الحرص على الأجور


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:

عباد الله : إن مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -تَعَالَى- بِعِبَادِهِ أنْ يَسَّرَ لَهُمْ طُرُقَ الخَيْرَاتِ، وَنَوَّعَ لَهُمْ أَصْنَافَ العِبَادَاتِ، وأمرنا ربنا بالمسارعة إلى طاعته والمسابقة في الخيرات ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ ثَوَابَ الحَسَنَةِ الوَاحِدَةِ مُضَاعَفًا، وَثَوَابَ السَيِّئَةِ بِسَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ، (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

وجعل لثوابها موعدا محتوما فَأَيْقِنُوا بِذلك حَقَّ اليقيِن، وإياكُم والغَفْلَةَ عن ذلك، وَتَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوا إلَّا ما قَدَّمْتُم مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فابْذُلُوا جُهْدَكُمْ في تَقْدِيمِ ما يَسُرُّكُم وتَنْجُونَ بَهَ بَعْدَ رَحْمَةِ اللهِ.

ولقد كان صحابة رسول الله يسألون النبي ﷺ: أي العمل أحب إلى الله؟ بحثا عن العمل الأعظم أجرا ليكونوا من السابقين ، فلا إيمان بلا عمل ( إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ )

ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان مخلصا لله ومن الشرك متطهرا كما قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ) روى مسلم أن عائشة وسألت النبي ﷺ: إن ابن جدعان رجل كان في الجاهلية يكرم الضيف ويصل الرحم ، ويتصدق، فماذا له عند الله؟ فأخبرها: أنه ليس له عنده شيء لأنه: لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ” إلا أن الله من عدله عدل يعجل لهم جزاءها فيعطيهم عليها في الدنيا مالاً ورزقاً وصحة

وعافية، وذكراً وشهرة بين الخلق .

كما أنه لابد وأن يكون العمل على وفق سنة نبينا فمن تعبد بعبادة لم يفعلها ولم ينقل عن صحابته التعبد بها فهي بدعة لا يقبلها الله بل ولا يزداد بها إلا إثما .

عباد الله: من كرمه تعالى أن العادات نقلب إلى عبادات بالنية الحسنة فيؤجر عليها الإنسان، فإذا نام ينوي عملاً صالحاً بقيامه، وإذا طعم ينوي عملاً صالحاً يتقوى عليه كان له بنومه وطعامه أجر، ويأتي الرجل شهوته بالحلال ويكون له فيها أجر، أرأيت لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر.

ومما ينبغي التفطن له عباد الله: أن العبد إذا كان معتاداً لعمل صالح فمنعه مانع قهري فإن الأجر يكتب، ولذلك أخبر نبينا ﷺ بأنه: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً. فمن كان في البلد حاضراً صحيحاً يحافظ على صلاة الجماعة كتب له وهو على فراشه في المستشفى أجر صلاة الجماعة ، واذا كان في طريقه مسافرا كتب له أجر صلاة الجماعة ، فلذلك قال ﷺ: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا أنفقتم نفقة، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، يعني: شاركوكم الأجر، لماذا؟! قال: حبسهم العذر.

عباد الله : ويتعاظم الأجر باعتبارات فالعمل المتعدي النفع، كمن حفر بئراً، أو بنى مسجداً، أو علم علماً ، نفعه متعدي للآخرين فهو أفضل من العمل القاصر على النفس، فاحرص على الأعمال المتعدية النفع، وتأمل أجر الأنبياء في أنهم دلوا العالم على الدين والحق والتوحيد والأعمال الصالحة ، والعلماء عند الله بمكانٍ، تسبح للعالِم الحيتان في البحر والنمل في الجحر لفضله وعظيم أثره، والدال على الخير،  ومن يدعوهم إليه، وبدلهم عليه،

لهم من الأجر ما ليس لمن عمله لخاصة نفسه .

والمؤمن الحقيقي يتحسر على فوات الأجر، ولذلك لما أرسل ابن عمر إلى أبي هريرة يسأله: هل فعلاً كل جنازة بقيراط الصلاة عليها، فلما رجع المرسل بالجواب بالإيجاب كان في كف ابن عمر حصيات فضربهن في الأرض متحسراً وقال: “لقد فرطنا في قراريط كثيرة”.

أعاننا الله على ذكره و…..

أقول ما سمعتم …

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله

عباد الله : احْذَرُوا مِنْ مُنَقِّصاتِ الأُجُورِ، فإنَّهُ لَيْسَ كُلُّ

عَمَلٍ صالِحٍ يَحْصُلُ بِهِ تَمامُ الأَجْرِ، بَلْ قَدْ يَعْمَلُ العَمَلَ ولا يَجِدُ ثَوابَه، إِمَّا بِسَبَبِ فَسادِ النِّيَّةِ، أَو عَدَمِ متابَعَةِ النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيه، أَو بِسَبَبِ مُخالَفاتٍ يَقَعُ فِيها أثناءَ العِبادَةِ.

والحذر من نقصان الأجور فَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ التقْصِيرِ في أَداءِ العِبادَةِ، أَوْ الوُقُوعِ في بَعْضِ الْمُخالَفاتِ، كالالْتِفاتِ في الصلاةِ، أَوْ النَّظَرِ إلى الأَعْلَى في الصلاةِ، وكذلكَ كَثْرَةِ الحَرَكَةِ فِيها.

بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْمُخالَفاتِ قَدْ تَذْهَبُ بِأَجْرِ بَعْضِ العِبادَاتِ بِالكُلِّيَّةِ، كَمَنْ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإِمامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ ابنِ ماجَه، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أُبَيَّ ابنَ كَعْبٍ رضِيَ اللهُ عنه والإمامُ يَخْطُبُ، فَأَشارَ إلَيْهِ أَنْ اسْكُتْ، فَلَمَّا انْصَرفُوا، قالَ لَهُ أُبَيُّ ابنُ كَعْبٍ رضي الله عنه: ” لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلاتِكَ اليَوْمَ إلا ما لَغَوتَ ” فَذَهَبَ الرجُلُ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَه، فقال: ( صَدَقَ أُبَيٌّ ). وهذا يَدُلُّ عَلى تَحْريمِ الكَلامِ حالَ الخُطْبَةِ إلا لِحاجَةٍ لابُدَّ مِنْها، وَهُوَ خاصٌّ أثْناءَ الخُطْبَةِ،

ومِن مُنَقِّصاتِ الأُجُورِ: اقْتِناءَ الكِلابِ لِغَيْرِ الْماشِيَةِ والصَّيدِ والزَّرْعِ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( مَن اتَّخَذَ كَلْبًا، إلا كَلْبَ ماشِيَةٍ، أو صَيْدٍ، أو زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطٌ ).

وإنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَه، أَنَّه بَدَأَ يَنْتَشِرُ عِنْدَ بَعْضِ المسلمين، اقْتِناءُ الكِلابِ في البُيُوتِ، والاعْتِناءُ بِها، لِغَيْرِ الاسْبابِ المَذْكُورَةِ في الحديثِ، وهذا والعِياذُ بِاللهِ ذَنْبٌ كَبيرٌ، لِما سَمِعْتُمْ في الحديثِ، مع ما فيه من تَشَبُّهِ بِالكُفارِ وتَقْلِيدِهِم، وَلِأَنَّ المَلائَكَةَ لا تَدْخُلُ البيتَ الذي فيه كَلْبٌ، مَعَ ما فيها مِن النجاسَةِ، خُصُوصًا وأَنَّ نَجاسَةَ الكَلْبِ مُغَلَّظَةٌ .


شارك المحتوى:
0