الخدع البصرية سحر محرم
د. حمد بن محمد الهاجري
الخدع البصرية سحر محرم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن السحر من الجرائم العظيمة، وكبائر الذنوب، ومما يبتلى به الناس قديماً وحديثاً في الأمم الماضية وفي الجاهلية وفي هذه الأمة، وعلى حسب كثرة الجهل وقلة العلم وقلة الوازع الإيماني والسلطاني يكثر أهل السحر والشعوذة، وينتشرون في البلاد للطمع في أموال الناس والتلبيس عليهم.
والله تبارك وتعالى قد أخبر بأن السحر كفر، كما قال تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}، فدلت الآية على تحريم السحر مطلقاً، ولم يذكر الله جل وعلا نوع هذا السحر، فعُلم أن ما كان مسماه سحراً فإنه محرم وكفر، سواء كان سحراً تخييلياً أو سحراً حقيقياً أو سحر تفريق أو سحر جمع.. الخ.
وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من السحر وبين عقوبته، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال- : ((من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم -)). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني فيصحيح الجامع (5939).
وروى مسلم عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة)).
ومن أنواع السحر سحر التخييل، ومنه ما يسميه بعض الناس اليوم (خدع بصرية)، حيث يستعمل فيها شدة التمويه وخطف الأبصار وخفة اليد؛ ليؤثر في خيال الناس، كما قال الله عز وجل عن سحرة فرعون: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}.
وقال سبحانه: {قالوا يا موسى إما أن تُلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى}.
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/68-69) – : (وهؤلاء السحرة قد يتعاطون أشياء تخييلية، كما تقدم في قوله عز وجل: {قالوا يا موسى إما أن تُلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى}، يخيل إلى الناظر أن هذه العصي وأن هذه الحبال حيات تسعى في الوادي، وهي حبال وعصي، لكن السحرة خيلوا للناس لما أظهروا أمام أعينهم من أشياء تعلموهاتغير الحقائق على الناس بالنظر إلى أبصارهم، قال سبحانه: {يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى}، وقال تعالى في سورة الأعراف: {قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}، وهي في الحقيقة ما تغيرت حبال وعصي، ولكن تغير نظرهم إليها بسبب السحر فاعتقدوها حيات بسبب التلبيس الذي حصل من السحرة، وتسميه بعض الناس (تقمير) وهو أن يعمل الساحر أشياء تجعل الإنسان لا يشعر بالحقيقة على ما هي عليه، فيكون بصره لا يدرك الحقيقة فقد يؤخذ من حانوته أو منزله ما فيه ولا يشعر بذلك، يعني أنه لم يعرف الحقيقة، فقد يرى الحجر دجاجة، أو يرى الحجر بيضة، أو ما أشبه ذلك؛ لأن الواقع تغير في عينيه، بسبب عمل الساحر وتلبيسه، فسحرت عيناه، وجعل هناك من الأشياء التي يتعاطاها السحرة من المواد ما تجعل عينيه لا تريان الحقيقة على ما هي عليه، هذا من السحر الذي سماه الله عظيماً في قوله جل وعلا في سورة الأعراف: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}).
وقال الشيخ أيضا – كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/92-93) – في جوابه على سؤال ما نصه: (الساحر يسحر المشاهدين الذين يشهدون عمله، وقد يكون هناك من يساعده في هذه العملية ولا يراه المشاهدون من الشياطين الذين يساعدونه، فهم يروننا ولا نراهم، وقد يكون سحر العين بما فعل منالشعوذة مثل من يخرج من جيبه أو فمه طائراً أو بيضةً أو غير ذلك في أعين الناس، والأمر بخلاف ذلك… وقد يكون ذلك فيما يجره من الأثقال بشعرة أو شعرتين مما ساعده فيه الشياطين، وهم لا يرون، ولكنهم يجرونها معه ويساعدونه وهم لا يرون، بل لهم طرق أخرى مكنهم الله منها بحيث لا نراهم، وهم يفعلون الشيء الذي يساعد أولياءهم من الإنس).
وقال الشيخ أيضا – كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/105) – ما نصه:(فالمقصود: أن السحرة قد يستعملون أشياء يغيرون بها الحقائق بإذن الله عز وجل، من أعمال كثيرة من طعام وشراب وغير ذلك، وقد يخيلون تخييلاً فيراه الرائي على غير ما هو عليه، يخيلون له أشياء فيرى الحبل أو العصا حيةتمشي، وقد يخيل أنه خرج من فمه طيور أو حيات أو عقارب يخرجها من جوفه وليس له حقيقة، كله تخييل، يلبس عليه بما يصنعون من التخييل).
وأجاب الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز على سؤال ورد إليه – كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (9/272-273) – ما نصه: (فهذه الأشياء التي ذكرها السائل من كون بعض الناس يقيمون أعياداً واحتفالات، ويعملون بها أعمالاً منكرة من تقطيع أيديهم وأصابعهم ونحو ذلك، وأن من أنكر عليهم ذلك قد تصيبه بعض الأمراض، كل ذلك من عمل الشيطان وتزيينه للناس حتى يطيعوه، وحتى يعملوا ما يدعوهم إليه من طاعة الشيطان وعصيان الرحمن، وهذه الأعمال التي يفعلها هؤلاء المجرمون يلبسون بها على الناس ويسحرون أعينهم، فيظن الناس أنهم قطعوا أيديهم أو قطعوا أرجلهم أو أصابعهم وليس هناك شيء من ذلك، كله كذب وكله سحر وكله بهرج… فالمقصود أن هذه الأعمال أعمال سحرية وشعوذة باطلة، والواجب إنكارها على أهلها، وعلى الحاكم منعهم من ذلك ومعاقبتهم بما يردعهم وأمثالهم).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – كما في مجموع فتاوى ورسائل (2/175) – : هل للسحر حقيقة؟
فأجاب: للسحر حقيقة ولا شك وهو مؤثر حقيقة، لكن كونه يقلب الشئ أو يحرك الساكن أو يسكن المتحرك هذا خيال وليس حقيقة، انظر الى قول الله تعالى في قصة السحرة من آل فرعون، يقول الله تعالى: {يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى}، {يُخَيَّلُ إِليهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعَى}، فالسحر في قلب الأشياء وتحريك الساكن أو تسكين المتحرك ليس له أثر، لكن في كونه يسحر أو يؤثر على المسحور حتى يرى الساكن متحركاً، والمتحرك ساكناً أثره ظاهر جداً، إذن فله حقيقة ويؤثر على بدن المسحور وحواسه وربما يهلكه).
وبناء على ما تقدم؛ يتبين لنا حرمة ما أسموه بعروض الخدع البصرية، والتي تم الإعلان عن إقامتها في صالة التزلج كما في الصحف اليومية وغيرها، وكونهم تراجعوا عن تسميتها سحرا؛ فإن ذلك لا يغير حكمها من التحريم إلى الإباحة، طالما أنها من أنواع السحر المحرم.
وعليه؛ فإني أحذر عامة الناس من حضور هذه العروض؛ كي لا يقعوا في معصية الله عز وجل، كما أن الواجب على المسؤولين في وزارة الداخلية واللجنة المشرفة على هذه الاحتفالات الوطنية أن يمنعوا من إقامتها والإعلان عنها؛ لكون ذلك محظوراً شرعاً، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلىالله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه: د. حمد بن محمد الهاجري.
الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بجامعة الكويت – قسم الفقه المقارن
المقال بصيغة pdf: