فتنة الزنادقة .. متى تُوأد؟
الحمد لله، وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل سنوات انشقت الأرض عن نبتة ضالة خبيثة كانت تغمز قناة الدين على استحياء، ومع الغفلة عنها -أو التغافل- نَمَت شيئا فشيئا تحت غطاء “الحرية”، و”الآخر”! و”محاربة الإقصاء والرأي الواحد”. ومنذ ذاك الحين لا يمر يوم إلا وهو يحمل معه صلابة في عودها المعوج، وارتفاعا في أغصانها النكدة؛ فأعمدة صحفية، وبرامج فضائية، ومواقع شبكية، وصوالين ثقافية، ومقالات ولقاءات وروايات وتغريدات – تمالأت على طعن الإسلام -عقيدة وشريعة وأخلاقا- بتركيز شديد ومكر كُبَّار، متدرجة من التلميح إلى التصريح، ومن الطرح الخجول إلى الوقاحة.
وها هي اليوم قرون الزندقة قد أطَلَّت عارية، وأسفرت عن وجهها القبيح، وتوالى الحقد والكيد بخطوات متسارعة، حتى صرنا عاجزين عن ملاحقة ما يُغرف من قيئهم على الملأ؛ فأحدهم يسب الله جهرا -تعالى عما يقوله وإخوانه علوا كبيرا-، وثانٍ يقدح في النبي عليه الصلاة والسلام، وثالث يعلن ردته بصفاقة وجه: أنه لا يؤمن إلا بدين الإنسانية! ورابع ينكر أن يكون الإسلام ناسخا لغيره من الأديان، وخامس يزعم أن لا فرق بينه وبينها، وسادس يدعو إلى إعطاء الملاحدة مساحة من الحرية ليقولوا ما يشاءون، وسابع يقول إن “لا إله إلا الله” كلمة لا معنى لها! وثامن ينكر حد الردة، وتاسع يشكك في حقائق مما يكون في الآخرة، وعاشر وعشرون وثلاثون! .. ولا والله ما تهامسوا بها بينهم؛ بل نعقوا علنا؛ فمن يصدق هذا؟!
لقد طفح الكيل بأهل الإيمان، وبلغ غيظهم منتهاه، ولو استمر السكوت عن هؤلاء الزنادقة فلنبشر بمزيد من الجرأة والإمعان في الضلال، ثم لننتظر بعدُ قارعة من السماء.
إن الواجب على كل قادر الوقوفُ في وجه مدّ الزندقة هذا؛ فأصحاب القلم والكلمة بجهادهم بهما، وأهل الجاه ببذل جاههم، وأولو السلطة والولاية بالتنكيل بهم، وإقامة حكم الله فيهم دون رأفة، والله جل وعلا يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وهذا واجب حتمي، لا خيار فيه ولا تفضُّل.
أوليس هذا الخَطب حريا بأن تُشكل لحربه الهيئات، وتعقد لمواجهته المنتديات والمؤتمرات، ويتنادى لإطفاء ناره الحاضر والباد؟
أم سيكتب التاريخ أن هذه الحقبة التي نعيشها قد شهدت -في شأن أعز ما نملك- خذلا مؤسفا، وتراخيا قبيحا؟
إنه في زمن تطاول أعناق الزنادقة لا بديل عن الحزم، ولا محل للتغافل، ولو أخذ سيف الحق من رقاب أولئك -من أول يوم- مأخذه؛ ما سارت سورتهم، ولا ثارت ثورتهم.
ولما اقتيد الحلاج للقتل على الزندقة سنة (309هـ) جزع وأظهر التوبة؛ فلم يُقبل منه، قال أبو العباس ابن تيمية: (ولو عاش افتتن به كثير من الجهال) (مجموع الفتاوى 35/111).
ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا ….. مُضرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى
ولا شك أن القول بوجوب قتل الزنديق -ولو أظهر التوبة بلسانه- من القوة بمكان، ومن الفقه السديد، لا سيما في زمن الابتلاء بتكاثرهم -لا كثرهم الله- والله تعالى يقول: (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا). قال أبو العباس ابن تيمية: (ولو قُبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيلٌ إلى تقتيلهم، والقرآن قد توعدهم بالتقتيل) (مجموع الفتاوى 7/215).
ولا ينبغي الغفلة عن آخرين من دونهم، هم ردء لهم -شعروا أو لم يشعروا- همُّهم التبرير والتثبيط؛ فلا يهبُّ المؤمنون حميةً لدينهم إلا ارتفعت أبواقهم تتباكى على الموضوعية، وتنوح على تكميم الأفواه!
وقد نص أهل العلم -في شأن الزنادقة- على أنه (يجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذبَّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم … بل تجب عقوبة كل منعرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم). (مجموع فتاوى ابن تيمية 2/132).
فاللهم انصر أولياءك، واخذل أعداءك، واشفِ منهم صدور المؤمنين.
وصلى الله وسلم على سيد ولد آدم وآله وصحبه.
وكتبه: د. صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي
24/2/1434هـ