إحداث البدع في الدين أو فعلها أو نشرها أو الدعوة إليها أو المجاهرة بها من أغلظ الخطايا وأضرها


الخطبة الأولى :

 

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

 

أما بعد: فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ

 

يقول الله عز وجل [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ]

 

يتذمر بعض الناس من الحديث عن البدع والمحدثات، حيث يرى فيه تفريقا للأمة، وتشتيتاً لكلمتها، ويرى أن الأولى غض الطرف عنها، وفي المقابل كثيرًا ما نَسمع أهلِ العلم مِن أهل السُّنة دون غيرهم: الكلامَ عن البدعة، وشديدِ خطرِها، وعن أهل البدع، وعظيمِ ضرَرهِم على الناس، وعن وجوبِ البُعدِ عن البدع وأهلها ودعاتها، وما صدرَ هذا عنهم، ولا أكثروا مِنه، ولا استمروا عليه، إلا امتثالًا لأمرِ الله، ونُصحًا للناس، ورحمةً بِهم، وشفقةً عليهم، واقتداء بالنَّبي ﷺ، وسَيرًا على طريقه في خُطبه ودُروسه ومواعظه، عن العِرباض بن سَارية أنَّه قال: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»).

 

والبدعة هي: كلُّ ما أُحْدِثَ في دِين الله بعد النَّبي ﷺ مِن قولٍ أو فِعلٍ، يُتقرَّبُ إلى الله بِه، ويُبتَغَى به الأجْرُ والثواب .

وقد دَلَّ على تعريف البدعة بذلك قولُ النَّبي ﷺ :(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)

ومعنى قوله ﷺ: (مَنْ أَحْدَثَ) أي: مِن اخترع وابتدع أو فَعَل شيئًا يَتقرَّبُ إلى الله بِه.

ومعنى قوله ﷺ: (فِي أَمْرِنَا هَذَا) أي: في ديننا الإسلام.

ومعنى قوله ﷺ: (مَا لَيْسَ فِيهِ) أي: بدون دليل.

ومعنى قوله ﷺ: (فَهُوَ رَدٌّ) أي فحُكمه: أنَّه مردودٌ باطلٌ لا يُعتدُّ بِه، ولا يُقبلُ مِمَّن أحدَثَهُ أو عمِلَه.

 

عباد الله: إنَّ البدعَ المُحدَثَةَ في الدين لَمِن أعظمِ المعاصي، ويدل على ذلك:

 

أوَّلًا: أنَّ الأمورَ المُحدَثةَ في الدين محكومٌ عليها بأنَّها شَرٌ، وبدعةٌ، وضلالة، لقول النَّبي ﷺ زاجِرًا أمَّتَه ومُحذِّرًا :(إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)، وقوله ﷺ :(وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ).

 

وثانيًا: أنَّ الأمورَ المُحدَثةَ في الدين مردودةٌ على صاحبها لا يَقبلها الله مِنه، لِمَا صحَّ عن النَّبي ﷺ أنَّه قال :(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ).

 

وثالثًا: أنَّ الأمورَ المُحدَثةَ في الدين مُتَوَعَّدٌ عليها بالعذاب في النار، عن عمر بن الخطاب أنَّه قال: (إِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ).

 

ولا رَيبَ عندَ كلِّ ذِي دينٍ أنَّ ما زجَّرَ عنه رسولُ الله ﷺ، ووُصِفَ في شريعة الله بأنَّه شرٌّ، وبِدعةٌ، وضَلالةٌ، وفي النَّار، لا يكون إلا مِنَ المحرَّمات، وكبائر الذُّنوب، بل قال شيخ الاسلام ابن تيمية  : البِدَعُ أعظمُ مِن المعاصي بالكتاب والسُّنة وإجماعِ الأُمَّة. اهـ

 

عباد الله: إنَّ مِن عَجيب أمْرِ بعضِ الناس وجهلهم قولَهم عن بعض البدع: “إنَّها بِدعةٌ حسَنة”، وقد كفانا رسولُ الله ﷺ الرَّدَ عليهم، فحكَمَ بأنَّ جميعَ البدعِ ضلالات، والضَّلالاتُ لا حَسنَ فيها البتَّه، عندما قال (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)، وعن ابن عمر أنَّه قال: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً)،

وثبَت عن سُفيانَ الثوريِّ  أنَّه قال: (الْبِدْعَةَ أَحَبُّ إلَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ الْبِدْعَةَ لَا يُتَابُ مِنْهَا، وَالْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا)، لأنَّ فاعلَ المعصيةِ يَعلم أنَّه بِفعلِه لها آثمٌ، ويُجاهد نفسه في تركِها، وأمَّا مُحْدِثُ البدعةِ فهو يَستحسنها ويَرى أنَّه مُصيبٌ ومأجورٌ على ما يَفعل، فيَصْعُب أنْ يتركَهَا.

