الأبعاد التاريخية للعداء على السلفية.. والتهجم على النهج السلفي السعودي لماذا؟
صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن عبدالعزيز
الخميس 10 سبتمبر 2015
الأمير/ د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز
في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأصوات التي تتهم السلفيين بأنهم دُعاة فتنة وتكفير، وهذه الدعاوى باطلة من أساسها كون من يطلقها يجهل ما هي السلفية ابتداءً، فلو سألته ماذا تعني السلفية ما أجابك، نال هذا التطاول وهذا الظلم دعوة التجديد التي قام بها الإمام محمد بن عبدالوهاب وبدعم ومساندة من الإمام محمد بن سعود – رحمهما الله – كون هذه الدعوة أو الحركة التجديدية من أشهر الحركات السلفية في عالمنا الإسلامي.
ومما يؤسف له أن بعض الطبقات المثقفة سواء في عالمنا العربي أو حتى داخل وطننا المملكة العربية السعودية انساق وراء هذه الدعاوى، بل صار مروجاً لها، من أجل ذلك عزمت على كتابة هذه المقالة، مبتغياً بذلك الأجر من الله أولاً في دفاعنا عن ديننا وعقيدتنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وثانياً آملاً بأن يكون في ما سأعرضه من بيان وإيضاح كشفاً لغشاوة سببت هذا الظلم وهذا التجني على منهجنا السلفي ودعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب.
ما هي السلفية ومن هم السلفيون؟
يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – معرفاً لها:
«الدعوة السلفية هي الدعوة إلى ما بعث الله به نبيه محمداً -عليه الصلاة والسلام- هي الدعوة إلى التمسك بالقرآن العظيم والسنة المطهرة، هذه هي الدعوة السلفية، الدعوة إلى السير على المنهج الذي درج عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة ثم المدينة من إبلاغ الدعوة إلى المسلمين وغيرهم، وتوجيه الناس إلى الخير وتعليمهم ما بعث الله به نبيه من توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وترك الإشراك بالله -عز وجل- والقيام بما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، هذه الدعوة السلفية».
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تعريف السلفية والسلف: «السلفيَّة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم سلفنا تقدموا علينا، فاتِّباعهم هو السلفيَّة، وأما اتِّخاذ السلفيَّة كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حقٍّ: فلا شكَّ أن هذا خلاف السلفيَّة، فالسلف كلهم يدْعون إلى الإسلام والالتئام حول سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يضلِّلون مَن خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون من خالفهم فيها فهو ضال».
لكن بعض من انتهج السلفيَّة في عصرنا هذا صار يضلِّل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتَّخذها بعضهم منهجاً حزبيّاً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى الإسلام، وهذا هو الذي يُنكَر ولا يُمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون في طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، في مسائل عقديَّة، وفي مسائل علميَّة، فتجد بعضَهم – مثلاً – يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه، وبعضهم يقول بذلك، وبعضهم يقول: إن الذي يُوزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي تُوزن، وتراهم – أيضاً – في مسائل الفقه يختلفون، في النكاح، في الفرائض، في العِدَد، في البيوع، في غيرها، ومع ذلك لا يُضلِّل بعضهم بعضاً.
فالسلفيَّة بمعنى أن تكون حزباً خاصّاً له مميزاته ويُضلِّل أفراده سواهم: فهؤلاء ليسوا من السلفيَّة في شيء.
وأما السلفيَّة التي هي اتباع منهج السلف عقيدةً، وقولاً، وعملاً، واختلافاً، واتفاقاً، وتراحماً، وتوادّاً، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسهر»، فهذه هي السلفيَّة الحقَّة.
وعن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله-:
إن دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله هي الدعوة الإسلامية التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلف هذه الأمة الصالح، ولهذا نجحت وحققت آثاراً عظيمة رغم كثرة أعدائها ومعارضيها في العالم الإسلامي أثناء قيامها، وذلك مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
وهذه الدعوة وإن كانت ضمن سلسلة دعوة الإصلاح ومرتبطة بمذهب السلف الصالح السابق لها؛ ولم تخرج عنه, إلا أنها تستحق المزيد من الدراسة والعناية وتبصير الناس بها؛ لأن الكثير من الناس لا يزال جاهلاً حقيقتها، ولأنها أثمرت ثمرات عظيمة لم تحصل على يد مصلح قبله بعد القرون المفضلة، وذلك لما ترتب عليها من قيام مجتمع يحكمه الإسلام، ووجود دولة تؤمن بهذه الدعوة وتطبق أحكامها تطبيقاً صافياً نقياً في جميع أحوال الناس في العقائد والأحكام والعادات والحدود والاقتصاد، وغير ذلك مما جعل بعض المؤرخين لهذه الدعوة يقول: «إن التاريخ الإسلامي بعد عهد الرسالة والراشدين لم يشهد التزاماً تاماً بأحكام الإسلام كما شهدته الجزيرة العربية في ظل الدولة السعودية التي أيدت هذه الدعوة ودافعت عنها».
ولا تزال هذه البلاد والحمد لله تنعم بثمرات هذه الدعوة أمناً واستقراراً ورغداً في العيش وبعداً عن البدع والخرافات التي أضرت بكثير من البلاد الإسلامية حيث انتشرت فيها.
والمملكة العربية السعودية حكاماً وعلماء يهمهم أمر المسلمين في العالم كله، ويحرصون على نشر الإسلام في ربوع الدنيا لتنعم بما تنعم به هذه البلاد، ومن هنا فإن الدولة السعودية منذ قيامها وحتى الآن تتحين الفرص والمناسبات لبيان حقيقة هذه الدعوة التي تعتمد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحرص على إزالة الشبهات التي تثار من الجاهلين بهذه الدعوة أو المغرضين، فكانت اللقاءات تتم للمناقشة حول الدعوة وآثارها، والرد على المعارضين، وكانت الرسائل تبعث، والكتب تؤلف، وما زالت والحمد لله.
الهجوم على النهج السلفي لماذا؟
ولقد تجددت في الآونة الأخيرة وازدادت بوتيرة متصاعدة الحملة الشرسة ضد النهج السلفي والتي تقودها جماعات وفئات تعمل بوعي أو غير وعي منها على تنفيذ رغبات وتحقيق استراتيجيات لأيدلوجيات تحارب الإسلام في جوهره، علاوة على ذلك فإننا نجد البعض منا يردد أقوالاً ومصطلحات مدفونة كالسم في العسل لتلعب دور المفاهيم البديلة حتى نعتاد تردادها دون وعي بمضمون فعلها في عقلنا العربي الإسلامي ومكنون ثقافتنا التي ترسخت عبر القرون وفقاً لما جاءنا من علوم دينية وشرعية من علماء أجلاء جاهدوا لأجل الحفاظ على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
لاشك أننا نرى أن للغرب عذره وللأيدلوجيا المضادة لمذهب السنة والجماعة من المانويين والشيعة الباطنية عذرها كذلك في أن تحارب وتعادي كل ما هو سني، ولكن كيف نجد العذر والمبرر للآخرين ممن يصنفون ضمن المذهب السني في ترديد تلك المفاهيم والأقوال التي تصف النهج السلفي بالتطرف حيناً وأحياناً أخرى بأنه السبب الرئيس في ظهور وتفريخ الجماعات التي تحمل السلاح وتمارس العنف باسم الدين وتقاتل الجميع كالقاعدة و»داعش»، …الخ، من الجماعات السياسية المتطرفة التي تعمل بكل أسف باسم الدين.
من المعروف تاريخياً ولكل من قرأ تاريخ الدولة الإسلامية منذ نشأتها وتأسيسها في المدينة المنورة بأنها قامت على مبدأ الحفاظ على الجماعة الإسلامية باعتبارها القوة الحقيقية للدولة الإسلامية، أي إلى جماعة تعيد تأسيس الاجتماع الديني – الذي تكون في مكة المكرمة – وتعمق بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، تعيد تأسيس الاجتماع الديني للمسلمين في صورة اجتماع سياسي،أي ما نسميه اليوم كيان دولة ذات سيادة وقيادة.
وبعد أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه استطاع الصحابة وبما اكتسبوه من علم وخبرة بمصاحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم القائد العظيم والنبي المرسل في الحفاظ على الجماعة الدينية والسياسية من التفكك وذلك بإتباع المنهج النبوي القائم على الكتاب والسنة النبوية.
ومع تطور الدولة الإسلامية وتعدد الشعوب التي دخلت الإسلام بعد الفتوحات الكبيرة واحتكاكها بالثقافات والديانات الأخرى التي كانت تعتنقها تلك الشعوب قبل دخولها الإسلام فقد تعددت الطوائف والفرق والمذاهب التي تأثرت بتلك الثقافات، ونتيجة للصراع التاريخي الذي كان قائماً قبل الإسلام بين العرب والفرس فقد ظهرت الدعوة للشعوبية التي قادها المانويون الوثنيون في فارس وما حولها من بلاد خراسان للقضاء على الإسلام ممثلاً في النهج النبوي السني حتى ظهور المذهب الشيعي الباطني الهرمسي «والهرمسية عبارة عن فلسفات وعقائد وثنية»، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا وهذه الطوائف المنحرفة عن الحق تحارب الإسلام السني وبكل الوسائل المتاحة الفكري منها والثقافي.
كذلك ونتيجة للضعف الذي اعترى الدولة الإسلامية والتفكك الذي لحق بجماعتها الدينية والسياسية ولعصور متعاقبة قرناً بعد قرن حتى اختلطت العقائد الوثنية التي كانت سائدة قبل الإسلام بالعقيدة الصحيحة مما أدى إلى انحراف في العبادات الصحيحة واختلاط الشرك بالتوحيد، فقد قيض الله بعلمه وقدرته في كل عصر من العصور من يقوم من العلماء ويتصدى لتلك الظاهرة الخطيرة من الانحرافات واختلاط الشرك بالتوحيد والدعوة للعقيدة الصحيحة والعودة لنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
ولقد كانت النقطة المفصلية في التاريخ تلك التي اصطلح المؤرخون على تسميتها بالفتنة الكبرى والتي حدث فيها أكبر انشقاق ديني سياسي في تاريخ الإسلام، مما أحدث شرخاً في الجماعة الإسلامية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم وحافظ عليها الصحابة من بعده والتي تفرع من بعدها أحداث جسام أدت إلى ما أدت إليه من بروز ظاهرة الخروج على الجماعة وظهور الجماعات السياسية المتطرفة دينياً كالخوارج وغيرهم، حتى ظهور مذهب الشيعة المتأثر بالعقائد الوثنية المانوية والهرمسية التي كانت سائدة في بلاد فارس كما أسلفنا، ومنذ تلك اللحظة التاريخية الفاصلة ما زالت تتجدد ظاهرة التطرف السياسي والخروج على الجماعة بدعاوى دينية مختلفة ولكنها في جوهرها عبارة عن جماعات سياسية تخالف مذهب السنة وخروج على جماعة المسلمين والنهج السلفي.
المجددون في الإسلام هم ورثة الأنبياء
ومواصلة لجهود سلسلة متعاقبة من العلماء الأجلاء في عصور تاريخية مختلفة وجهادهم الكبير في الحفاظ على النهج النبوي الصحيح وملاقاتهم للعنت الشديد في سبيل التصدي لكل مظاهر الانحراف في العقيدة الصحيحة ودعوتهم المستمرة لتبيان الحق من الباطل فقد استطاع الإمام محمد بن عبدالوهاب بتوفيق الله عزّ وجل أن يكون هو مجدد الدعوة السلفية في القرن الثاني عشر الهجري بعد أن أطبقت الجهالة على الأرض وخيمت الظلمات على ديار المسلمين وانتشر الشرك والضلال والابتداع في الدين وانطمس نور الحق واختفت السنة وظهرت البدعة وأضحى الدين غريبًا والباطل قريباً، ولأن الله عزّ وجل قد قضى لعباده بحفظ دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان من رحمته تبارك وتعالى بهذه الأمة أن يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.
وأن الدعوة السلفية التي حمل لواءها الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب لم تكن إلا مواصلة للدعوة التي نادى بها المصلح العظيم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في القرن الثامن الهجري وهو نفس النهج الذي أوذي في سبيله إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله في القرن الثالث الهجري.
وتلك الدعوة (السلفية) باختصار هي في جوهرها تعني الرجوع إلى الإسلام كما أُنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وكما فهمها واتبعها الصحابة والتابعون من أهل القرون المفضلة عقيدة وشريعة وسلوكاً.
إن ذلك اللقاء التاريخي المعروف الذي جمع بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب قد حقق فتحاً كبيراً للأمة الإسلامية، حيث قال الشيخ قولته المشهورة واعداً الإمام محمد بن سعود بالنصر والتمكين «أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعضاً، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك».
وهكذا فقد كان وتحقق النصر للإمام ولذريته من بعده في إعلاء كلمة لا إله إلا الله وتوحيد المملكة العربية السعودية ومكنها من إقامة الدولة الإسلامية وهي الوحيدة في العالم الآن التي تطبق الشريعة الإسلامية كما أمر بها الله سبحانه وتعالى وبما جاء به على لسان رسوله الكريم وكما فهمها واتبعها صحابته الكرام من السلف الصالحين.
وتمثل المملكة العربية السعودية الآن رأس الرمح في الدفاع عن عقيدة المسلمين القائمة على التوحيد ومذهب أهل السنة والجماعة ورعاية وخدمة الحرمين الشريفين وحماية البيت وعمارته قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
السعودية دولة دستورها كتاب الله وسنة نبيه
وقد تبنت المملكة العربية السعودية أعزّها الله بالتوحيد والإيمان في دستورها ونظامها الأساس الذي يحكم علاقاتها الداخلية والخارجية في مادته الأولى، بأن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هي العربية وعاصمتها الرياض، وفي الباب الخامس، الحقوق والواجبات في مادته الثالثة والعشرين، تحمي الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله.
وبهذه الثوابت التي لا تتزحزح تم بناء الدولة السعودية على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله ولقد استطاع أن يبني دولة عصرية بأحدث المقاييس ذات دعائم قوية وصلبة، ظل المواطن فيها وما زال محور التنمية وهدفها الأساس في جميع خطط الدولة منذ عهده رحمه الله وتبعه أبناؤه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، رحمهم الله جميعاً، وصولاً لعهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، هذا العهد الزاهر بإذن الله.
وقد أكد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في محاضرة له ألقاها في جامعة طيبة بالمدينة المنورة عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض بتاريخ 24-4-1432هـ، على عزم المملكة على المضي قدماً في إقامة العدل على منهج النبوة والتمسك بالكتاب والسنة وهو المنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكامل من كل الجهات وفي جميع الأصعدة وهو من أكبر أسباب المكانة التي تتبوأها المملكة، وكان حفظه الله قد أشار إلى تجدد التاريخ الإسلامي في العلاقة التي جمعت بين خيرة الرجال وهما الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، فقد اجتمع على يد الرجلين صحّة المنهج وقوة المنعة في قيام المملكة التي أرست دعائم العدل في الجزيرة العربية.
إن التمسك بهذا النهج الثابت والواضح والذي لا حيدة عنه، وسارت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها دائمًا ما يؤكد عليه الملوك المتعاقبون منذ الملك المؤسس رحمه الله.
وتأكيداً على الثبات على هذا النهج السلفي الذي تتبناه المملكة العربية السعودية فإن سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى ورضي عنه عندما كان يشغل منصب ولي العهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية وفي افتتاحه لندوة «السلفية منهج شرعي ومطلب وطني» في يوم الثلاثاء بتاريخ 1-2-1433هـ، قال «إن المنهج السلفي مصدر عزّ وتوفيق ورفعة للمملكة، كما أنه مصدر لرقيها وتقدمها لكونه يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فهو منهج ديني شرعي، كما أنه منهج دنيوي يدعو إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم، والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين واحترام حقوقهم».
