اغتنام مابقي من رمضان والتحذير من بعض المخالفات

د. محمد بن أحمد الفيفي

الخطبة الأولى

أيها الناس لقد قطعتم الأكثر من شهر الصيام ولم يبق منه الا اليسير من الليالي والايام ، فمن كان منكم قام بحقه فليتم ذلك وليحمد الله وليسأله القبول ، ومن كان منكم قد فرط فيه وأساء فليدارك مابقي وليتب الى ربه فباب التوبة مفتوح .
أيها الناس انكم مقدمون على هذه العشر الاخيرة من هذا الشهر الكريم فاغتنموها بطاعة المولى العظيم وأحسنوا في أيامه بالصيام ونوروا وأحيوا لياليه بالقيام واختموه بالتوبة والاستغفار وسؤال الله العفو فالمحروم من أدرك رمضان فلم يغفر له .
أيها المسلمون كان عليه الصلاة والسلام يعظم هذه الايام ويخصها بمزيد عناية واهتمام ، تقول عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله اذا دخل العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله . في هذه العشر ليلة قال عنها تبارك وتعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر ) وقال عنها(فيها يفرق كل أمر حكيم ) وقال عنها عليه الصلاة والسلام (من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه) ايمانا :أي أن الله الذي شرعها ، واحتسابا أي يبتغي الاجر من الله لا رياءً ولاسمعة ، وقد حث عليها الرسول فقال (فالتمسوها في العشر الاواخر من رمضان ) ,
الا ومما ينبغي التنبه له أن الفقهاء رحمهم الله قد اختلفوا في تحديدها على أربعين قولا كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله ، وهو اختلاف مبني على منزع الاستدلال من النصوص ، الا أننا نسمع وفي كل رمضان وفي مثل هذه الايام من يحدد لنا ليلة القدر ، فيقولون : ان ليلة القدر هذه السنة ستكون ليلة كذا وكذا فاستعدوا لها وقد بنوا هذا على بعض الرؤى التي رأوها وعبرها لهم بعض المعبرين وينتشر هذا الامر بكثرة عبر بعض المنتديات في شبكة الانترنت أو بعض المجالس ثم يأتي معبر آخر ليقول : بل هي ليلة كذا ، فتجد أن الناس ربما اجتهدوا في تلك الليالي ويتركون ماسواها .
سبحان الله !! ليـــلةٌ أخفيت على خير البشر عليه الصلاة والسلام ؟؟ أليس من أجل ان يجتهد الناس في العبادات والطاعات ، كما أخفيت ساعة الاجابة من يوم الجمعة ؟ فالحذر أيها المسلمون أن نبني على الرؤى والاحلام أحكاما شرعية فإن الرؤى لا تبنى عليها الاحكام ولنجتهد في هذه العشر الاخيرة فإن من أحياها كلها سيصيب ليلة القدر بإذن الله .
ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثير من الناس يتقصد ليلة السابع والعشرين من رمضان بالعمرة ظناً منهم أن لها مزية خاصة وفضيلة معينة ، وهذا خطأ بل هو احداث في الدين لم يأذن به الله . قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 6/496 : ونقول تخصيص تلك الليلة بالعمرة بدعة لأنه تخصيصٌ لعبادة في زمن لم يخصصه الشارع ، والذي يُخصص في ليلة القدر هو القيام الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام (من قام ليلة القدر ….) ولم يقل : من اعتمر ليلة القدر . وانما قال (عمرة في رمضان تعدل حجة معي ) فتخصيص ليلة القدر بعمرة هذا من البدع .ا.هـ
أيها المسلمون : ومما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحرص عليه في هذه العشر الاعتكاف في المسجد تفرغا لعبادة ربه وتحريا لليلة القدر ، فالاعتكاف في رمضان سنة فعلية فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، واعتكف أزواجه من بعده ، وحكى اهل العلم الاجماع على أنه مسنون ، وينبغي أن يكون الاعتكاف على الوجه المشروع وهو ان يلزم مسجدا لطاعة الله سبحانه بحيث يتفرغ من أعمال الدنيا الى طاعة الله ، ويكثر من أنواع القربات والنوافل والطاعات من صلاة وقرآن وذكر فلا يبيع ولا يشتري ولا يخرج من المسجد الا لما لابد له منه ، ولايتبع جنازة ولا يعود مريضا .
أما ماأحدثه بعض الناس اليوم فهذا مما ينافي مقتضى الاعتكاف والحكمة من مشروعيته كما يفعل بعضهم من تجاذب اطراف الحديث وخاصة في أمور الدنيا واقامة المسابقات واحضار المسجلات والاستماع الى الاناشيد ، والاكثار من الاتصال بالهواتف المحمولة لغير حاجة نسأل الله لنا ولهم الهداية .
أيها المسلمون : إن من قلة الفقه في الدين ان يُقدِّم بعض الناس وخاصة الشباب الاعتكافَ على بره بوالديه أو على واجباته تجاه أهله فتجد بعضهم يترك والديه او أحدهما ليتفرغ للاعتكاف وهم في حاجته مع العلم أن البر بالوالدين فرض وواجب بينما الاعتكاف سنة ، كيف والله جلا وعز يقول كما في الحديث القدسي (وما تقرب الى عبدي بأحب الي مما أفترضته عليه )
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون :ان من حيل الشيطان والتي تنطلي على كثير من المسلمين وخاصة في هذه الايام والليالي المباركة من هذا الشهر الكريم هو ما يصرفهم به عن استغلالها بالطاعات والاكثار منها الى اشغالهم عنها بكثرة التسوق والمشتريات فتجد ان المسلمين في المساجد يصلون القيام ويقرأون القران ويبكون ويدعون ويتضرعون الى الله أن يتقبل منهم والاّ يردهم خائبين بينما تجد صاحبنا هذا يجوب الاسواق طولا وعرضا صعودا وهبوطا هو وأسرتُه في وقت ينزل الله فيه في كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول( هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه حتى يطلع الفجر . ).
فسبحان الله ماأعظم الخسارة وما اكبر التفريط ، فالبدار البدار أيها المسلمون الى اغتنام مابقي من هذا الشهر الكريم فلا ندري والله هل يكتب لنا أن نصوم رمضانا آخر أم ان هذا هو آخر رمضان في حياتنا ولا حول ولا قوة الا بالله .

محمد بن أحمد الفيفي
عضو هيئة التدريس
جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية


شارك المحتوى: