الحمد لله الذي جعل الزكاة طُهرةً للصائمين وطعمةً للمساكين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، محمد بن عبد الله ﷺ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
أما بعد:
فقد أوجب الله زكاة الفطر على المسلمين، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: “فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”.
والصاع مقداره ثلاثة كيلوات تقريبًا، من قوت البلد على كل من غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان، وهو مالكٌ لما فضُل عن قوته وقوت من يعول يوم العيد وليلته، ولو كان فقيرًا لعموم حديث ابن عمر -رضي الله عنه- المتقدم ولما ثبت عند عبد الرزاق أن أبا هريرة -رضي الله عنه- أوجبها على الفقير والغني، أما الحمل فيُستحب إخراج زكاة الفطر عنه لما ثبت عند ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال: “كانوا يعطون صدقة الفطر حتى يعطون عن الحبل”.
ويجب أن يُخرجها الرجل عن نفسه وعمن تلزمهم مؤنته ونفقته، فقد ثبت عن أسماء أنها كانت تُخرج صدقة الفطر عمن تمون من الصغير والكبير والحاضر والغائب، ولا يجب أن يُخرجه عن السائق والخادمة، وإذا أراد أن يُخرج عنهم فليستأذنهم حتى ينووا ويأذنوا له.
والأفضل أن تُؤدى يوم العيد قبل الصلاة، لما تقدم عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: “وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”، ويجوز إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما روى البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنه-: «يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين»، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد مع القدرة، ومن أخَّرها بلا عذر وجبت عليه التوبة من هذا الذنب ثم قضاؤها عاجلًا.
وليحرص المسلمون على التحري في أدائها بأن تصل إلى مستحقيها من المساكين والفقراء، فإنها أمانة واجبة متعلقة بالذمة، فلابد من التثبُّت في إيصالها إلى مستحقيها، ويجوز أن يُعطى الفقير الواحد أكثر من صاع بما أنه لا يزال فقيرًا، ولو عُلم أنه يبيعها ويستفيد من ثمنها، ويحرم على من تصدَّق بصدقة أن يشتريها، لما روى البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم».
زكاة الفطر متعلقة بالأبدان والأشخاص، بخلاف زكاة الأموال المتعلقة بالأموال، لذا يُخرجها الرجل في البلد الذي غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان وهو فيها.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيُخطئ بعض الناس ويُخرج زكاة الفطر نقودًا ومالًا، وهذا لا يُجزئ لما تقدم من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-: “فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر …” الحديث، لذا ليُخرجها صاعًا من قوت البلد، بأن يعطي الفقير طعامًا أو يعطي وكيله مالًا ليشتري للفقير طعامًا ثم يعطيه الفقير طعامًا، أما أن يعطي الفقير مالًا ونقودًا فهذا لا يُجزئ ولا يصح.
وليست العبرة بالنظر إلى انتفاع الفقير وإنما العبرة في التعبُّد لله كما يريد الله، وكما بيَّنه رسول الله ﷺ ففرقٌ بين زكاة المال التي هي متعلقة بالمال فتُخرج مالًا وبين زكاة الفطر التي هي متعلقة بالأشخاص فتُخرج طعامًا.
ولا يصح أن نُعارض الشريعة بعقولنا ولا بأذواقنا ولا باستحساناتنا، بل يجب أن يكون موقفنا من أدلة الكتاب والسنة: سمعنا وأطعنا.
اللهم تقبَّل منا صيامنا، اللهم اجعلنا ممن أدرك ليلة القدر فقامها إيمانًا واحتسابًا، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، اللهم اجعلنا ممن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، اللهم تقبل زكواتنا.