بسم الله الرحمن الرحيم
فقد كثرت نصوص الكتاب والسنة في الأمر بالصبر، وهو واجبٌ بالإجماع، حكاه ابن القيم [عدة الصابرين (1 / 120) دار عطاءات العلم – ط4] فلا يجوز التسخُّط والجَزَع القولي أو الفعلي أو القلبي على أقدار الله المؤلمة، وأرفعُ مِن الصبر الرِّضى عن الله تعالى، وأرفع مِنه الشكر، فعند المصيبة يشكر ربه بقلبه ولسانِه، وبجوارِحه بالعمل الصالح، والرضى والشكر مستحبَّان.
والبلاءُ يقع على عامة الناس مسلمهم وكافرهم، هكذا خلق الله هذه الدنيا: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35] وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4] وليس الشأن في مجرد الصبر والتجلُّد، فحتى الكافر يصبر ويتجلَّد على المصائب ويأخذ ثمرة صبرِه في الدنيا، ولكن الفارق بين المسلم والكافر في كيفية الصبر وفي ثمرة المصائب:
أما الفروق في الكيفية:
الفرق الأول: أن المسلم يعلم أن ما أصابه من خير وشر فهو بتقدير الله تعالى، قال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22] وقال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: 11].
الفرق الثاني: أن المسلم يعلم أنه ما وقع بلاءٌ إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة، قال سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] فالمؤمن عند المصيبة يخاف ذنوبه ويُسارع في تدارك نفسه.
الفرق الثالث: أن المسلم يعلم أنه مُفتقر إلى ربِّه في كل شيء، ومن ذلك الصبر، فيستعين بربه ليُعينه على الصبر، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، قال سبحانه: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127].
أما الفروق في الثمرة:
الفرق الأول: أنَّ مجرد وقوع المصيبة كفارة لذنب المؤمن، وإن صبَرَ ولم يجزع عليها فهو على خير أيضًا حتى وإن لم تزل المصيبة، أخرج مسلم عن صهيب بن سنان I أنَّ النبي ﷺ قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، بل ويُضاعف الله تعالى له الأجر ويُخبِّئه له لعِظَمِهِ، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص: 54] وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
الفرق الثاني: محبة الله تعالى لعباده الصابرين، وصلواته عليهم ومعيَّته الخاصة، وكفى بها مِن ثمرة، قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146] وقال: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46] وقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].
اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين الشاكرين الراضين، وارض عنا.