أخطاء شائعة تناقض “لا إله إلا الله”
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم
[ أخطاء شائعة تناقض “لا إله إلا الله” ]
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21-22].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
إنه لا أحب إلى الله من التوحيد، وهو أعظم الواجبات وأولها وأهمها، ومن أجله خلق السماوات السبع، وبسط الأرضين السبع، وحُقَّت الحاقة، وقُرعت القارعة، وانقسمت الخليقة إلى أصحاب النيران وإلى أصحاب الجنان، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]، أي إلا ليُوحّدوا الله الذي لا إله إلا هو.
ومما يدل على عظيم أمر التوحيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس هو والصحابة -رضي الله عنهم- عشر سنوات في مكة لم يُفرض عليهم إلا التوحيد، حتى الصلاة لم تُفرض، بل فُرض وحده، فدل على عِظم توحيد الله.
ثم استمرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الصحابة والمسلمين إلى التوحيد حتى مرض موته، أخرج البخاري ومسلم عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في مرض موته: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
ومما يدل على أهمية توحيد الله أن الرُّسل أجمعين مُجمعون على الدعوة إلى التوحيد، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 25]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: 36].
ومع أهمية التوحيد وبيان القرآن له بيانًا شافيًا إلا أن هناك كثيرًا من المسلمين قد خالفوا توحيد الله، وأذكِّر ببعض هذه المخالفات على عجالة سريعة:
أولها: معنى لا إله إلا الله:
قال الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[محمد: 19].
كثير من المسلمين يظن أن معنى “لا إله إلا الله” أي: لا خالق إلا الله، أو لا قادر على الاختراع إلا الله، إلى غير ذلك من المعاني التي -وللأسف- يُعلِّمها أكثر جامعات العالم الإسلامي، يُعلمون طلابهم والدارسين عندهم أن معنى “لا إله إلا الله” أي لا خالق إلا الله!
إخوة الإيمان، لو كان معنى “لا إله إلا الله” أي لا خالق إلا الله، لأقرَّ بها كفار قريش كأبي جهل وأبي لهب، لأنهم كانوا يعتقدون أنه لا خالق إلا الله، قال سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}[الزمر: 38].
ومع ذلك لما سمعوا هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد “لا إله إلا الله” قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]، فدل هذا على أن معنى هذه الكلمة أنه لا معبود بحق إلا الله، أي أنه لا يُعبد إلا الله، وأن العبادة لله وحده، فلا ذبح ولا نذر ولا دعاء ولا استغاثة ولا طلب للمدد إلا من الله الذي لا إله إلا هو.
ومن صَرَف شيئًا من العبادات لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر -عافاني الله وإياكم-، قال سبحانه: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون: 117].
ومع ذلك ما أكثر المسلمين الذين يدعون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويطلبون المدد من غير الله، ويلتجئون إلى الأولياء والصالحين، بل بعضهم يدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كشف المهمات وإزالة الأمور العظيمات، وهذا كله مخالف لكلمة التوحيد “لا إله إلا الله”.
ومن المخالفات في توحيد الله: أن بعض الناس يُجوِّز شرك الوسائط، ويُسميه بالوسيلة، أتدرون ما شرك الوسائط؟
إنه أن يأتي رجل إلى أحد الصالحين أو غيرهم من الأموات فيذبح لهم، ويضع النذور عند أضرحتهم وقبورهم، أو يدعوهم أو يستغيث بهم، يقول: إنني رجل مقصِّر ومُذنب، فأفزع إلى هؤلاء ليشفعوا لي عند الله، ليكونوا سببًا في قبول دعائي، أو نجاتي من النار ودخول الجنان.
وهذا هو عين شرك كفار قريش، اسمع ماذا قال ربك في كتابه، قال عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ} أي الصالحين، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ}[الزمر: 3].
وقال سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ}[يونس: 18].
فكل من ذبح لغير الله، أو دعا غير الله، أو استغاث بغير الله لأجل الوسيلة أو الشفاعة أو غير ذلك من المعاني، فقد وضع في الشرك الأكبر -عافاني الله وإياكم-.
فإن قيل: ما معنى الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة: 35] ؟
فيقال: أجمع العلماء أن معنى الوسيلة عبادة الله، دعاء الله، الصلاة لله، الاستغاثة بالله، فعل الواجبات والمستحبات.
ومن تلبيس الشياطين أنهم خدعوا كثيرًا من المسلمين وزعموا أن الوسيلة صرف العبادات لغير الله، كيف يأمر الله بالشرك ؟! بصرف العبادات لغير الله باسم الوسيلة؟! والقرآن كله قائم على إفراد الله بالعبادة، وأنه لا ذبح ولا نذر إلا لله الذي لا إله إلا هو.
