(( صنعة التلبيس ))
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد
أما بعد
لا يقف تلبيس الملبّسين عند حدّ، ولا ينتهي تحريفهم وتلاعبهم بالشّريعة عند غاية، فهم يكتمون الحقّ ويتأوّلون معانيه، ويصرفونه عن مقتضياته، ويثيرون نقْع الشُّبهات، ويتتبّعونها، ويُشيعون إشكالاتها في النّاس، دون أصول شرعيّة معتبرة ومعتدٍّ بها، ولا رجوع إلى قواعد منهجيّة صحيحة في الفهم والتلقّي يُرجعُ إليها.
فليس نورُ الأدلة وِجهتهم، ولا الإذعانُ للشّريعة الربّانية غايتُهم، وليس الدّافع لهم فيما يحشدونه من نصوص شرعيّة، ويتقفّرونه من أقاويل منتقاة عن العلماء، هو طلب معرفة حكم الله ورسوله في الوقائع والأحوال والنّوازل، إنما المقصد والغاية التي يريدون تزييفها وإقناع عامّة النّاس بها، هي إزالة تلك العوائق الشرعيّة والحواجز النفسيّة والحُجُب الفكريّة التي تمنع المجتمعات الإسلاميّة من قبول أفكارهم، والرضى بأطروحاتهم، واللحاق بركبهم، والتخندق في صفّهم.
فإذا اقتنصوا دليلا أوردوه في غير محلّه، ظانّين أنّه يشهد لأهوائهم ويعضُد توجُّهاتهم.
وإذا نقلوا نقلا عن عالم من العلماء المعتبرين ، وضعوه في سياق مخالف لمقاصد هذا العالم التي نذر حياته وعلمه وجهاده من أجل تقريرها والدعوة إليها.
فكذبوا على الشّريعة، وحرّفوا معانيها، وتجنّوا على العلماء الربانيين وألصقوا بهم ما هم منه براء.
جعلوا من أهوائهم حكماً على دين الله وعلى نصوص الشّريعة، فحسّنوا الباطل وزخرفوه للنّاس، وقبّحوا الحقّ وشوّهوا صورته، وأحلّوا الحرام وحرّموا الحلال، وشنّوا حربا جائرة ضدّ ثوابت الدين، وما أجمع عليه علماء المسلمين.
لكنّ الله تعالى قضى أنّ مكرهم إلى زوال، وحكم أن الغلبة والظّهور والتّمكين لا يكون لهم، فلا يصلون إلى إفساد الديانة الصحيحة والتمكن من العبث بها، ليُظلّوا النّاس عن دينهم، ويُلبِّسوا عليهم شريعة ربّهم.
بل لا تزال أعلام الحق ورسومه-بحمد الله- ظاهرةً بيّنة، وحججه وبراهينه جليّة واضحه، لا تفسدها كثرة أكدار التّأويلات، ولا تُضعف وهج نورها عوادي الأهواء والتلبيسات، لا تخفى أنوارها إلا على من طمس الله بصيرته، فتنكّب طريق الحق وأعرض عنه، وغفل عن حججه الواضحة، وتعامى عن دلائله الظاهرة.
محمد الجوني
9 / 3 / 1434 هـ