الخطبة الأولى:
الحمد لله أتم لنا بالإسلام النعمة ، وكفى بها نعمة ، وجعلنا من خير أمة ، والحمد لله عند كل نعمة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا معبود بحق سواه.
وأشهد أن نبينا محمد أفضل رسله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن أتبع سنته واهتدى بهداه.
أما بعد ، فاتقوا الله
عباد الله : نقف اليوم مع قضية لا ينبغي الملل من طرحها ولا السأم من تكرارها لتكون حية في مدارك الناس حاضرة في واقعهم ، ولنكون أوفياء لهذا الدين فلا بد أن نتعلمه أولاً، وأن نعمل به ثانياً، وأن ندعو إليه ثالثاً، وأن نصبر على الأذى في سبيله رابعاً.
إنها الشعور بالمسؤولية للعمل للدين ، التي يتحقق من خلالها غاية وجود الإنسان على الأرض، حيث قال سبحانه:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
إن هدف الاستخلاف هو تحقيق عبادة الله التي تتحقق من خلال بناء الوطن وعمارة الأرض، قال سبحانه:(هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون)
إنها مسؤولية الجميع، وأمانة منوطة في عنق كل فرد، فقضية العمل للدين قضية كل مسلم .
قضية ليست حكرا على أحد دون غيره ، ولا لأحد دون الآخرين ، الإمام في محرابه، والطبيب في عيادته، والمعلم في صفه، والقائد في معسكره، والتاجر في متجره وبماله ، والعامل في عمله ، الشاب والكهل الذكر والأنثى ، كل حسب جهده وقدرته ، فانظر لنفسك اين مكانك من العمل ، ولا تتطلب المعاذير ولا ترم بنفسك في سوق المفاليس ، واستشعر قضيتك واحمل هم هذا العمل واغتنم المبادرة .
عطاء تلو عطاء، وعمل في إثر عمل :(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) إذا فرغت من الفرائض فاشرع في النوافل، وإذا فرغتَ من الجهاد فانصب إلى الطاعة والعبادة، وإلى الله فارغب بالدعاء أن يتقبّل منك العمل، إنه ثبات على الدين، واستمرار عليه، ومواصلة للعمل حتى تلقى ربك .
إذا كان أهل الباطل يضحون من أجله ويصبرون، ويتواصون بذلك، فنحن أولى منهم بهذا، أولئك الذين قال تعالى فيهم:(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ )
فهؤلاء قدواتك من رسل الله ، وسلفك من صحابة رسول الله ‘ كيف استشعروا هذا الأمر ، وكان يقينهم بعظم ثوابه وما يحصل فيه من تعب إلا ويتضاعف الأجر من الله ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
فما نحن عاملون لديننا وعقيدتنا ومنهجنا السلفي وهذه البلاد القائمة به وهي تغزى بشت الطرق والأدوات ، من شتى الفرق والأحزاب بل والدول متأسلمها وكافرها
لنستشرف هذا المعنى من سير أنبياء الله ورسوله والتابعين لهم بإحسان:
فنوح عليه السلام يقول:( إني دعوة قومي ليلا ونهارا) ثم يقول:(ثم إني دعوتهم جهارا، ثم إني أعلنت لهم
وأسررت لهم إسرارا).
ماذا بقي من حياة نبي الله نوح؟ كل ذلك سخر للرسالة آلف سنة إلا خمسين عاما.
ثم أرحل مع نبي من أنبياء الله ورسله يوسف عليه السلام: يوسف الذي القي به في غيابة الجب، ثم في غيابة السجن ، لوعة الغربة، وألم البعاد، وقهر الظلم، فظُلم ذوي القربى أشد مضاضة ،كل هذه الآلام ولا ينسى أبدا دعوته وقضيته ورسالته، فإذا به يحول السجن إلى مدرسة للتوحيد .
وهكذا أنبياء الله ورسله وكذا السائرون على أثرهم لا ينسون دعوتهم في أحرج اللحظات وأشد الساعات
هذا نبي الله يعقوب عليه السلام يصف الله لنا مشهد وفاته.
( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) وبنوه حولَه
فماذا فعل؟ وماذا قال ؟ ( إذ قال لبنيه ) ماذا قال لهم؟
الأموالُ كيف تجمعونها ؟ القصورُ كيف تبنونها ؟ أم الزروع كيف تزرعونها ؟
إنها قضية التوحيد: ( ما تعبدون من بعدي ).
هذا الهم الذي بقي يقضا في قلبه وهو يودع الدنيا، ( ما تعبدون من بعدي ).
وهو الذي رباهم على التوحيد مذ منذ نعومةِ أظفارِهم، وعرف توحيدهم وصدقهم وإخلاصهم.
ولكن الهمُ اضخم في القلب ( ما تعبدون من بعدي ) ؟.
ثم انظر إلى حالِ خاتمهم نبينا وقدوتنا (صلى الله عليه وسلم) :الذي قضى ثلاثاً وعشرين سنةً في جهدٍ وجهاد وصبرٍ ومصابرةٍ.
فأصرّ على نشر الدعوة، ورفض العروض المغرية، ولم يكف عن العمل، استهزءوا به، غمزوه خنقوه كذبوه، اتهموه بالسحر والجنون، وأن به جنة، وأنه شاعر، مشى عمه وراءه يقول: إنه صابئ كذاب، وضعوا على ظهره سلا الجزور، وضربوه ، في أخرِ عُمرِه يصاب بالحمى التي تستعر في بدنه خمسة أيام حتى إن حرارة بدنه يحس بها من يضع يده على الأغطية وهو متغطي بها (صلى الله عليه وسلم)، بدنُ استعرت فيه الحمى وأنهكَه المرض، لكن هم الدينِ، وهم الدعوة والعمل لا ينهزم ولا يخبو ، فإذا به صلوات الله وسلامه عليه يذكرُ أمته ، فيعيد في أمر التوحيد ويبدي ، ويحذر من الشرك ويلعن أهله .
ثم هو في شدة مرض موته يخرج يتفقدُ أمتَهُ! أين تفقدها في الأسواق؟ كلا ، في الفلاحة وجمع الأموال ؟ لا ، تفقدها وهي تصلي لله ، فإذا بالوجه الشاحبِ من المرض يطفحُ عليه البشر والسرور، فيتهللُ بإشراقةِ ابتسامةٍ وضيئةٍ ما رأى الصحابةُ منظراً كان أعجبَ إليهم منها .
ويتلقى أصحابه هذا الهم يوم تلقوا هذا الدين غضا طريا من في محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
يوم كان أحدهم يبسط يده إلى اليد المباركة ليبايع محمدا (صلى الله عليه وسلم) على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا يبايعه على غيرها، ثم يستشعر أن هذه البيعة قد ألبسته لباس الجندية ليعمل لهذا الدين.
وخذ نموذجا من ذلك الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه حين جاء إلى مكة في أوليات الدين.
يوم كانت قريش تضرب حول هذه الدعوة سياجا شائكا
من الحرب الإعلامية، والحرب الإعلامية تكتيك يمارس ضد الدعوة إلى دين الله من القديم وإلى اليوم.
ونحن اليوم نرى نماذج للحرب الإعلامية القذرة الدنسة ضد العقيدة والمنهج السلفي القويم ، بإلباسه مسميات منفرة .
فلقد كانت قريش تتلقى كل وافد إلى مكة، فتقول له:
(إنا نحذرك غلام بني عبد المطلب، إنه يقول كلاما يسحر به من يسمعه، فيفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه)
تلقت هذه الدعاية الطفيل بن عمرو فما زال به حتى عمد إلى قطن فوضعه في أذنيه، ودخل الحرم.
ويشاء الله أن ينفذ كلمات رسوله ، فيسمعُ قراءةَ الرسولِ(صلى الله عليه وسلم) فيؤمن من مكانه ، ثم يكون همه ماذا يقدم لهذا الدين ، فيقول: يا رسولَ الله إن دوساً كفرت بالله فأرسلني إليهم.
سبحان الله شعرَ للتو أن هذه البيعةَ على الدخولِ في الدين تستوجبُ العمل له، فإذا به يتحولُ في مكانه داعية ونذيرا إلى قومه.
فمنذ كم دخلنا في هذا الدين وما مدى استشعارنا لهذا الأمر؟
أبو ذر رضي الله عنه جندب بن جناده أعرابي جاء من قبلة غفار ينشد الهدى مظنته، أسلم فكان رابع أربعة أتى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذه البداية المبكرة للدعوة فأخذ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإسلام، فأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يغادر مكة لأن وجوده بين ظهراني المسلمين في مكة وهو غفاري ليس بقرشي قد يضر به وبالدعوة ، فماذا فعل؟ قال والله لا أخرج من مكة حتى أصرخ بها بين أظهرهم.
لقد كانت قريش تبني حاجزا ضخما من الصمت يحيط بدعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فإذا بأبي ذر الذي لم يحمل من الدين إلا التوحيد يستشعر أنه يتحمل مسؤولية تقديم عمل ما للدين، وليكن هذا العمل تحطيم حاجز الصمت الذي تبنيه قريش سياجا على دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فيصرخ بالتوحيد بين ظهراني قريش، وفعلا كان ذلك:
فإذا به يغدو إلى الحرم وقريش في نواديها فيه فيصرخ وهو الرجل الجهوري الصوت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فتثور إليه قريش من أنديتها، تقع عليه، حتى كاد يهلك ، فيقوم أبو ذر بعد أن راء الهلكة بأم عينيه.
فهل قام وهو يتحين الفرار إلى قومه ؟ كلا. بل قال لا أذهب حتى أصرخ بها غدا.
وفعلا يعود من الغد ويصرخ بها، ويثورون إليه كما ثاروا بالأمس.
بعد ذلك يمم شطر قومه غفار، ليكمل مشواره في العمل لهذا الدين ، فماذا فعل عندهم؟
لقد بدأ بأسرته وقرابته فدعا أمه ودعا أخاه ثم هب إلى قبيلته يدعوها فاسلم نصفها.
