أخطر وسيلتين للشرك الأكبر

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

أخطر وسيلتين للشرك الأكبر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .

إن الله لما حرم الشرك الذي هو جعل ند مع الله من عبادة غير الله بدعاء أو نذر أو طلب المدد أو غير ذلك.

لما حرم الشرك الذي هو أعظم الذنوب والذي هو الذنب الوحيد الذي لا يغفر كما قال الله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }

وهو الذنب الذي يمنع دخول الجنان ويوجب الخلود في النيران {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }

وهو الذنب الذي إذا خالط العمل أحبطه وصار صاحبه من أصحاب النيران ولو كان الرجل قواما بالليل صواما بالنهار ودعا غير الله، أو استغاث بغير الله، أو طلب المدد من غير الله، أو اعتقد أن أحدا يعلم الغيب غير الله، فإن أعماله حابطة، كما قال الله مخاطبا محمداً صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر وأحب البشر إلى الله {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

ولما حرم الله الشرك حرم كل وسيلة موصلة إلى الشرك.

وإن وسائل الشرك كثيرة وسأذكر اثنتين منها- أسأل الله أن ينجيني وإياكم من الشرك ومن كل وسيلة موصلة إلى الشرك – .

الوسيلة الأولى / الغلو في الصالحين: إن للصالحين حقاً، وإن مقتضى الحب والبغض في الله أن نحب الصالحين؛ لأنهم صالحون وأن لا نعاديهم، فمن عاداهم فقد وقع في ذنب عظيم أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه”

إن للصالحين حقاً ومقاماً، لكن لا يجوز أن نغلو فيهم بل لا يجوز أن نغلو فيمن هو خير الصالحين وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

والغلو كما قال أهل العلم وأهل اللغة: هو مجاوزة الحد وقد قال الله سبحانه {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلوا فِي دِينِكُمْ } أي لا تتجاوزا الحد في دينكم .

وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلو، ثبت عند النسائي وأحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إياكم والغلو؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين “

وقد نهانا رسول الله عن الغلو فيه، فغيره من باب أولى أخرج البخاري من طريق ابن عباس عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله، ورسوله”

وما أشد خديعة الشيطان فقد أتى إلى جمع من خلق الله وأظهر الغلو في الصالحين بصورة تعظيم الله ومحبة الله وعبادته ، وبصورة الوسيلة المحبوبة عند الله، فقالوا: إن الغلو في الصالحين وطلبهم من دون الله هي الوسيلة المطلوبة في الشريعة التي قال الله فيها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ }

لكن بين أهل العلم والإيمان ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – إجماع أهل العلم على أن المراد بالوسيلة عبادة الله لا عبادة غير الله سبحانه وكل غلو في الصالحين فهو محرم، وقد يكون بدعة كالتبرك بذواتهم أو بلعابهم أو غير ذلك وهذا إنما هو خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلو كان التبرك مشروعاً بذوات أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعل ذلك الصحابة الكرام مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة وبقية الصحب الكرام .

ولما لم يفعلوا ذلك دل هذا على أن التبرك بالذوات خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما الغلو الشركي فهو دعاء غير الله واعتقاد أن أحدا يعلم الغيب غير الله، وهذا شرك أكبر، ولا يجوز حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

الوسيلة الثانية : من وسائل الشرك وهي: الغلو في قبور الصالحين، وصورة الغلو في قبور الصالحين أن تتخذ قبورهم مكاناً للتعبد من دعاء الله وقراءة القرآن وغير ذلك من العبادات، واتخاذ قبور الصالحين مكانًا للعبادات محرم في الشريعة.

وأشد من ذلك أن يبنى مسجد على قبر أولئك الصالحين، فإن هذا من أشد الغلو في الصالحين، وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو فعل النصارى المحرم في شريعة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .

أخرج الشيخان من حديث عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير فقال: “أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله”.

