ما حكم التقسيط مع التفصيل؟
يقال: قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى مسألة التقسيط كما في “مجموع الفتاوى”، وقسَّمها أقسامًا ثلاثة:
القسم الأول: الذي يشتري شيئًا بالتقسيط يريد أن يتملك عينًا بالتقسيط، ومن أمثلة ذلك: أن يشترى سيارة، فمثل هذا جائز بإجماع أهل العلم.
القسم الثاني: أن يشترى شيئًا للتجارة، مثلًا يشترى سيارة، كأن يشترى سيارة بستين ألف ريال تقسيطًا، ثم بعد ذلك يبيعها على غيره بسبعين ألف ريال تقسيطًا، أو يبيعها نقدًا، يعني: يريد بذلك التجارة، فمثل هذا أيضًا جائز بإجماع أهل العلم، وذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
القسم الثالث: أن يشترى عينًا كسيارة أو غيرها، يريد بذلك المال، يشترى سيارة بالتقسيط مثلًا بستين ألف ريال، يدفع كل شهر ألفًا، ثم إذا قبض السيارة باعها على طرفٍ آخر نقدًا بخمسين ألف ريال، أو بأربعين ألف ريال، وهو يريد بذلك أن يتملك مالًا، هذه المسألة تسمى عند العلماء “بالتورق”، وهذه المسألة تنازع فيها العلماء.
أما القسم الأول والقسم الثاني فهما جائزان بالإجماع، ويدل على ذلك كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى في “المغني”، والبغوي في “شرح السنة”.
فإذا تبين أنه جائز بالإجماع، فلا يصح لأحد أن يحرّمه، وقد أجمع عليه أهل العلم.
وقد رأيت بعض العلماء الأفاضل يحرّم أمثال هذه؛ بحجة أنه ليس للزمن قيمة، ما معنى هذا؟ يقول: إن الذي باع السيارة بخمسين ألف ريال تقسيطًا، هي في الحقيقة لا تستحق هذا المبلغ، وإنما تستحق ثلاثين ألف ريالٍ نقدًا؛ وإنما البائع زاد القيمة لأجل الزمن، والزمن لا قيمة له؛ لأن الله يقول: ﴿ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة :280]
والجواب على هذا أن يقال: إن الزمن ذو قيمة في الشرع في صورٍ، وليس له قيمة في صور، فمثل مسألة السلم ففيه أن الشريعة اعتبرت الزمن، فلو أن رجلًا قال لرجل، وهذا الرجل القائل عنده تمر، فقال لرجلٍ آخر: أنت تعرف أنَّ تَمَرِي سيخرج بعد ستة أشهر، وإني سأبيع، وإن عندي تمرًا صفته كذا وكذا إلى آخر ما ذكر، وأريد منك عشرين ألف ريال على أن أعطيك تمرًا بكيل كذا، في زمن كذا، إلى آخره، وهذا التمر لو كان في الزمن نفسه لصار يستحق أكثر من هذا المبلغ.
لكن قلَّ مبلغه؛ لأنه سيتأخر في تسليم المثمن، فهل يشترط السلم؟ هذا جائزٌ كما ثبت في الصحيحين وغيره.
فإذن في مثل السلم زاد المبلغ لأجل الوقت، فالرجل صاحب التمر لما أراد مالًا من رجل عنده مال قلّل من قيمة التمر، لأجل التأخر في تسليمه، ولو كان التمر موجودًا لكانت قيمته أكثر.
ما الذي أثَّر في قيمة التمر، هو الزمن، إذن في مثل هذا الزمن معتبر شرعا.
أما الزمن مع الأموال الربوية فإنه محرم، وليس معتبرًا شرعًا، لو قال: أعطيك كذا صاعين من الشعير على أن ترده عليّ بكذا وكذا، ولو قال: أعطيك كذا من الذهب، أو من الشعير على أن ترد عليَّ بكذا وكذا، فمثل هذا فإن تأخرت صار المبلغ أكثر من ذلك، تزيد، ومثل هذا يعتبر ربًا.
ولو قال قائل: الآن أنا أقرضك عشرة آلاف ريال، على أن ترد بعد الشهرٍ بخمسة عشر ألفًا، وإذا تأخرت زيادة ترد عشرين ألف ريالٍ إلى آخره.
فمثل هذا محرَّمٌ، والزمن لا قيمة له، لا لأجل الزمن وحده، وإنما اجتمع الزمن مع الأموال الربوية، إذن يكون الزمن جزء علة، وتكون الأموال الربوية جزء علةٍ، فإذا اجتمع الجزءان دل على حرمة هذا الفعل.
وخلاصة ما تقدم: أن للزمن اعتبارًا في الشرع في حالات، وليس له اعتبار في حالات، و من الحالات التي ليس معتبرًا فيها إذا كان مع أموال ربوية.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفقّهنا في الدين، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، إنه الرحمن الرحيم. وجزاكم الله خيرًا.