ تُسلَب منَ المسلمِ بكلمةٍ فيكفرُ بعدَ إسلامهِ ويرتدُّ بعدَ إيمانهِ، قالَ تعالَى: ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ وقال: ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.

وإنَّ للإسلامِ نواقضَ تُبطلهُ وتفسدُهُ، وتجعلُ صاحبَه مرتدًا كافرًا مثلَ أبي جهلٍ وأبي لهبٍ، مثلهُ كمثلِ نواقضِ الوضوءِ، إذَا وقعَ فيهَا المتوضئُ فإنهَا تُفسدُ وضوءَهُ وتُبطلُه، ونواقضُ الإسلامِ أقسامٌ ثلاثةٌ:

القسمُ الأولُ: نواقضُ قوليَّةٌ، كسبِّ الدينِ، والاستهزاءِ بهِ أوْ بالرسولِ ﷺ أو بربِّ العالمينَ، أوِ الاستهزاءِ بشعيرةٍ منْ شعائرِ الإسلامِ، كالاستهزاءِ بالحجابِ أو اللحيةِ، قالَ تعالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.

فبعضُ الناسِ إذَا أُغضبَ تلفَّظَ بألفاظٍ كفريَّةٍ، وهذهِ الألفاظُ مُخرِجةٌ لهُ منَ الإسلامِ إلَى الكفرِ، وبعضُ الناسِ يدعو الأمواتِ ويطلبُ منهم المددَ والعونَ والتوفيقَ.

القسمُ الثانِي: نواقضُ فعليَّةٌ، كوطءِ المصحفِ أوِ السجودِ للقبورِ والأصنامِ، أوِ الذبحِ لغيرِ اللهِ منَ الأولياءِ والصالحينَ، أو تركِ الصلاةِ، روَى الإمامُ مسلمٌ عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «بينَ الرجلِ والشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ».

القسمُ الثالثُ: نواقضُ عقديَّةٌ، كاعتقادِ أنَّ أحدًا غيرَ اللهِ يعلمُ الغيبَ، أوْ تفضيلِ حكمِ غيرِ اللهِ علَى حكمِ اللهِ، أوْ ردِّ السنةِ النبويةِ وعدمِ الاحتجاجِ بهَا، أوْ تقديمِ الحريةِ علَى الشريعةِ المحمديةِ، أو اعتقادِ أنَّ هناكَ دينًا غيرَ دينِ الإسلامِ يُوصلُ إلَى اللهِ، أوْ عدمِ تكفيرِ اليهوديَّةِ وَالنصرانيَّةِ وقدْ كفَّرهمَا اللهُ فِي كتابهِ بقولهِ: ﴿لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة: 1] أو تحليلِ مَا حرَّمَ اللهُ أوْ تحريمِ مَا أحلَّ اللهُ … وهكذَا.

إنَّ أوجبَ الواجباتِ الحذرُ منْ نواقضِ الإسلامِ ومبطلاتهِ، فإنَّ مَنْ بطلَ إسلامهُ حرمتْ عليه الجنةُ عليهِ، والنارُ لهُ دارٌ وقرارٌ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72] وحبطتْ أعمالُهُ كجميعِ صلاتِه وصومِه وحجهِ، وروَى الإمامُ مسلمٌ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «واعلمُوا أنهُ لنْ يدخلَ الجنةَ إلا نفسٌ مسلمةٌ».

أقول ما قلت، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ برحمتهِ اهتدَى المُهتدونَ، وبعدلِهِ وحكمَتِهِ ضلَّ الضَالونَ، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شريكَ لهُ لَا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، ترَكنَا علَى مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يزيغُ عنهَا إلَّا أهْلُ الأهواءِ والظُّنونِ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ، وعلَى آلهِ وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلَى يومٍ لا ينفعُ فيهِ مالٌ ولا بنونَ إلاَّ مَنْ أتَى اللهَ بِقلبٍ سَلِيمٍ.

أمَّا بعدُ:

فقدْ روَى البخاريُّ عنِ ابنِ مسعودٍ -رضيَ الله ُعنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «الجنةُ أقربُ إلَى أحدكمْ منْ شراكِ نعلهِ، والنارُ مثلُ ذلكَ».

وإنَّ نواقضَ الإسلامِ كثيرةٌ، حتَّى أوصلهَا بعضُ أهلِ العلمِ إلَى ستمائِةِ ناقضٍ، ولا سبيلَ للنجاةِ منهَا -بعدَ توفيقِ اللهِ وفضلهِ- إلَّا بدراسةِ العلمِ الشرعيِّ والرجوعِ إلَى العلماءِ الموثوقينَ ودروسهمْ وكلماتهمْ، كالعلامةِ عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ -رحمهُ اللهُ تعالَى-، والعلامةِ محمدٍ ناصرِ الدينِ الألبانيِّ – رحمهُ اللهُ تعالَى- والعلامةِ محمدٍ بنِ صالحٍ العثيمينَ – رحمهُ اللهُ تعالَى-، والعلامةِ صالحٍ الفوزانِ -حفظهُ اللهُ-.

إنَّه يجبُ الحذرُ منَ اللسانِ، فهوَ يهوِي بالعبدِ دركاتٍ سافلاتٍ، ويرفعُهُ درجاتٍ عالياتٍ، روَى البخاريُّ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ منْ رضوانِ اللهِ، لا يلقِي لهَا بالًا، يرفعهُ اللهُ بهَا درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ منْ سخطِ اللهِ، لا يلقِي لهَا بالًا، يهوِي بهَا فِي جهنمَ».

أيُّها المسلمونَ، إنَّ البدعَ بريدُ الكفرِ وطريقُه، كبدعةِ التصوفِ منَ الأذكارِ البدعيةِ والرقصِ الصوفيِّ والأدعيةِ الجماعيةِ بعدَ الصلواتِ، والتبرُّكِ بالصالحينَ وتعظيمِ الآثارِ تعظيمًا دينيًّا.

وإنَّ منْ أعظمِ سبُلِ الثباتِ علَى الدينِ: الدعاءَ، قالَ تعالَى: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] واستشعارَ ما نقرأهُ فِي سورةِ الفاتحةِ وهوَ قولُهُ تعالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾.

اللهمَّ اهدنَا فيمنْ هديتَ، اللهمَّ اهدنَا فيمنْ هديتَ، اللهمَّ اهدنَا فيمنْ هديتَ، اللهمَّ ثبِّتنَا علَى التوحيدِ والسنةِ حتَّى نلقاكَ وأنتَ راضٍ عنَّا، ربنَا لا تزغْ قلوبنَا بعدَ إذ هديتنَا وهبْ لنَا من لدنكَ رحمةً إنكَ أنتَ الوهابُ.

وقومُوا إلَى صلاتِكم يرحمكمْ اللهُ.

 

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

شارك المحتوى:
0