إن الانتماء للدين يستلزم العمل له، العمل للدين ليس مؤقت بوقت ولا محددا بزمان ولا مكان وإنما هو وظيفة العمر كلها ‘ واستظهر هذا المعنى في صور ونماذج تملأ كتب السيرة .
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :
الحمد لله
إن من أعظم كا يرجف الشيطان من شبه على كثير من المسلمين أنه يلقي في روعهم أنهم ليس من الفئة التي تعمل للدين، العمل للدين مسؤولية أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة.
يرجف الشيطان على البعض موسوسا: بهذه الهيئة والعصيان لم تصلح نفسك ، أمثلك مؤهل لأن يعمل للدين ، فلا يرجف بك الشيطان فتضيفَ إلى أخطائِك خطاءً أخرَ وهو القعود عن العمل للدين.
قصة أبي محجن الثقفي: عجب من العجب، رجل ابتلي بإدمان الخمر، فكان لا يقلع منه ويؤتى به فيجلد ثم يعود ثم يجلد ثم يعود، ولكنه لم يفهم أن إدمانه للخمر يعطيه عذرا ليتخلى عن العمل للدين.
فإذا به يحمل سلاحه ويسير مع الموكب المتيمن صوب القادسية ليقاتل هناك الفرس وليرفع لا إله إلا الله، فلم يوهن همه للعمل ما كان يواقع من معصية بل كان سببا لإقلاعها عنها .
يفاجئك كثير من المسلمين حينما تطرح عليه هذه القضية أن يتساءل أنا ما دوري؟
فلستُ بالعالم فأفتي الناس.
ولا بالداعيةِ فأدعُو الناس. ما دوري ؟
والجواب العملُ لدين أدوارٌ كثيرةُ، ومسارب الدعوة بعددِ أنفاسنا.
أيها الأخ الكريم ألا رأيت إلى ذلك الطائرُ الأعجم الهدهد.
الذي كان يعيشُ في كنفِ سليمانَ عليه السلام، ذلك الرسول وذلك الملك الذي سخر اللهُ له الريحَ، وسخر له الجن، وأتاه ملكاً لم يؤته أحداً من العلمين.
لم يقل الهدهد ما دوري أنا بجانبِ هذا الرسول الملك ؟
بل جاء إلى نبيِ اللهِ سليمانَ يخاطبه بكل ثقةٍ يقول: ( أحطتُ بما لم تحط به )، ثم يصف إنجازه فيقول:
( وجئتك من سبا بنباءٍ يقين ).
ثم أنظر إلى ذلك الرجل الذي أخبرنا الله خبره، الرجل الذي جاء من أقصى المدينة، وقد أرسل الله إلى تلك المدينة ثلاثة رسل، ليس واحدا ولا أثنين بل ثلاثة.
ومع ذلك لم يقل هذا الرجل ما دوري بجوار ثلاثة من رسل الله. فجاء كما أخبر الله:
( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، قال يا قوم أتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون)،
– إن همك للدين وقضيته في دعائك ؟ فترفع إلى الله في سجودك الدعاء: بأن يعز الإسلام ، ويهدي ولاة المسلمين لتجكيمه والقيام به .
– إن همك للدين وقضيته في دورك في حلق تحفيظ القرآن الكريم دعما وتعليما وتوجيها .
-إن همك للدين وقضيته في النصائح الكتابية إلى من يتهاون بالصلاة ، إلى من يواقع شيئا من المنكرات من محلات وملتقيات ، بالأسلوب اللين الحسن ، إن هذا لو وجد لكان نوعا من الدعوة يحاصر المنكر ليقضي عليه.
– إن همك للدين وقضيته في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، فكم هم أولئك الذين تمتلئ بهم الشركات والمؤسسات ؟
إنها مصيبة عندما يأتي فئام من غير المسلمين، ويبقوا عندنا سنينا عددا، ثم يعود أحدهم ولم يسمع يوما واحدا شخصا واحد يدعوه إلى الإسلام.
– إن همك للدين وقضيته في زيارة الشباب في أماكن تجمعهم ، على الأرصفة والمنتزهات (والاستراحات) في تفلت وانعزال ، وذلك بمداخلتهم والكلام الطيب معهم
– إن همك للدين وقضيته في العلاقات الاجتماعية ، من أعمام وأخوال وأرحام وأصهار ، هل استغللنا هذه العلاقات فقمنا بمسؤولية الدعوة، بالصلة والنظر لحالهم واعانتهم وتحبيبهم للخير وأهله .
– إن هم العمل للدين لمجيد الحاسب بصور الفتشوب المعبرة ، وتصاميم الفيديو الموجهة ، وإن لم تكن لا هذا ولا ذاك فلتكون الوسيط لنشرها .
– أما دور المرأة فهو جانب عظيم تفرد له خطب إلا أنه ينبغي التأكيد على أن تكون عونا لزوجها على طاعة الله، ومتابعة أولادها .
اللهم أعز الإسلام …
وصلى الله وسلم وبارك على النبي وآله وسلم تسليما كثيرا.