 

عباد الله: إيَّاكم أنْ تكونوا مِن الداعين إلى البدع، والناشرين لها، أو لأهلها، في برامج التواصل الاجتماعي المُختلِفة كتويتر، والوِتس آب، وغيرها، إذ وِزْرُ ذلك وإثمُه عظيمُ، عن النبي ﷺ أنَّه قال: (مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ)

 

وإنَّ البدعَ المُحْدَثَةَ في دين الله لكثيرة، وأهلَها كثيرون، ودَلَّت على ذلك أحاديث رسول الله ﷺ، فقد قال مُحَذِّرًا أمَّتَه: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا)،

وقال أيَضًا: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الْجَمَاعَةُ»)، فلا تتساهلوا بأمْرِ البدع والمبتدعة، ولا تتفرَّقوا في دينه وتختلفوا بسببِ البدع والضَّلالات وأهلِها ودعاتِها، فقد قال سبحانه آمرًا لكم وزاجِرًا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}

 

اللهم احفظنا بالسنة واجعلنا من أهلها يا رب العالمين

 

أَقُولُ ما سمعتم وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ انه هو الغفور الرحيم

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:

عِبَادَ اللهِ: إنَّ هجْرَ أهلِ البدعِ، ودعاةِ البدعة، وترْكَ مُجالستِهم، والبُعْدَ عن الاستماع لِمَا يقولون، واجتنابَ القراءةِ لكتبهم ومقالاتهم، والاحترازَ مِنهم، والتحذيرَ مِنهم، ومِن بدعهم، وكتاباتِهم، ومجالِسهم، وبرامِجهم، ومواقِعهم، والرَّدَ عليهم، لَمِن الأمور التي اتفقَّ عليها أهل السُّنة مِن السَّلف الصالح فمَن بعدهم، قال الإمامُ الصابونِيُّ : “واتفقوا مع ذلك على القولِ بقهْرِ أهلِ البدعِ، وإذلالِهم، وإخزائِهم، وإبعادِهم، وإقصائِهم، والتباعُدِ مِنهم، ومِن مُصاحبتِهم، ومُعاشرتِهم، والتقرُّبِ إلى الله بمجانبتِهم، ومهاجرتهم “.اهـ

وقال الإمامُ البَغويُّ الشافعيُّ : “وقد مَضَتِ السُّنةُ والصحابةُ والتابعونَ وعلماءُ السُّنة على هذا مجمعين على: مُعاداةِ أهلِ البدعِ، ومُهاجرتِهم”. اهـ

وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّةَ : “ومِثلُ أئمةِ البدعِ مِن أهل المقالاتِ المُخالِفةِ للكتابِ والسُّنة أو العباداتِ المُخالِفة للكتاب والسُّنة، فإنَّ بيانَ حالِهم، وتحذيرَ الأُمَّة مِنهم واجبٌ باتفاق المسلمين، حتى قِيل لأحمدَ بنِ حنبل: الرَّجلُ يصومُ ويُصلي ويَعتكفُ أحبُّ إليكَ أو يتكلمُ في أهل البدع؟ فقال: إذا قامَ وصلَّى واعتكَفَ فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنَّما هو للمسلمين، هذا أفضل” .اهـ

وثبَت عن غيرِ واحدٍ مِن التابعين أنَّهم قالوا 🙁 لَيْسَ لِمُبْتَدِعٍ غِيْبَةٌ )، ويَعنونَ بذلك: أنَّ التحذيرَ مِن أهل البدع، وذمَّهُم، لا يُعتبرُ مِن الغيبة المُحرَّمة، بل هو قُرْبَةٌ إلى الله وطاعة، لأنَّه نصيحةٌ للمسلمين حتى يَجتنبوهُم، ويجتنبوا بدَعَهُم، فلا يَضِلوا ويَهلَكوا.

عن أيوبَ السِّخْتياني  أنَّه قال: (لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ، أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ)

وأهل الأهواء هُم: أهل البدع.

 

والسكوت عن البدع وأهلها غش للأمة، وخيانة لها، لأن البدع من موجبات غضب الله وسخطه.

 

ومن البدع التي انتشرت هذه الأيام بدعة الاحتفال بيوم الأسراء والمعراج وبدعة الاحتفال بمولد النبي ﷺ وبدعة الاحتفال بمولد البنت او الولد كل سنة او الاحتفال بيوم الزواج ومرور سنة او كذا عليه وغيرها وهذا كله من الضلال والبدع المحرمة.

 

أسأل الله عز وجل أنْ يُوفِّقَنا لمعرفةِ الحق واتباعه، ومعرفةِ الباطل واجتنابه، وأنْ يَهديَنا الصراط المستقيم، اللهم ثبتنا على التوحيد والسُّنة، اللهم جنِّبنا البِدعَ في الدِّين، وأبعِدنا وأهلينا عنها، وعن دعاتها، وعن مجالِسها، وعن كُتبها، وعن مُفتيها، اللهم اكف المسلمين شر أهل البدع من الصوفية والاشاعرة والماتوردية وغيرهم ممن ينتسبون لأهل السنة كذبا وزوا يا رب العالمين.

اللهم احظ اهل السنة في كل مكان وولي عليهم خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين اللهم احفظهم في أفغانستان وفي سوريا والسودان يا رب العالمين

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد امركم بذلك ربكم فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

# اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وايماننا واستقرارنا وقادتنا وجماعتنا.

# اللهم وفق ولاتنا لكل خير وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين

# اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد يا رب العالمين

# اللهم انت الله لا إله الا انت الغني ونحن الفقراء انزل علينا الغيث ……

# عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

إحداث البدع في الدين أو فعلها أو نشرها أو الدعوة إليها أو المجاهرة بها من أغلظ الخطايا وأضرها


شارك المحتوى:
0