ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب (5)
د. عارف عوض الركابي
في الحلقة الرابعة من هذه المقالات ناقشت إنكار الكاتب علي يس على منيحذرون من الشيعة ، وبينت أن ما دعوته لأن يغض الناس الطرف عن العقائد الشيعية ــ التي تُنشر بين بعض الناس والجهات في مجتمعنا ــ بينت أن ما نشره في ذلك هو من الخيانة العظيمة ، ومن المنكر الكبير ، وبينت أن ما نشره في ذلك هو من أهم الأسباب لتمرير عقائد الرافضة الشيعة التي رفضها مجتمعنا ، ووضحت أن الإنكار على الشيعة في موقفهم من القرآن الكريم والسنة النبوية وصحابة النبي وزوجاته والسلف الصالح ، وفي موقفهم من التراث السني والمصادر العلمية في الحديث والتفسير أن إنكار ذلك من الأمور التي تجتمع وتتفق عليها جهات كثيرة تنتسب إلى الإسلام في مجتمعنا على تعدد الطوائف والجماعات والمذاهب وإن اختلفت في ما بينها اختلافاً كبيراً في غير ذلك .
وأؤكد أن التحذير من الرافضة الشيعة ومن عقائدهم وُجِد في مجتمعنا بعد وجود من ينشرون عقائدهم في بلادنا ، في جامعاتنا ، وفي المدن والقرى ، وأن بيان خطر دعوتهم وجد بعد وقوع بعض الناس في شباكهم ، ووُجد بعد أن أصبح من أبناء مجتمعنا ــ للأسف الشديد ــ من يجهر بتكفير الصحابة الكرام ، ومن يطعن في زوجات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومن كان يصدق أنه سيخرج في مجتمعنا ــ الذي تعلم أبناؤه حب الصحابة والقرابة منذ رضاعتهم من ثُدي أمهاتهم ــ من ينشر دعاوى تكفير الصحابة وارتدادهم ، ويحكم على الإسلام بالضياع من يوم السقيفة ؟!! ويقول بعقيدة الرجعة ومصحف فاطمة وغيرها ، وإن كانوا قلة إلا أنه أمر يتأسف له غاية الأسف .
إن التحذير والإنكار على العقائد الشيعية وُجِد بعد أن قام البعض بنشر كتاب (الكافي) وما يحويه من الخرافات وأصناف الضلال ،وبعد نشر غيره من الكتب ، فجزى الله خيراً كل من حذر من هذه العقائد السبئية ، وقد آتى هذا التحذير أُكله ولله الحمد ، فالروافض الآن في مرحلة (التبرؤ) من مصادرهم بعد توضيح ما فيها وكشفه وبيانه للناس ، وفي مقال منشور لدكتور يستميت في الدفاع عن الشيعة اسمه عبد الرحيم عمر محيي الدين قال : ( أن التراث الشيعي تتم مراجعته اليوم بواسطة الأصوليين من علمائهم وأن الشيخ التسخيري قد ذكر في ندوة وزارة الأوقاف بالخرطوم أن علماءهم قد أبطلوا تسعة ألف حديث من مجموع أحاديث (الكافي) للكليني البالغة ستة عشر ألف حديث؟( !! وهذا شيء عجيب ، فالكافي الذي هو أحد أهم المصادر الأربعة عند الشيعة الاثني عشرية وهو لديهم بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة وقد روي عند بعض الشيعة أن الكتاب عُرِضَ على المهدي المزعوم المختفي في السرداب فقال : (إنه كاف لشيعتنا) فسمي الكافي لذلك ، ومع ذلك وبعد قرون طويلة يتبين للرافضة أن هذا المصدر مع أهميته عندهم إلا أن ما يقدر بــ 56% منه باطل !! فيا له من دين !! ويا لها من عقائد بنيت على مثل هذه المصادر!! وفي بحث مميز منشور بالشبكة لفيصل نور جمع فيه تضعيفات علماء الشيعة لما في الكافي ووجد أنهم لم يتفقوا على جزء معين وإنما كل مجموعة منهم ضعفت جزءاً ، وإذا جمع ما ضعفوه فلا يبقى بعد ذلك إلا القليل !!
ومسلسل استخدام التقية والتبرؤ من العقائد والمصادر الشيعية هو من ثمار هذه الجهود الموفقة والتي هي من فروض الكفايات ، فأي خير في مجتمع يتسلل إليه أناس يكفرون صحابة نبيهم ويقذفون عرض أمهم عائشة المبرأة من فوق سبع سماوات ولا يتصدون لأولئك المتسللين ؟! وأي خير بالمجتمع إن سكت وغض الطرف ــ كما يُلبّس علي يس ــ ليغض الطرف فيتسبب ذلك في نشر الخرافات والعقائد المنحرفة كدعاء صنمي قريش !! ويعنون بالصنمين أبا بكر وعمر وابنتيهما عائشة وحفصة ، وهو من الأذكار المفضلة عند الرافضة وقد أفاضوا في ذكر فضائله كما أكثروا من شروحه والتعليق عليه ، ومما فيه : (اللهم العن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما …) !!
ومن العجائب أن علي يس يقول في لقاء صحيفة التيار معه : (الآن هنالك طائفة مما يسمون أنفسهم بسلفيين يريدون أن يحولوا المسجد الى ذلك الدور الذي لعبته الكنيسة يريدون من على منابر المساجد أن يصدروا شهادات التكفير وشهادات الإيمان وشهادت التضليل والهداية للناس وهم لا يفقهون شيئاً) .. فعن أي تكفير يتحدث هذا الكاتب ؟! وليته أعطانا أمثلة ونماذج لتكفير السلفيين للناس ــ الذي يدعيه ــ !! وإذا كان صادقاً في دعواه التحذير من تكفير الناس بغير حق فهل هو قد علم أن الرافضة من أكثر الطوائف التكفيرية ؟! وأن تكفيرهم بالجملة وللمعينين وعلى رأس من يكفرونهم : الصحابة الكرام ، وأمهات المؤمنين ، والتابعين وتابع التابعين ، وليراجع كتاب (أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب) فقد نقل ووثّق مؤلفه من كتبهم في هذا الجانب ، أم أن الرجل لم يقرأ في كثير من كتب الشيعة الاثني عشرية ؟! فلو قرأ لوجد دعوى ارتداد جميع الصحابة إلا سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار ..!! وبعض الروايات لديهم فيها زيادة هذا العدد قليلاً !! ولوجد في (الصراط المستقيم للبياضي الشيعي أن أبابكر أمضى أكثر عمره مقيماً على الكفر)!! ولوجد قولهم : (إن أبا بكر لم يكن إسلامه صادقاً فكان يصلي خلف رسول الله والصنم معلق في عنقه يسجد له ، كما في الأنوار النعمانية للجزائري الشيعي) ولوجد في : (الصراط المستقيم للبياضي وعقائد الإمامية للزنجاني أن عمر بن الخطاب كان كافراً يبطن الكفر ويظهر الإسلام) وبمثل ذلك قيل في( عثمان بن عفان كما في الأنوار النعمانية) ولقرأ في (جلاء العيون للمجلسي قولهم إن لا مجال لعاقل من أن يشك في كفر عمر) ولو قرأ في (تفسير العياشي والبرهان للبحراني وبحار الأنوار للمجلسي لوجد زعمهم أن أمنا عائشة لها باب خاص من أبواب النار)!!
إن أحسنّا الظن بالكاتب علي يس لقلنا عنه (تكلم في غير فنه فأتى بالعجائب) !!ويا لها من عجائب .. بل مصائب !! أما إن كان قد اطلع على هذه العقائد وعلم أن هناك من ينشرونها بين الناس ويبذلون جهوداً لنشرها ، ولو علم أن أناساً في مجتمعنا قد وقعوا في فخاخهم حتى صاروا من أفراخهم !! ومع ذلك يستميت تلك الاستماتة بما نقلته من كلامه في الحلقة الماضية مما قاله قبل سنوات وأعاده في الأيام الماضية من الإنكار ــ مقروناً بالتسفيه ــ لجهود الناس عامة والدعاة خاصة في مجتمعنا في التحذير من الشيعة فإذا كان كذلك فيحق وصفه عندئذ بأنه ممن وقعوا بل انغمسوا في الخيانة وإنها لبئست البطانة كما أخبر سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام .
إذا كان علي يس قد نشر التشكيك في الأحاديث النبوية ــ حتى لو كانت صحيحة الأسانيد ــ فلنا أن نقارن ما نشره في ذلك مع ما قاله الشيعي السوداني متوكل محمد علي المحامي صاحب الكتاب المنشور على الشبكة (ودخلنا الباب سجداً) حيث نشر فيه : ( لا نشك مطلقاً في أن كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه في مأمنٍ من الدس فيه والإنقاص منه، على الرغم من تلك الروايات التي تضمنتها موسوعات الحديث السنية وغيرها وفيها إشارات إلى نقص القرآن أو تحريفه، تلك الروايات نرفضها ليس فقط لضعف أسانيدها ولكن لأنها أيضاً مناقضةٌ للواقع. هذا عن التحريف اللفظي للقرآن، أما التحريف المعنوي الناشئ عن الرأي واتباع المناهج الخاطئة في التفسير والاعتماد علىالأحاديث الموضوعة والتزوير في أسباب النزول وإتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كل ذلك أدى إلى إفراغ القرآن من محتواه فلم يبق منه إلا رسمه)!!
ومما قال متوكل مما تضمنه كلام علي يس الذي نشره في مقالاته : (وكيف خلت مناهجنا المدرسية من حديث كهذا على الرغم من أنها حوت الغث والسمين من الأحاديث والفضائل المنسوبة للصحابة).
ومما جاء في كتاب (ودخلنا الباب سجداً) مما تضمن بعضه كلام علي يس : (القرآن لأنه لاشك في كونه كلام الله الذي نزل به الوحي على قلب نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بتبليغه كما أنزل ، ووصل إلينا دون أن تشوبه زيادة أو نقصان، هذا القول لا ينطبق على التفسير وقد طالته يد الدس والتحريف ، وقام قرّاء البلاط بتأويله لمصلحة الطغاة، ووضعوا أسباب النزول بما يتفق ودواعي السياسة، ولم يأْلُ علماء اليهود والنصارى الذين ادعوا الإسلام جهداً في دس الأكاذيب والخرافات التي عرفت بالإسرائيليات،وساعدهم على ذلك تلاميذهم من الصحابة والتابعين).
ومما ورد في الكتاب ــ أيضاً ــ : (وأتباع هذا المنهج لا تستطيع أن تحتج عليهم بالقرآن لأنهم يشترطون أن تكون المرجعية للسلف وما فهموه منه، كأنهم أئمة الكتاب لا الكتاب إمامهم، وليس لك أن تحتج عليهم بالعقل، لأن العقل عندهم هو الرأي المحظور).
وهو كلام يتطابق مع جمل كثيرة وعبارات مما نشره علي يس في مقالاته التي نشرت في الأيام الماضية .
ومما نشر في الكتاب : (في البدء لم نجد الأهل يعرفون من الصحابة إلا آل بيت النبي ثم يأتي غيرهم في المرتبة الثانية، وفي المدارس لم نجد ذكراً لهم بينما تربع آخرون على عرش التاريخ، ولذلك لم نعرف عن علي، الذي لا يعرف أهلنا من الصحابة غيره، إلا نتفاً من سيرته الذاخرة بالمواقف والبطولات والقيم، وعرفنا عن غيره من الخلفاء والأصحاب ما يصح وما لا يصح، حقاً وباطلاً. لم نجد لفاطمة الزهراء مكاناً، وهي التي لا يخلو بيت في بلادنا من امرأة تحمل اسمها أو بعض ألقابها، وهي سيدة نساء العالمين وبضعة النبي الذي يرضىلرضاها ويغضب لغضبها، وبالمقابل تمددت السيرة الذاتية لبعض نساء النبي وتضخمت حتى كدنا نظن أنهن أنبياء أو أنصاف أنبياء، ذلك أن التاريخ إنما كتبه أعداء أهل البيت).
والكلام فيه عن المصادر والتوثيق يتشابه ــ أيضاً ــ مع الذي نشر في مقالات علي يس .
ولا أريد أن أعلق على هذه النقول من كتاب (ودخلنا الباب سجداً) فقد ناقشتها في مناقشتنا معه الذي شاركني فيها بعض الإخوة الأفاضل بمنتدى سودانيز أون لاين واستمرت المناقشة أكثر من شهرين متواصلين كما أني لا أريد أن أعقد مقارنات بتفصيل بين ما نشره علي يس في مقالاته مما تشابه بعضه وتطابق بعضه مع هذه النقول التي نقلتها بصورة عشوائية من هذا الكتاب الذي نشره صاحبه المتشيع والمستميت في نشره !! وإن كان لم يوفق لنشر مذهب ابن سبأ الذي يحمله وسط أهله الذين أنكروا عليه وحذروا منه ..
لا داعي للمقارنة .. فالتشابه واضح ، لكني أتساءل فلا أدري هل الشيعي متوكل أفاد من علي يس أم أن علي يس هو الذي أفاد منه في ما نشر أم أن منبع ما نشرا واحد ..؟!!!
وأواصل (بعد حين) إن شاء الله في هذه الحلقات للتعليق على ما تبقى مما نشره علي يس في مقالاته ..