ظاهر العلة في الأصناف الأربعة من الأموال الربوية هو أن تكون علتها القوت والادخار؛ لأنه جامعٌ لها، لكن لا أرى علمائنا يقولون بهذا، فما السبب؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأموال الربوية ستة:
الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، كما في حديث عبادة؛ قال عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَما شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أخرجه مسلم.
في هذا الحديث ذكرٌ للأموال الربوية، وأنها أصنافٌ ستة، والأصناف الأربعة منها يذكر السائل أن الجامع لها أي: مع الطعم والكيل والوزن هو الادخار والاقتيات، أي: أن يكون قوتًا، فيقول: لماذا علماؤنا لا يقولون بهذه العلة، علمًا أنه قد قال بهذه العلة الإمام مالك رحمه الله تعالى؟
فيقال: جوابًا على هذا؛ السبب في هذا -والله أعلم- أن ذكر القوت والادخار ليسا موجودًا في الأصناف الأربعة كلها، ومن أراد أن يجعل شيئًا علةً لهذه الأصناف الأربعة فيشترط أن يكون موجودًا فيها كلها.
ويوضّح ذلك أن الملح ليس قوتًا، وإنما يتخذ الملح كمالًا، وإلا في أصله ليس قوتًا، فبهذا سقط التعليل بالقوتيةِ وبالاقتياتِ، وكذلك الرطب يجري فيه الربا بالإجماع؛ لأنه تمرٌ، والرطب نفسه لا يدخر، فإن الرطب لو تُرِكَ فسد، ومع ذلك يجري فيه الربا، فدل هذا على أن الادخار ليس موجودًا في كل الأصناف الأربعة، فعليه لا يكون علةً فيها.
لذا العلة الجامعة لهذه الأصناف الأربعة -والله أعلم- هو الطعم والكيل أو الوزن، أما دليل الطعم فما ثبت في مسلم عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنَّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ»، فذكر الطعام وذكر الطُعْم.
أما الكيل والوزن فما ثبت عند أبي شيبة عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنه قال: ((إنما الربا في النَّسَأ -أي: الربا (النسيئة)- إلا ما كيل ووزن))؛ فدل هذا على أنه لا بد كيلٍ ووزنٍ.
فعليه يكون الجامع لهذه الأصناف الأربعة هو الطُعْمُ والكيلُ أو الوزن، وقد ذهب إلى هذا التابعي الجليل سعيد بن المسيب، والإمام أحمد في رواية، وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى في القديم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
أسال الله الذي لا إله إلا هو أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.