التساهل بالمعاصي
د. يوسف بن محمد السعيد
التساهل بالمعاصي
إن الحمد لله … أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إليه واستغفروه. عباد الله: إن من الناس من يتساهل بالمعصية إذا رأى كثيرا من الناس عليها، ومن الناس من يتساهل بالصغائر من الذنوب، وهذا خطأ محض، فإن الله عز وجل يقول : {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ويقول عز وجل : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ويقول تعالى : {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } ويقول تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }
والله تعالى ذكر أن أكثر الناس في ضلال فقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } ويقول تعالى : {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ، ونهى الله عز وجل عن الجلوس مع من يستسهلون المعاصي أو يدعون إليها فقال: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، وقال تعالى : {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }
والتساهل بالصغائر خطر على العبد يقول الله تعالى : {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}
وما تساهل أحد بصغيرة إلا ووقع في الكبيرة، وقد كان العلماء يعدون ذلك من رِقَّةِ الدِّيَانَةِ المُبْطِلَةِ لِلْعَدَالَةِ ، وذكر العلماء أن الإصرار على الصغائر يصيرها كبائر، وعلى المسلم أن ينظر إلى عظمة من عصى، ولا ينظر إلى صغر الذنب، فإنه إذا علم أن له ربا يراه، استحيا منه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال:” مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ” رواه مسلم في صحيحه. بارك الله لي ولكم …
الحمد لله على إحسانه … أما بعد: فإن من أعظم أسباب التساهل بالمعصية الجلوس مع أهلها. قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان:” إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً” فليحرص العبد على الجلوس مع من ينفرون من المعاصي، وإذا وجدوا منه معصية أنكروها عليه، هذا وصلوا وسلموا …