التخويف من النار


التخويف من النار

الحمد لله الذي جعل الجنة دار رحمته وأسكن فيها أولياءه ، الحمد لله الذي جعل النار دار غضبه وأسكن فيها أعداءه ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم الذي أرسل بشيرا ونذيرا

بشيرا لمن أطاعه بالجنة ونذيرا لمن عصاه بالنار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدا صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة،

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

أيها المسلمون : إن الدار داران لا ثالث لهما، نعم لا ثالث لهما؛ الدار الأولى فهي دار الجنان أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يسكننا جنانه، والدار الثانية دار النيران أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعيذني وإياكم من النار.

قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106 – 108]

وهذه النار هي دار غضب الله وسخطه وعذابه، فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا من أهلها ، فإنه من دخلها فقد أخزي أشد الخزي قال تعالى ( رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)

وفي هذه النار ملائكة غلاظ شداد كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

وهذه النار بعيدة القعر ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ سمع وجبة – أي شيئاً ساقطاً – فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أتدرون ما هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً -أي سنة- فهو يهوي في النار إلى الآن “.

وهذه النار ضخمة، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».

وحر هذه النار شديد قال تعالى ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ . لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) فقد اجتمعت أسباب الحر الثلاثة : حر الهواء وحر الماء وحر الظل .

ومن شدة حرها ما أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:” إن نارنا جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ” -أي نار جهنم أضعافها في الحرارة تسعاً وستين مرة- قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية. -يعني نار الدنيا تكفي يا رسول الله- . قال: “فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها “.

وهي تُبصر وترى وتغضب أشد الغضب على من غضب الله عليه كما قال تعالى ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) والتغيظ هو أشد الغضب والزفير هو تردد النفس .

حتى إنها تكاد تتقطع من الغضب قال تعالى { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8]

ولها سبعة أبواب كما قال تعالى ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)

ومن الناس الذين كفروا بالله كالذين يلعنون الرب أو لا يصلون من لا يخرج منها أبداً ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) وقال تعالى ( لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا )

ولعظم النار أخرج الشيخان عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا “.

وأخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال : والله لو أن لي طلاع الأرض – أي ما يطلع حتى يملأ الأرض – ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل، قبل أن أراه”.

علق ابن الجوزي بقوله: واعجباً من خوف عمر مع كماله وأمنك مع نقصانك .

ونقل ابن رجب عن الحسن أنه بكى فقيل له: ما يبكيك ؟ قال: أخاف أن يلقيني في النار ولا يبالي .

فإذن لابد أن نتذكر النار ونخافها ، فإننا نعيش مرضاً وهو قلة الخوف من الله ومن عقابه وغضبه النار ، وهذا أمر خطير للغاية يجب على المؤمن أن يكون خائفاً من الله وراجياً له كما قال تعالى عن الأنبياء {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]

اللهم يا من لا إله إلا أنت أعذنا من النار، اللهم املأ قلوبنا خوفا منك ورجاء لك يا رب العالمين

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

أما بعد:

فإن سبب دخول النار معصية الله الجبار قال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } [النساء: 14]

والمعاصي التي انتشرت بين المسلمين كثيرة مثل الشرك كدعاء غير الله وطلب المدد من الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين

أو البدع كالاحتفال بالمولد النبوي أو التعبد بالطرق الصوفية البدعية

أو معارضة الأدلة الشرعية بالرأي والهوى وعدم المبالاة ، وهذه انتشرت بين الناس . أو القول على الله بغير علم أو عقوق الوالدين أو قطع الأرحام أو الزنى واللواط أو الغيبة أو تبرج النساء أو سماع المحرمات كالموسيقى أو النظر للنساء الأجنبيات وهكذا..

اللهم يا حي يا قيوم أصلحنا واهدنا وأدخلنا في عبادك الصالحين .

اللهم أعذنا من النار اللهم أعذنا من النار اللهم أعذنا من النار

اللهم أدخلنا الجنان وارحمنا يا غفار

د. عبد العزيز بن ريس الريس


شارك المحتوى: