*ما الذي ورد في فضائل شهر رجب ؟!
أ.د. عارف عوض الركابي
حيث إننا نستقبل شهر (رجب) فإني أضع بين يدي قراء العمود الكرام إجابة للعلامة الفقيه الشيخ محمد العثيمين رحمه الله عن أحد أسئلة الإخوة السودانيين، انتقاءً من كتابي المعنون بــ “أجوبة الشيخ ابن عثمين عن أسئلة السودانيين” والذي جمعتُ فيه حوالي مائتين وخمسين فتوى رتّبتها على الأبواب الفقهية، وهي أجوبة على أسئلة أرسل بها أصحابها من السودان لبرنامج نور على الدرب الذي يبث بإذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية، والسؤال الذي أنتقيه لهذه الجمعة عن تخصيص شهر (رجب) ببعض العبادات والأعمال، حيث بقبِلُ بعض الناس إذا دخل شهر رجب على بعض الطاعات كتخصيص بعض أيام الشهر بصلاة أو بصوم أيام معينة أو صوم الشهر كلِّه، وفي آخره يحتفل بعض الناس بليلة الإسراء والمعراج، ولمّا كان في إجابة الشيخ الفقيه محمد العثيمين رحمه الله إجابة شافية في هذا الأمر الذي يحصل في مجتمعنا، أردت أن أتحف بها إسهامًا في نشر العلم في هذه القضية المهمة، وآمل أن تجد النصيحة آذانًا صاغية.
(السؤال): بعث بهذه الرسالة إبراهيم محمد عبد الله قدس بالسودان مدينة السوكي يقول: (الاحتفال في ليلة الإسراء والمعراج، وهنا في السودان نحتفل أو يحتفلون في ليلة الإسراء والمعراج في كل عام . هل هذا الاحتفال له أصل من كتاب الله ومن سنة رسوله الطاهرة، أو في عهد خلفائه الراشدين، أو في زمن التابعين؟ أفيدوني وأنا في حيرة وشكرًا لكم جزيلًا).
(الجواب): فأجاب الشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى بقوله: (ليس لهذا الاحتفال أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ ولا في عهد خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، وإنما الأصل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يردُّ هذه البدعة ؛ لأن الله تبارك وتعالى أنكر على الذين يتخذون من يشرعون لهم دينًا سوى دين الله عز وجل وجعل ذلك من الشرك، كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ). ولأن رسول الله ﷺ يقول: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . والاحتفال بليلة المعراج ليس عليه أمر الله ولا رسوله ﷺ، ولقول النبي ﷺ محذرًا أمته يقوله في كل خطبة جمعة على المنبر: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) . وكلمة: (كل بدعة) هذه جملة عامة ظاهرة العموم؛ لأنها مصدَّرة بـ (كل) التي هي من صيغ العموم، التي هي من أقوى الصيغ: (كل بدعة)، ولم يستثن النبي ﷺ شيئًا من البدع، بل قال: (كل بدعة ضلالة).والاحتفال بليلة المعراج من البدع التي لم تكن في عهد الرسول ﷺ ولا في عهد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، وعلى هذا فالواجب على المسلمين أن يبتعدوا عنها، إذا كانوا حقيقة معظمين لرسول ﷺ فإن تعظيمه بالتزام شرعه وبالأدب معه، حيث لا يتقربون إلى الله تبارك وتعالى من طريق غير طريقه ﷺ، فإن من كمال الأدب وكمال الاتباع لرسول الله ﷺ أن يلتزم المؤمن شريعته، وأن لا يتقرب إلى الله بشيء لم يثبت في شريعته ﷺ. وعلى هذا فنقول: إن الاحتفال بدعة يجب التحذير منها والابتعاد عنها، ثم إننا نقول أيضًا: إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي، بل إن أقرب الأقوال في ذلك- على ما في هذا من النظر- أنها في ربيع الأول، وليست في رجب كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذًا لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، لم تصح تاريخيًا كما أنها لم تصح شرعًا، والمؤمن ينبغي أن يبني أموره على الحقائق دون الأوهام).
ثم سأله مقدّم البرنامج بقوله: (فضيلة الشيخ: طيب ربما يقال: ما الذي ينبغي للمسلم أن يفعله إذا وافق هذه الليلة مثلًا في أول الربيع أو في رجب؟).
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله: (لا ينبغي أن يفعل شيئًا ؛ لأن من هم أحرص منا على الخير وأشد منا تعظيمًا لرسول الله ﷺ وهم الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون شيئًا عند مرورها، ولهذا لو كانت هذه الليلة مشهورة عندهم ومعلومة لكانت مما ينقل نقلًا متواترًا لا يمتري فيه أحد، ولكانت لا يحصل فيها هذا الخلاف التاريخي الذي اختلف فيه الناس واضطربوا فيه، ومن المعلوم أن المحققين قالوا: إنه لا أصل لهذه الليلة التي يزعم أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين، ليس لها أصل شرعي ولا تاريخي).
*وتتمّة للفائدة أنقل للقراء الكرام هذه الكلمات التي ألقاها فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله في إحدى خطب الجمعة حيث قال:
(شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم التي قال الله فيها: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، والتي حرّم الله تعالى فيها القتال إلا مدافعةً عن النفس هذه الأشهر التي أحدها (رجب) ليست مخصوصةً بشيءٍ معينٍ من العبادات إلا شهر المحرم فإن فيه فضلًا صيامه وشهر ذي الحجة فإن فيه أداءً النسك أما رجب فإنه فلم يرد في تخصيصه بصيامٍ ولا قيام لم يرد حديثٌ صحيحٌ عن النبي ﷺ كل الأحاديث الواردة في فضل الصلاة في رجب أو في فضل الصيام في رجب كلها أحاديث ضعيفة جدًا بل قد قال بعض العلماء إنها موضوعةٌ ومكذوبةٌ على النبي ﷺ فلا يحل لأحد أن يعتمد على هذه الأحاديث الضعيفة بل التي قيل إنها موضوعة لا يحل لأحد أن يعتمد عليها فيخص رجب بصيامٍ أو صلاة؟ لأن ذلك بدعة وقد النبي ﷺ (كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار) …. إنه لا يجوز لأحدٍ أن يخصّص زمانًا أو مكانًا بعبادة لم يخصّصها الله ورسوله بها لأن نحن متعبدون بشريعة الله لا بأهوائنا ولا بميولنا وعواطفنا، إن الواجب علينا أن نقول سمعنا وأطعنا نفعل ما أمر الله به ونترك ما نهى الله عنه ولا نشرّع لأنفسنا عباداتٍ لم يشرعها الله ورسوله إنني أقول لكم مبينًا الحق إن شهر رجب ليس له صلاةٌ تخصه لا في أول ليلة جمعة منه وليس له صيامٌ يخصه في أول يومٍ منه ولا في بقية الأيام وإنما هو كباقي الشهور فيما يتعلق بالعبادات وإن كان هو أحد الأشهر الأربعة الحرم وأنسوا ما قيل فيه من الأحاديث الضعيفة ما يروى عن النبي ﷺ أنه كان يقول إذا دخل شهر رجب: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ولكن هذا حديثٌ ضعيفٌ منكر لا يصح عن النبي ﷺ ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء لأنه لم يصح عن رسول الله ﷺ وإنما قلته لكم لأنه يوجد في بعض أحاديث الوعظ يوجد هذا الحديث فيها ولكنه حديثٌ لا يصح عن النبي ﷺ أيها المسلمون إن في ما جاء في كتاب الله وفي ما صح عن رسول الله ﷺ من الأعمال الصالحة كفايةً عما جاء في أحاديث ضعيفة أو موضوعةٍ مكذوبةٍ على رسول الله ﷺ وإن الإنسان إذا تعبّد لله بما ثبت أنه من شرع الله فقد عبد الله على بصيرة يرجو ثواب الله ويخشى عقابه).
أسأل الله أن ينفع بإجابة الشيخ رحمه الله وبما قال في خطبته، وأن يوفق علماء المسلمين لما فيه خير أمتهم ..
نشر بصحيفة الانتباهة ..