الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنه مع تتابع الأحداث الجسام وتزايد العدوان على المسلمين – ولا سيما أهل السنة منهم – بصور وأشكال شتى في وقت كثر فيه أدعياء حقوق الإنسان- وإلى الله المشتكى – ابتلينا في هذا الزمان بل منذ عقود بتكفير المسلم بغير حق، واستحلال قتله، والغدر به، من فئام انتسبت للدين الإسلامي زورا وبهتانا في أفكارها، فقامت في عدد من الدول المسلمة بعمليات اغتيال لعدد من المسلمين من عسكريين وغيرهم، بتأويلات باطلة فاسدة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ودون مراعاة لأشهر حرم، ولا لحرمة مسجد، وآخرها -–وأرجو أن يكون آخرها- الغدر الذي جرى في مخيم البقعة بالأردن صبيحة الأول من رمضان المبارك، والعياذ بالله.
وإن الإسلام دين عظيم يقوم على تحقيق الأمن في المجتمع بكل طبقاته، ومهد له بكل أسبابه، من إقامة الشرع الحنيف والعمل بتعاليم الإسلام، ورأس الأمن توحيد الله عز وجل، وبه يتحقق الأمن كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، والظلم هنا هو الشرك بالله سبحانه.
ونعمة الأمن امتن الله بها على عباده فقال سبحانه: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.
وفي صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته».
وقد جعل دين الإسلام الأمان للكافر الذي دخل ديار الإسلام بعهد وأمان، كما قرر أن من دخل بلاد الكفار بأمانهم لا يحل له أن يخونهم في شيء، فكيف يكون ذلك للمسلم؟
وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا….”.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع، في يوم عرفة، وبين يديه مائة ألفٍ أو يزيدون: “ إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا…”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “من حمل علينا السلاح فليس منا”. رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: “لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار”.
ويقول الإمام ابن العربي المالكي: “إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن، فكيف الذي يصيب بها؟” .
وفي المسند وغيره أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الفَتْكِ، لا لا يَفْتِكُ مؤمن”.
ومعنى ذلك :” أن يأتي الرجل صاحبه على غفلة فيقتله، فالإيمان يمنع صاحبه عن قتل أحد بغتة حتى يسأل عن إيمانه، كما يمنع القيد المقيد عن التصرف”.
ويحضرني مقال بهذه المناسبة للشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله نشر ضمن مجموع مقالاته بعنوان:” الإيمان قيد الفتك” عقب اغتيال رئيس وزراء مصر آنذاك محمود النقراشي عام 1948م ، ووصف هؤلاء بالخوارج المُجرمين وقال :”وما ندري من بعد النُّقراشي في قائمة هؤلاء الناس؟ إن الله توعّد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام في غير آيةٍ من كتابه: ((ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابا عظيما)) سورة النساء:93، وهذا من بديهيات الإسلام، التي يعرفها الجاهل قبل العالم، وإنما هذا في القتل العمد الذي يكون بين الناس في الحوادث والسرقات وغيرها، القاتل يُقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزراَ كبيراَ.
ثم قال هم كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر.
وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج بل خيراَ منه، وقد وصفهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالوحي قبل أن يراهم؛ فقال لأصحابه: “يحقِرُ أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”.
وقال أيضا: “سيخرج في آخر هذا الزمان قوم أحداث السنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراَ لمن قتلهم عند الله يوم القيامة”.
وإن أعمال هؤلاء يعد من الحرابة والإفساد في الأرض التي قال الله فيها: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وقد رأيت كلاما لسماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن بار رحمه الله فيما نحن بصدده إذ قال:
” إذا كان من تعرض للناس يأخذ خمسة ريالات أو عشرة ريالات أو مائة ريال مفسداً في الأرض، فكيف من يتعرض بسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل وظلم الناس، فهذه جريمة عظيمة وفساد كبير.
التعرض للناس بأخذ أموالهم أو في الطرقات أو في الأسواق جريمة ومنكر عظيم، لكن مثل هذا التفجير ترتب عليه إزهاق نفوس وقتل نفوس وفساد في الأرض وجراحات للآمنين وتخريب بيوت ودور وسيارات وغير ذلك فلا شك أن هذا من أعظم الجرائم ومن أعظم الفساد في الأرض، وأصحابه أحق بالجزاء بالقتل والتقطيع بما فعلوا من جريمة عظيمة. نسأل الله أن يخيب مسعاهم وأن يعثر عليهم وأن يسلط عليهم وعلى أمثالهم وان يكفينا شرهم وشر أمثالهم وان يسلط عليهم وان يجعل تدبيرهم تدميرا لهم وتدميرا لأمثالهم إنه جواد كريم”.
فقاتل الله كل من سلك هذا النهج وايده، وحفظ الله الأردن وبلاد المسلمين من كل القتن، وهىدانا الله جميعا للحق واتباع السنة، ورحم الله من مات من الجنود وتقبلهم عنده من الشهداء.
ختاما: أسأل الله أن يرحم كل مسلم مغدور، وأن يتقبله من الشهداء، وأن يلطف بالمسلمين في كل مكان، وأن ينصر دينه وعباده، والسنة وأهلها، ويخذل أهل الكفر والضلال، وأن يرد ضالنا، إنه سميع مجيب.