الحمد لله وكفى وصلى الله على المصطفى وبعد .
إن تمايز الحق عن الباطل سنة ربانية ومسلك نبوي {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }الأنفال37
وإن في آخر الزمان فتناً تجعل الحليم حيراناً , ومن أشد هذه الفتن على الناشئة , عدم التمايز بين الحق والباطل , وبين أهل السنة وأهل البدعة , مما يجعل الشاب في حيرة من أمره أين الحق , ومع من يكون , ويتحمل وزراً كبيرا من ذلك بعض طلبة العلم الذين ينظرون إلى الخطأ فيغضون الطرف ” من رأى منكم منكرا ً فليغيره ” .
وإني ناقل لك حال سلف الأمة وتعاملهم مع أعداء الدين , من هؤلاء الأفذاذ الفضيل بن عياض ومن كلماته التي تقرأ فتحفظ , وتنقش في الصدور :”إذا نظرتُ إلى رجل من أهل السنة كأني أنظر إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا نظرت إلى رجل من أهل البدع فكأنما أرى رجلا من المنافقين” .
هذا الأثر العظيم الذي يحكي فيه حال الفضيل بن عياض ونظرته إلى أهل السنة ومقته لأهل البدعة , وهو يمثل نظرة السلف الصالح , وأما الحال اليوم فتجد أنهم لا يفرقون بين أهل السنة وأهل البدعة حتى بعض طلبة العلم , بل يصدرونهم في المجالس والحلق ويآكلونهم ويشاربونهم ويجالسونهم ويمازحونهم ويوقرونهم ويكرمونهم أشد الإكرام بل إذا ذكرت أحدهم وقلت له ” من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ” , أخذ بك يمنة ويسرة ,هذا في زمان ولى , هذا الأثر لا يمكن تطبيقه , المصلحة تقتضي ذلك , ولعمر الله إنها المصلحة الدنيوية المحضة اقتضت أن يجلس صاحب السنة مع المبتدع , ولو صدق الله لنفر منه أشد النفرة , أليست الأرواح جنوداً مجندة ماتعارف منها ائتلف , وما تناكر منها اختلف .
قال الفضيل بن عياض عند الأثر السابق : فلا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من النفاق .
قال ابن بطة في الإبانة الكبرى (429) صدق الفضيل رحمة الله عليه فإنا نرى ذلك عيانا.
أيها الأخ المبارك عليك أن تبحث عن أهل السنة في كل مكان حتى إذا وجدتهم وظفرت بهم فليكونوا جلساءك , ولا يلبس عليك من يقول جالس كل أحد , جالس أهل السنة وأهل البدعة , فإن هذه الشبهة قيلت في زمن الإمام الأوزاعي فقال : هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل .
أسأله تعالى أن لا يرينا وجوه المبتدعة , ولا يظلنا وإياهم سقفاً واحداً إلا المسجد .