ومن أخطاء بعض المسلمين في توحيد الله: أنهم يأتون عند قبور الأولياء والصالحين ويدعون الله، فيزعمون أن عبادة الله عند قبور الصالحين سببٌ لاستجابة وقبول هذه العبادة.
فتراهم يأتون إلى المقابر أو إلى ضريح رجلٍ يعدُّونه صالحًا، وقد يكون صالحًا، ثم يقرأون القرآن في المقابر، أو يُصلون، أو يدعون، يريدون أن يتقبل الله أعمالهم وأن يستجيب لدعواتهم، وهذا محرم تحريمًا شديدًا في الإسلام.
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما رأته من حال النصارى لما كانوا في الحبشة، كانوا يبنون على قبور الصالحين أبنيةً وأضرحةً ويضعون فيها صورًا وتماثيل، فاسمع ماذا قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: قال: «أولئكِ إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدًا وصوَّروا فيه تلك التصاوير، أولئكِ شرار الخلق عند الله».
لا إله إلا الله! هم شرار الخلق لأنهم عبدوا الله عند قبور الصالحين، إذن كيف بمن يعبد الصالحين أنفسهم دون الله ؟!!
فإنه أشد إثمًا وسوء حالٍ -عافاني الله وإياكم-.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، أحينا على التوحيد والسنة وأمتنا على ذلك، واجعلنا نلقاك راضيًا عنا يا أرحم الراحمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن من أخطاء بعض المسلمين في توحيد الله رب العالمين أنهم يحلفون بغير الله، كالحلف بالأمانة، أو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كأن يقول: “والنبي”، أو بالنعمة، أو بالآباء … أو بغير ذلك.
وقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يحلف بأبيه، قال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت».
وعند الترمذي من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»، عافاني الله وإياكم.
ومن أخطاء بعض المسلمين في توحيد الله رب العالمين، أنهم يعلقون التمائم، ترى أحدهم يعلق الخيوط والحِرَز على صدره، أو على يده، أو على يد ولده أو غير ذلك، أو يضع على سيارته عينًا أو كتابات يزعم أنها تصرف عنه الشرور، وهذا هو عين الشرك -عافاني الله وإياكم-.
فقد ثبت عند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من تعلّق تميمة فقد أشرك».
ومن أخطاء بعض المسلمين في توحيد الله رب العالمين، أنهم يضعون أبنية على القبور، وبعضهم يُجصص القبر، وقد أخرج الإمام مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: “نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُجصص القبر أو أن يُبنى عليه”.
فما أكثر المقابر التي جُصصت، ووُضعت عليها الأبنية، ووُضع عليها الرخام وغير ذلك، وكلما كان الرجل أصلح أو كان أكثر مالٍ جعلوا قبره أكبر، وكل هذا مخالف للشريعة بنص نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أخطاء بعض المسلمين في توحيد الله رب العالمين أن كثيرًا من المسلمين يتطيّرون، ترى بعضهم إذا رأى أعرجًا أو جاءه خبر أن فلانًا ثم فلانًا عالجوا في المستشفى الفلاني فماتوا … إلى غير ذلك، تطيَّر وتشاءم بهذه المستشفيات، أو تشاءم برؤية أعرج، أو سماع صوت غراب … إلى غير ذلك، وكل هذا مخالف للشريعة.
ثبت في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويُعجبني الفأل»، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: «الكلمة الطيبة».
وثبت عند الترمذي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك».
إخوة الإيمان، إن أخطاء كثير من المسلمين في توحيد الله كثيرة، ولو أراد أحد أن يذكرها لطال المقام، لكن يا إخوتاه، يا إخوتاه، اتقوا الله في توحيدكم، فلا جنة ولا نجاة من النار، ولا فوز ولا فلاح، إلا بالتوحيد، فاستمسكوا بتوحيد الله، ولا يُمكن لأحدنا أن يتمسك بالتوحيد إلا بعد معرفته، ولا يُعرف إلا بعد دراسته، فادرسوا التوحيد على العلماء الموثوقين، أو اسمعوا دروسهم ومقاطعهم بالإنترنت، أو اقرأوا كتبهم المختصرة، كشيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى-، أو شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-، أو الشيخ العلامة محمد بن ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-، أو الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى-، أو الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى-.
فاقروا كتب التوحيد للعلماء الموثوقين الذين هم على التوحيد والسنة، ومن ذكرت لكم أسماءهم هم غيض من فيض، وقد ذكرت لكم علماء في السعودية، وعلماء في الشام، وعلماء في اليمن، فالمهم أن يكون العالم على توحيد وسنة، لا أن يُضل الناس بتزيين الشرك أو البدع -عافاني الله وإياكم-.