وفي كلمة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والتي وجهها لعموم المواطنين في يوم الثلاثاء بتاريخ 19-5-1436هـ والتي استهلها بقوله «إن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-، وأبناءه من بعده قد أسسوا هذه البلاد وأقاموا دعائم هذه الدولة وحفظ وحدتها على هدى من التمسك بالشرع الحنيف واتباع سنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم»، وهذا تأكيد من الملك على هوية الدولة الإسلامية والتمسك بنهج النبوة والسلف الصالح.
يبقى هناك تنبيه أخير لبعض الغافلين عن بعض الحقائق وهم أولئك الذين ينسبون النهج السلفي الذي تتبناه المملكة العربية السعودية ويصفونه «بالوهابية»، فهؤلاء إنما يرددون بعلم أو غيره مصطلحاً القصد منه تحجيم وتقزيم الدعوة التي نادى بها الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب والتي قوامها التوحيد واتباع النهج النبوي في سنته التي شرعها الله لعباده كما جاء بها رسولنا الكريم ونقلها بأمانة عنه صحابته من السلف الصالحين، فمثل هذه المصطلحات تحمل السموم التي يدسها أهل الباطل عن عمد ليرددها البعض عن جهل بما تحويه في باطنها من دلالات، الهدف منها أن ترسخ في أذهان الناشئة والعامة من الناس كأنها حقائق مسلم بها كما يفعل أهل العقائد الباطلة ممن ينسبون طرقهم لأشياخهم الذين يعبدونهم من دون الله، كما يقول مثلاً «القادرية، والشاذلية والإسماعلية، الخ» في أخطر ظاهرة للشرك عمل على محاربتها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجاهد في سبيلها. وفي هذا يقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: «إن الأعداء يريدون بهذا اللقب صد الناس عن الحق بدعوى أن الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – مذهب له خاص انفرد به عن علماء الأمة، في حين أنه – رحمه الله – سار على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما سار عليه صحابته والتابعون لهم بإحسان وما عليه القرون المفضلة التي أثنى عليها الرسول – وحث على اتباعها، فالشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله- لم ينفرد بمذهب خاص به ينسب إليه، كمذهب الجهمية المنسوب إلى الجهم والمعتزلة والأشاعرة والصوفية ونحوهم ممن خالفوا منهج السلف، ونسبت مذاهبهم إليهم، فالشيخ محمد – رحمه الله – سار على منهج السلف الصالح وجدده بإماطة الشرك والبدع والضلالات عنه، ولكن هؤلاء الأعداء يريدون صد الناس عن الحق بدعوى أن الشيخ محمد – رحمه الله – خالف ما عليه غالب المعاصرين له ومن جاء بعدهم من البقاء على الشرك المتمثل بدعاء الأموات والاستغاثة بأصحاب القبور ومسايرة ما عليه الناس ولو كان باطلاً على حد: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، ويريدون أن يقطعوا الصلة بالسلف الصالح المتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فهم يزعمون أن الحق ما عليه الناس ولو خالف الحق. بل هناك من يقول إن ما عليه السلف الصالح لا يصلح لمن جاء بعدهم، فكل مجتمع له ظروفه وله حريته في اختيار ما يريد جيله من عقدة أو منهج – وكأن القرآن والسنة لا يصلحان لكل زمان ومكان – والإمام مالك – رحمه الله – يقول: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها»، بل صار هؤلاء الأعداء ينسبون إلى الدعاة إلى الحق كل وصف ذميم من الجمود والتشدد والتكفير، وعمل المتفجرات والتخريب».
وبعد.. هذه هي دولتنا، وهذه هي سلفيتنا، لا نحيد عنها ولا نجامل كائناً من كان، يريدون أن يشوهوها بخرافاتهم ودعاواهم الباطلة، ونحن نريد لهم الخير ببيان هذه الدعوة القائمة على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
Tags: السلفية