الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أبان لنا الدين، وأخبرنبيه بما يكون بين يدي يوم الدين ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الحق المبين، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الأمينُ، صَل الله عليه وعلى صلى الله وعلى أله وصحبه اجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمَّا بعدُ ، عباد الله : جعل الله بين يدي الساعة والقيامة أماراتٍ وأشراطاً تدل على تحقُّقه وحتمية وقوعه لئلا يكون في الناس أدنى شك فيه ، واسبقه بأشراط كبرى وهي الأمور العظام الخارقة للعادة ، وهذه لم يظهر شيء منها حتى الآن ، وهذه العلامات متتابعات إذا ظهرت واحدة جرّت الأخرى وراءها كالخرز في النظام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الآيات خرزات منظومات في سلك فإن يُقطعْ السلكُ يتبعْ بعضها بعضاً” رواه أحمد ، وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: اطّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: “ما تذاكرون؟” قالوا: نذكر الساعة، قال: “إنها لن تقوم الساعة حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم” رواه مسلم.
وهذه الأشراط الكبرى لم تأت في نص مرتبة من جهة الوقوع ، إلا أنه في أواخر زمن المهدي يخرج الدجال ، ثم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء والمهدي يؤم الناس بالصلاة ، ثم يخرج يأجوج ومأجوج .
قالَ اللهُ تعالى في شأنِهِ ــ عليهِ السلامُ ــ: ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ )، وفي قراءةٍ: ( وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ )، أي: إنَّ نُزولَهُ آيةُ على قُربِ القيامةِ، وثبتَ عن ابنِ عباسٍ ــ رضيَ اللهُ عنهما ــ أنَّهُ قالَ عن معنى هذهِ الآيةِ: ( هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ــ عَلَيْهِ السَّلامُ ــ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )،
وقد تَواتَرَتِ الأحاديثُ عَن رَسولِ الله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للإخبارِ عَن نُزولِ عيسى بنِ مَريَم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، يَنزِلُ في آخِرِ الزَّمانِ في دِمشْقَ، وأنَّه يَتَوَجَّه إلى فلسطين بَعدَ نُزولِ الدَّجَّالِ، وأنَّه يَقتُلُه هناكَ في بابِ اللُّدِّ، والمُسلِمونَ مَعَه ، وسيكونُ نُزولُهُ بعدَ خروجِ الأعورِ الدَّجالِ، وإفسادِهِ في الأرضِ بالقتلِ والتدميرِ ونَشرِ الكُفرِ .
حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن إفسادِ الدَّجالِ ونُزولِ عيسى ــ عليهِ السلامُ ــ لِقتلِهِ: ( إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)،
ووصفه بأنه رجل مربوع على الحمرة والبياض
وفي مسلم عَنِ النَّواسِ بنِ سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بينَ مَهرودَتينِ، [ أي في حلتين أو ثوبينِ مَصبوغينِ بالصُّفرةِ،] واضِعًا كفَّيه على أجنِحةِ مَلَكينِ، إذا طَأطَأ رَأسَه قَطرَ [أي: إذا خَفَضَ رَأسَه سالَ مِنه ماء ( كأنَّما خَرَجَ من ديماسٍ، يَعني: الحَمَّامَ)]، وإذا رَفَعَه تَحدَّرَ مِنه جُمانٌ كاللُّؤْلُؤِ [ شَبَّه قَطَراتِ العَرَقِ بمُستَديرِ الجَوهَرِ]، فلا يَحِلُّ لكافِرٍ يَجِدُ ريحَ نَفَسِه إلَّا مات، ونَفَسُه يَنتَهي حَيثُ يَنتَهي طَرْفُه ) فينزل وقد اصطف المقاتلون المسلمون لصلاة الفجر ، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون .
قال العُلَماءُ: الحِكْمةُ في نُزولِ عيسى دونَ غَيرِه مِنَ الأنبياءِ الرَّدُّ على اليَهودِ في زَعمِهم أنَّهم قَتَلوه، فبَيَّنَ اللهُ تعالى كَذِبَهم، وأنَّه الذي يَقتُلُهم .
عباد الله: إذا نزلَ نَبِيُّ اللهِ عيسى بنُ مريمَ ــ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ــ إلى الأرضِ في آخِرِ الزَّمان سيكونُ حاكمًا
مِن حُكَّامِ هذهِ الأمَّة، يَحكُمُ فيها بالعدلِ، وبالقرآنِ
والسُّنةِ، وشريعةِ الإسلامِ التي جاءَ بِها نَبِيُّ اللهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، باتفاقِ العلماءِ .
وسُيقاتِلُ عليهِ السلامُ معَ المؤمنينَ الدَّجالَ، وسيقتُلُ الدَّجالَ عندَ بابِ لُدٍّ الشرقِيِّ، وينهزِمُ اليهودُ الذينَ معَ الدجال ، ويمكُثُ النَّاسُ سبعَ سنينَ، ليسَ بين اثنينِ عَداوةٌ
وسيَكسِرُ الصُلْبانَ شعارَ النَّصارى، إبطالًا لِدِينِهمُ الباطلِ، ويَقتلُ الخنازيرَ التي يأكلونَها، ولنْ يَقبلَ مِن الكفارَ إلا الدخولَ في دِينِ الإسلامِ الذي جاءَ بِهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم أو القتالُ والقتلُ، وسيُنهِي جميعَ المِللِ الكافرةِ في الأرض، ولنْ يَقبلَ مِنهُم الجزيةَ ، ففي الحديث (ويُرجِعُ السَّلْمَ، ويَتَّخِذُ السُّيوفُ مَناجِلَ ) أي أنَّ النَّاسَ يَتْركونَ
الجِهادَ، ويَشتَغِلونَ بالحَرْثِ والزِّراعةِ.
وتكثرُ الأرزاق في عهدِهِ ــ عليهِ السلامُ ــ حتى يَفيضَ المالُ فلا يوجدُ مَن يَقبَلهُ، وتقِلُّ الرَّغبَةُ في اقتناءِ المالِ لِلعلمِ بِقُربِ القيامة.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالَ:( طُوبى لِعَيشٍ بعدَ المَسيح، يُؤذَنُ للسماءِ في القَطْرِ، ويُؤذَن للأرضِ في النَّبات، فلو بَذَرْتَ حَبَّك على الصَّفا لَنبتَ )
وفي مسلم عنِ النَّواسِ بن سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال بَعدَ ذَهابِ يَأجوجَ ومَأجوجَ وانتِهاءِ أمرِهم: (ثُمَّ يُقالُ للأرضِ: أنبِتي ثَمَرَتَكِ، ورُدِّي بَرَكَتَكِ، فيومَئِذٍ تَأكُلُ العِصابةُ [ أي الجماعة ] تَأكُلُ العِصابةُ مِنَ الرُّمَّانةِ، ويَستَظِلُّونَ بقِحْفِها، ويُبارَكُ في الرِّسْلِ [اللبن]، حَتَّى إنَّ اللِّقْحةَ مِنَ الإبلِ لتَكفي الفِئامَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقحةَ مِنَ البَقَرِ لتَكفي القَبيلةَ مِنَ النَّاسِ،
واللِّقْحةَ مِنَ الغَنَمِ لتَكفي الفَخْذَ مِنَ النَّاسِ )
الفَخْذُ الجَماعةُ مِنَ الأقارِبِ وهم دونَ البَطنِ، والبَطنُ دونَ القَبيلةِ .
ويقبل الناس في عهدِهِ ــ عليهِ السلامُ ــ على العبادةِ لاستِيقانِهِم قُرْبَ القيامةِ، وتكونُ السجدةٌ الواحدةُ خيرًا لهُم مِن الدُّنيا وما فيها.
ومما سيكون في عهده: أنَّ القِلاصَ وهيَ الإبلُ ستُترَكُ في عهدِهِ ــ عليهِ السلامُ ــ بلا أحدٍ يَسعَى عليها، لانشغال الناسِ عنها بأمرِ الآخِرة.
ومِنها أيضًا: ذهابُ الشَّحناءِ والتباغضِ والتحاسُدِ في عهدِهِ ــ عليهِ السلامُ ــ وزَوالُ العداواتِ، لِتصالُحِ الناسِ، وعدمِ انشغالِ نُفوسِهِم بالناسِ والدُّنيا ، ففي الحديث الصحيح أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ، فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ،ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ)
ويظهر الأمْن والأمان في عهدِهِ ــ عليهِ السلامُ ــ حتى بينَ الوحوشِ الضاريةِ والبهائمِ الضَّعيفة، ويَرتعونَ مع بعض.
حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ( وَإِنَّهُ نَازِلٌ، … وَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ )، وجاءَ في حديثٍ صحَّحهُ العلامةُ الألبانيُ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (…حتى يَمُرَّ الرجلُ على الأسدِ ولا يَضُره، ويَطَأَ على الحَيَّة ولا تَضُره ).
اللهمَّ اختم لنا بصالح الأعمال…
اقول ما سمعتم ….
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ …
أمَّا بعدُ، عباد الله: سيخرج يأجوجَ ومأجوجَ في زَمَنِ نَبِيِّ اللهِ عيسى ــ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ــ، وقوَّتُهُم حينئِذٍ ستكونُ عظيمةً تفوقُ قُدرَةَ المسلمينَ، وضَّررُ مُواجهَتِهِمُ الأكبرُ سيَحصُلُ على المسلمينَ، ولِهذا سيَأمرُ اللهُ نبيَّهُ عيسى ــ عليهِ السلامُ ــ والمؤمنينَ بترْكِ قتالِهِم، وتحصينِ نُفوسهِم مِن القتلِ بجبلِ الطورِ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:( فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ)، ومعنى قولهِ: ( لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ))، أي: لا قٌدرَةَ لكُم ولا طاقةَ على قتالِهِم، ثمَّ سيُهلِكُ اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ بعدَ دُعاءِ نَبِيِّ اللهِ عيسى ــ عليهِ السلامُ ــ والمؤمنين عليهم، ويأتِي بعدَ موتِهِم خيرُ عظيمُ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:( ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ ).
اللهمَّ اعذنا من الفتن ما ظهر ….