تنبيهات حول أركان الإسلام


الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتِنَانِهِ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ الدَّاعِي إلى رِضْوانِهِ ﷺ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ‌مِنْ ‌نَفْسٍ ‌وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] أما بعد:

فإنَّ هذَا الإسلامَ العظيمَ يقومُ على أركانٍ خمسةٍ عِظَامٍ، روَى البخاريُّ ومسلمٌ عنْ عبدِ اللهِ بن عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «‌بُنِيَ ‌الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

والسببُ – واللهُ أعلمُ – في ذكرِ هذهِ الخمسةِ أركانًا للإسلامِ: أنَّ شهادةَ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ: هيَ التوحيدُ؛ والتوحيدُ أساسُ الدِّينِ وكلُّ ما سواهُ قائمٌ عليهِ، أمَّا إِقَامُ الصَّلاةِ فهوَ أفضَلُ العباداتِ العمليَّةِ، أمَّا الزكاةُ فهيَ أفضلُ العباداتِ الماليَّةِ، أمَّا حجُّ بيتِ اللهِ الحرامِ فهوَ أفضلُ العباداتِ التِي جَمَعَتْ بينَ المالِ وجُهْدِ البَدَنِ، وأمَّا الصَّوْمُ فهوَ أفضلُ العباداتِ التَّرْكِيَّةِ، فهذَا الحديثُ هوَ أساسُ كُلِّ العباداتِ وأركانِ الدِّينِ.

أمَّا شهادةُ ألا إلهَ إلا اللهُ فمقتضاهَا ومعناهَا ألا يُعبَدَ إلا اللهُ الذِي لا إلهَ إلا هوَ، ومُقْتَضَى شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ ألَّا يُعبَدَ اللهُ إلا على طريقةِ رسولِ اللهِ ﷺ؛ فالأُولَى: إفرادُ اللهِ بالعبادةِ، والثانيةُ: إفرادُ رسولِ اللهِ ﷺ بالمُتابَعَةِ، فلا دينَ إلَّا بالتوحيدِ، وَلَا دينَ إلا بمُتابَعَةِ رسولِ اللهِ ﷺ.

إنَّ تركَ التوحيدِ شركٌ مُحْبِطٌ للأعمالِ، وتركَ متابعةِ النبيِّ ﷺ بدعةٌ مُسخِطَةٌ للرحمنِ، فاحْرِصُوا على هاتينِ الشهادَتينِ، وتعاهدُوا معناهَا، ورَبُّوا أنفُسَكم وأولادَكم عليهَا، فإنَّ معناهَا مِنْ أهمِّ المُهِمَّاتِ، ولا تَظُنَّنَّ وضوحَ ذلكَ أنهُ سهلٌ ميسورٌ، فَقَدْ حُجِبَ عنهُ أكثرُ المسلمينَ، إنَّ أكثرَ الجامِعَاتِ الإسلاميَّةِ في العالمِ تُربِّي طلابهَا ودارِسيهَا على أنَّ معنَى لا إلهَ إلا اللهُ: لا خالقَ إلا اللهُ، وَلَا رازِقَ إلا اللهُ، وبعبارتهِم: لا قادِرَ على الاختراعِ إلَّا اللهُ، وهذَا المعنَى لو كانَ صحيحًا لآمنَ كفارُ قريشٍ بِهَا، فإنَّ كفارَ قريشٍ – كأبي جهلٍ وأبي لهبٍ – مُقِرُّونَ بأنَّهُ لا خالقَ إلا اللهَ، ولا محيِيِّ إلا اللهُ، ولا رازقَ إلا اللهُ، ولا مدبرَ إلا اللهُ، قالَ سبحانهُ: ﴿وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ ‌مَنْ ‌خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25] ولمَّا دعاهُم النبيُّ ﷺ لهذهِ الكلمةِ -لا إله َ إلا اللهُ- قالُوا: ﴿‌أَجَعَلَ ‌الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5] إذن معنَى هذهِ الكلمةِ العظيمةِ إفرادُ اللهِ بالعبادةِ، فهي تعودُ إلى توحيدِ الإلهيَّةِ أنْ لا يُعْبَدَ إلا اللهُ، ولا يُذبحَ ويُدعَى ولا يُنذرَ إلا للهِ، لا للأولياءِ ولا للصالحينَ ولا لغيرِ ذلكَ.

أمَّا إقامةُ الصلاةِ فيتعلقُ بها أحكامٌ كثيرةٌ لكنْ أُذكِّرُ بأهمِّ الشروطِ الخاصَّةِ بالصلاةِ: أنْ تُصلَّى في وقتِها، إنَّ تأخيرَ الصلاةِ عنْ وقتِها كبيرةٌ منْ كبائرِ الذنوبِ، قالَ سبحانهُ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ ‌بَعْدِهِمْ ‌خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59] روَى ابنُ جريرٍ عنْ ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: ” الغَيُّ وادٍ في جهنَّمَ “.

وروَى ابنُ جريرٍ من ْطُرُقٍ عنْ ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- أنهُ سُئِلَ: هلْ كانُوا تاركينَ لها؟ قالَ: ” لو تركوهَا لكفرُوا، ولكنْ كانُوا يؤخِّرونَ الصلاةَ عنْ وقتِها ” ياللهِ! ما أكثرَ المسلمينَ اليومَ الذينَ لا يصلُّونَ صلاةَ الفجرِ إلا بعدَ خروجِ وقتِهَا! يجعلُ المُنَبِّهَ على وقتِ العملِ والدَّوَامِ! ثمَّ يقومُ ويصلي! وقدْ سُئلَ شيخُنا العلَّامةُ عبدُ العزيزُ بنُ عبد اللهِ بن بازٍ -رحمه الله- عنْ حُكْمِ مَنْ يتعمَّدُ ذلكَ؟ فقالَ -رحمهُ اللهُ-: مَنْ تعمَّدَ ذلكَ فهوَ كافرٌ باللهِ العظيمِ.

أتدرونَ ما معنَى كافرٌ؟ أي أنهُ مُرْتَدٌّ، وزوجتُهُ طالقةٌ، وأولادهُ غيرُ شرعيينَ، وإذا ماتَ لا يُغسَّلُ ولا يُكَفَّنُ ولا يُصلَّى عليهِ في مساجدِ المسلمينَ، روَى الإمامُ مسلمٌ عنْ جابرِ بن عبدِ اللهِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ‌تَرْكُ ‌الصَّلَاةِ».

-فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ- واعلمُوا عظيمَ قَدْرِ الصلاةِ، وكبيرَ منزِلَتَهَا في الإسلامِ، واحْرِصُوا على أدائِهَا في وقتِهَا معَ المسلمينَ في المساجِدِ، فإنَّ النَّفْسَ تحتاجُ إلى مُجاهَدَةٍ، فإذَا جُوهِدَتْ في طاعةِ اللهِ انقادَتْ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ ‌جَاهَدُوا ‌فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

اللهُمَّ يا مَنْ لا إلهَ إلا أنتَ، يا رحمنُ يا رحيمُ، خُذْ بِنَوَاصِينَا إلى البِرِّ والتَّقْوَى، اللهُمَّ أَعِنَّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ﷺ، أمَّا بعدُ:

فإنَّ مِنْ أركانِ الإسلامِ العِظَامِ إيتاءَ الزكاةِ، وللزكاةِ أحكامُهَا فيَجِبُ على مَنْ كان لديهِ مالٌ وتِجَارَةٌ أنْ يتعلَّمَ أحكامَ الزكاةِ حتى يُزكِّيَ مالهُ، حتى لا يَتَساهلَ في تزكيةِ مالِه، حَتَّى لَا يَلْقَى اللهَ وفي ذِمَّتِهِ فرطُ شيءٍ مِنْ هذهِ الزكاةِ التي هيَ رُكْنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ.

ومِمَّا يتعلقُ بأحكامِها أنَّها تُؤدَّى على الفورِ، أي إذَا مَضَى الحَوْلُ والسَّنَةُ على مالٍ تجبُ فيهِ الزكاةُ، فإنَّهُ يَجِبُ البِدَارُ والمُسَارَعَةُ إلى إخراجِهِ، وَمَنْ لَمْ يفعَلْ ذلكَ فإنَّهُ آثمٌ، قالَ سبحانهُ: ﴿‌وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133] وقالَ ﴿‌سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الحديد: 21] إلى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ.

وَمِنْ أركانِ الإسلامِ العِظَامِ: حَجُّ بيتِ اللهِ الحرامِ، وإنَّ حجَّ بيتِ اللهِ الحرامِ واجبٌ على الفور لِكُلِّ مُستَطِيعٍ لَهُ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بشروطِهِ، ثبتَ عندَ البيهقيِّ أنَّ عُمرَ بنِ الخطابِ -رضي الله عنه- قالَ: ” لِيَمُتْ يهوديًّا أو نصرانيًّا، لِيَمُتْ يهوديًّا أو نصرانيًّا، لِيَمُتْ يهوديًّا أو نصرانيًّا، مَنْ كانَ ذا سَعَةٍ وخَلِيَتْ لهُ الطريقُ فماتَ ولمْ يَحُجَّ “.

إِنَّ الأمرَ خطِيرٌ للغايةِ، وما أكثرَ الرجالَ الذينَ يضيِّعونَ أموالَهُمْ في السفرِ شرقًا أو غربًا! أو في المباحاتِ، فإذا جاءَ الحَجُّ بَخِلَتْ نفسهُ! أو تحَجَّجَ بأنَّهُ ليسَ عندهُ مالٌ!! وهكذَا يحصلُ لكثيرٍ منَ النساءِ، فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ.

وإنَّ مِنْ أركانِ الإسلامِ العِظَامِ: صومَ رمضانَ، وصومُ رمضانَ واجبٌ على كُلِّ مسلمٍ بشروطِهِ، فمَنْ أفطرَ يومًا مِنْ رمضانَ تعمُّدًا بِلَا عُذْرٍ فَقَد ارتَكَبَ كبيرةً شنيعةً، ومصيبةً عظيمةً، ثَبَتَ عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: ” مَنْ أفطرَ يومًا مِن رمضانَ بغيرِ عُذْرٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيامُ الدَّهْرِ وَلَو صامَهُ “.

فيجبُ على مَنْ أفطَرَ يومًا مِن رمضانَ بِلَا عُذْرٍ أنْ يُبادِرَ إلى قضائِهِ، وأنْ يُكثِرَ التَّوبةَ والاستغفارَ، فقدِ ارتكَبَ خطيئةً وإثمًا عظيمًا، فليتَّقِ اللهَ الذي لا إلهَ إلا هو، أمَّا مَنْ أفطرَ بعذرٍ فليسَ لهُ أنْ يؤخِّرَ قضاءَهُ إلى رمضانَ الآخرِ، فليُبادِرْ إلى قضائِهِ فإنَّه لا يدرِي قدْ يهجُمُ عليهِ هادِمُ اللَّذَّاتِ ومُفرِّقُ الجماعاتِ.

يا عبادَ اللهِ إنَّ العمرَ قصيرٌ، وإنَّ كُلَّ يومٍ يمضي يقرِّبُنَا إلى آجالِنَا، إنَّ كلَ يومٍ يمضِي يقرِّبُنَا إلى الموتِ، إنَّ كُلَّ يومٍ يمضِي يقرِّبُنَا إلى القبرِ، إنَّ كُلَّ يومٍ يمضِي يقرِّبُنَا إلى يومِ الحاقَّةِ والقارِعَةِ، ذاكَ اليومُ العظيمُ الذي قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيهِ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ ‌زَلْزَلَةَ ‌السَّاعَةِ ‌شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 1-2].

فاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ – وأَعِدُّوا للسُؤالِ جوابًا، وللجوابِ صوابًا، فمَا أسرعَ مُضِيَّ الأيامِ! ما أسرعَ انقضاءَ الأعمارِ، قدْ شُغِلنَا بالدُّنْيَا وبجمعِها وغفلنَا عنِ الآخرةِ والاستعدادِ لهَا.

اللهُمَّ يا مَنْ لا إله إلا أنتَ يا رحمنُ يا رحيمُ، اللهُمَّ اهدِنَا فيمَنْ هديتَ، وعافِنَا فيمَنْ عافيتَ، وتولَّنَا فيمَنْ توليتَ، وبارِكْ لَنَا فيمَا أعطيتَ، وَقِنَا شَرَّ ما قضيتَ، ربَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حسنَةً وفي الآخِرَةِ حسنةً، وقِنَا عذابَ النارِ، اللهُمَّ أعِنَّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادتِكَ،

اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِنْ شرِّ ما نَعْلَمُ، ونعوذُ بِكَ مِن شرِّ ما لا نعلمُ، إنكَ خيرُ مَنْ يُستعاذُ بهِ وأنتَ القوِيُّ العزيزُ سبحانَكَ.

 

 

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

تنبيهات حول أركان الإسلام


شارك المحتوى:
0