تأملوا إخوة الإيمان إن الأمر الذي هو سبب؛ لأن يكون القوم شرار الخلق عند الله أصبح اليوم منتشرًا عند كثير من المسلمين مع أن أصله من النصارى .

وثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” يحذر ما صنعوا .

وثبت في مسلم من حديث جندب أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ليال يقول :” ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك “

إذا تبين هذا إخوة الإيمان عرفنا الخطأ الذي يقع فيه كثير من المسلمين من أنهم يجعلون قبور الصالحين مكاناً للتعبد أو يبنون على القبور مساجد، وقد لبس الشيطان على بعضهم فجوزوا هذا مستدلين بقول الله تعالى في سورة الكهف {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا }

فقالوا: دل هذا على جواز اتخاذ المساجد على القبور، وقد رد هذه الشبهة أهل العلم والإيمان وقالوا: لا دلالة في هذه الآية، وذلك أنها في شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا إذا كان مخالفًا لشرعنا فإنه مردود، فإننا مأمورون باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم دون غيره .

و قالوا : إن الله قال: { الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ } في هذا إشارة إلى أنهم أهل القوة والسلطة، وهذا أكثر ما يكون في أهل الضلالة، فدل هذا على أنه لا يجوز أن يحتج بهذه الآية على مخالفة ما جاءت به شريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجنبنا الشرك كله صغيره وكبيره، وأن يجنبنا وسائل الشرك برحمته إنه أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

أما بعد:

فإذا تبين أن الغلو في الصالحين وفي قبورهم محرم في الشريعة، فاعلموا إخوة الإيمان أن أول شرك في العالم كان بسبب الغلو في الصالحين .

وهو ما كان في قوم نوح علق البخاري عن عطاء عن ابن عباس في قول الله تعالى {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} قال عبد الله بن عباس :” هذهأسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت “

أتاهم الشيطان من باب تعظيم الصالحين وحبهم حتى وضعوا هذه التماثيل فإذا رأوها اجتهدوا في عبادة الله فذهب قرن وقرنان ونسي هذا الأمر وعبد الصالحون من دون الله، فكان هذا أول شرك في العالم، ولأجل هذا أرسل الله نوحاً عليه السلام ، وإن شبهة تعظيم الصالحين بحجة أنهم صالحون مردودة في الشريعة لا يصح الالتفات إليها كما تقدم بيانه

ويزيد ذلك بيانا ما أخبر الله عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}

فمحمد بن عبدالله الذي هو أحب عباد الله إلى الله لا يعلم الغيب فكيف يدعى علم الغيب في أحد من البشر وفي صحيح مسلم عن أنس أن النبي شج وكسرت رباعيته . هذا رسول الله صلى الله . ولم يملك لنفسه نفعاً ولم يستطع أن يدفع عنها ضرًا .

فكيف يستغاث بالصالحين وغير الصالحين هذه هي حال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وغيره من باب أولى .

وثبت في الصحيحين من حيث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم :” يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً “

هذا كلام أفضل الصالحين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بل اعلموا إخوة الإيمان إن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن له أن يشفع إلا بعد أن يأذن الله له كما قال سبحانه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }

فلا يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد إذن الله ففي الصحيحين من حديث أنس وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :” فأنطلق حتى أستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله، ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه، وقل يسمع واشفع تشفع “

فإذا كان رسول الله لا يستطيع الشفاعة إلا بعد إذن الله فكيف يتعلق بغيره صلى الله عليه وسلم .

والموحد يتعلق بالله ويفزع إلى الله ولا يدعو إلا الله ولا يستغيث إلا به ولا يرجو إلا هو ولا يطلب المدد إلا منه، لا إله إلا هو.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم احيينا على التوحيد والسنة، الله أمتنا على التوحيد والسنة، اللهم وفق المسلمين أن يقوموا بالتوحيد والسنة، اللهم اجعلنا نلقاك وأنت راض عنا .

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

د. عبد العزيز بن ريس الريس

Dr_alraies@


شارك المحتوى: