عمارة المساجد


الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل المساجد مكاناً لعبادته، ورغّب في عمارتها وصيانتها والعناية بها طلباً لمرضاته ، سُبْحَانَه نَسَبَ الْمَسَاجِدَ إِلَيْهِ وَجَعَلَهَا بُيُوْتا لِلْقُدُوْمِ عَلَيْهِ ، نَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا الَلّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ في الربوبية والعبادة ، وَنَشْهَدُ أَنََّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدا عَبْدُ الْلَّهِ وَرَسُوْلُهُ صَاحِبُ الفضل والسيادة ، صَلَّىَ الْلَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالْتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىَ يَوْمِ الْدِّيِنِ

أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوْا الْلَّهَ عباد الله فَإِنَّ تَقْوَاهُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبَ وَطَاعَتَُهُ أَعْلَىَ نَسَبٍ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا اتَّقُوْا الْلَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوْتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُوْنَ )

عباد الله : روى الشيخان أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها. فخصها بالدعاء لها والصلاة عليها لعظيم ما كانت تقوم به ، فما شأن من بناها أو سعى بترميمها وصيانتها أو ساهم في ذلك ، فيا له من شرف ومزيد فضل ، ولذا فالمشاركة في تنظيف المساجد ولو باليد عمل شريف لا يترفع عنه إلا من جهل ، روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ صلوات الله وسلامه عليه ، إذ الْمَسَاجِدُ بِيُوْتُ الْلَّهِ، لَهَا فِيْ الإِسْلامِ لَهُ مَكَانَةً رَفِيْعَةٌ, وَقُدُسِيَّةٌ عَالِيَةٌ ، أَضَافَها الْلَّهُ إِلَىَ نَفْسِهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيْمِ فَقَالَ عزَّ من قائل: ( وَأَنََّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوَا مَعَ الْلَّهِ أَحَدا ) وأمر بِرَفْعِهَا وَعِمَارَتِهَا وَصِيَانَتِهَا، فَقَالَ: ( فِيْ بُيُوْتٍ أَذِنَ الْلَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذكَرَ فِيْهَا اسْمُهُ)

هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ وَأَطْهَرُ الأَصْقَاعِ، فعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةََ أَنََّ رَسُوْلَ الْلَّهِ قَالَ: ((أُحَبُّ الْبِلادِ إِلَىَ الْلَّهِ تَعَالَىْ مَسَاجِدُهَا ) فيها تقام طاعته وعبادته وتوحيده وإجلاله وتعظيمه ، وتلاوة كتابه وتعليم أحكامه ، فالاهتمام بها، وعمارتها حسياً ومعنوياً، وجعل ذلك سبيلاً إلى نيل مرضاته والفوز بجنته, قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَنَى ِللهِ مَسْجِدًا، مِنْ مَالِهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني ، وفيه ( ومن بنى مسجدًا كمِفْحَصِ قَطَاةٍ أو أصغرَ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ ) واستدل بهذا بعض أهل العلم أنه لا يلزم لحصول الأجر الانفراد ببنائه ،  وأنه يمكن للمسلم المشاركة في بناء مسجد على قدر ما يستطيع،

عمارة المساجد من العمل الصالح الذي يجري أجره على العبد بعد موته حين ينقطع العبد عن العمل في وقت هو فيه أفقرَ ما يكون إلى ما قدم  أحوج ما يكون إلى حسنة تضاف إلى سجله فيثقل بها ميزانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 إن مما يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علما نشره و ولدا صالحا تركه و مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته و حياته تلحقه من بعد موته ) أخرجه ابن ماجه وحسنه الالباني .

ومن عمارتها صيانتها عما يغضب الله عز وجل وأعظم ذلك صيانتها عن أسباب الشرك والوثنية بالحذر من بنائها على قبور الصالحين وبالحذر من دفن الصالحين فيها فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك لا سيما عند موته فكان يقول في سكرات الموت ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )  ووصف من يفعل ذلك بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

إن وجود القبور في المساجد وسيلة إلى التبرك بها والطواف حولها ودعاء أهلها والاستغاثة بهم وغير ذلك من صور

الشرك الأكبر ووسائله والعياذ بالله .

وكذا ينبغي أن تصان المساجد عما كرهه لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما أمِرْتُ بتشييد المساجد”. قال ابن عباس : لَتُزَخرفُنّها كما زَخْرَفت اليهود والنصارى ، وإنما نهي عن زخرفتها لآثارها السئية ومنها إشغال المصلين عن الخشوع في صلاتهم والإقبالِ على ربهم بتقليب البصر في النقوش والألوان والزخارف فيؤدون صلاة ميتة لا روح فيها.

كما يجب أن تصان المساجد عن البيع والشراء والسؤال عن المفقودات فيها فلم تبن المساجد لهذا إنما بنيت لذكر الله وإقام الصلاة فيها .

ألا فهنيئا لمن عمر بيتاً لله يبتغي بذلك وجه الله وهنيئاً لمن ساهم في بنائها ولو بالقليل

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله

عباد الله : ومن عمارة المساجد عُمرانها بالصلاة فيها فريضة ونافلة وبالاعتكاف على الهدي الشرعي وعمارتها بقراءة القرآن وتدريس العلم الشرعي ووسائله فهذه أعظم أنواع العمارة وأجلها شأنا عند الله ولذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على أمته صلاة الجماعة وأمر بأن تؤدى في المساجد وأعد الله لمن مشى إلى المساجد الأجر الكبير في ذهابه وإيابه لا يخطو خطوة إلا رفع بها درجة وحط عنه بها خطيئة.

الماشي إلى المسجد في الظلم مبشر بالنور التام يوم القيامة والجزاء من جنس العمل.

وهكذا فإن التخلف عن الجماعة من غير عذر شرعي علامة على الخسران والخذلان حتى هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق من يتخلف عنها لغير عذر وحتى قال ابن مسعود ما يتخلف عنها إلا منافق أي إن لم يكن محبوساً بمرض .

عباد الله : ومما يجدر التنبيه: إلى أنه ينبغي تربية أبنائنا على العناية ببيوت الله، وصيانتها عن كل سوء، واحترام جميع مرافقها، فإن مما يؤسف له أن تدخل دورات المساجد، فترى الكتابات الخادشة للحياء، وترى العبث بمنافع المسجد من أبواب وصنابيرِ مياه، وإضاءات، وغير ذلك.

وهذا المسجد المبارك عباد الله اعتنى به عناية فائقة ، فجزى الله خيرا من قام بتأسيسه وبنائه وجعله ذخرا له وحجابا عن النار ، ومن قام بترميمه واصلاحه ، وبنى لهم ولوالدهم بيوتا في الجنة ،


شارك المحتوى:
0