الرد على حجاج في ما قاله أثناء الاعتصام
بندر بن محمد الميموني
الرد على حجاج في ما قاله أثناء الإعتصام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فقد اطلعت على مقطع انتشر للمدعو حجاج بن فهد العجمي تكلم فيه في الإعتصام الذي كان أمام السفارة الأمريكية، وقد تكلم به هذا الشاب المندفع بفورة الشباب، وبضحالة العلم، وبعدم الفهم للأمور الكبيرة والعظيمة، التي تتعلق بالأمة وأحوالها، والتي لا ينبري لها إلا خواص العلماء، وجهابذة الفقهاء، لكن قد قيل: (تزببت قبل أن تتحصرم) يا حجاج، وغرك وغرر بك من جاء بك إلى هذا الاعتصام المبتدع المحدث.
– قال حجاج: (قال تعالى: وإن جنحوا [إلى] السّلم فاجنح لها). والصواب: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها).
وللأسف؛ لم يصحح له أحد من الحاضرين قراءته!! وهذا يدل على أن على بعض القلوب أقفال عن ذكر الله وعن سماع كلام الله سماعاً تنتفع به، والله المستعان.
– ثم فسر هذه الآية بقوله: (هذا في حال قوة الإسلام والمسلمين، اليوم الدماء تنتهك والأعراض تستباح، وكل هذه الأمور يتعرض لها الاسلام، ثم نحن نتشدق بالمطالبات السلمية).
وأراد بهذا بيان أن هذه الآية لا يصلح أن يعمل بها في هذا الزمن، وأنها لا تصلح إلا في حال قوة المسلمين، وهذا باطل من وجوه:
الأول: أن هذه الآية محكمة وغير منسوخة على الصحيح من أقوال أهل التفسير، وهو قول السدي وابن زيد وابن جرير وابن كثير والقرطبي وابن العربي.
قال ابن جرير: (فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة، فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل).
قال ابن كثير بعد أن ساق كلام القائلين بالنسخ: (فيه نظر أيضاً؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إذا كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلت عليه الآية الكريمة، وكما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص).
قال ابن العربي: (فإذا كان المسلمون على عزة وقوة ومنعة وجماعة عديدة وشدة شديدة، فلا صلح كما قال [الشاعر] :
فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم
وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لنفع يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدىء المسلمون به إذا احتاجوا إليه).
ويتبين للقارىء الكريم من كلام الأئمة ومن كلام ابن العربي – رحمهم الله جميعاً- الفهم المغلوط من المدعو حجاج، وممن تلقاه منهم، من بعض الحزبيين والتكفيريين، الذين أغروه وأضلوه، فقد عكسوا معنى الآية، وجعلوه مقيداً في حال قوة المسلمين، بينما الحق أن الجنوح للسلم راجع لمصلحة الإسلام والمسلمين، وتختلف بحسب حال القوة والضعف، وهذا مرده إلى ولي الأمر، فهي وظيفته وهو أعرف بمصالح المسلمين وأدرى بشؤون السياسة.
قال في الشرح الكبير: ( [ولا يجوز عقد الهدنة إلا من الإمام أو نائبه] لأنه عقد مع جملة الكفار وليس ذلك لغيره ولأنه يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة … وفيه افتيات على الإمام) انتهى.
ثانياً: أن الصلح مع العدو في حال ضعف المسلمين لحقن دمائهم وحفظ أعراضهم وسلامة دينهم أولى من الصلح مع العدو في حال قوة المسلمين ومنعتهم، فحفظ رأس المال مقدم على الربح.
سئل الأوزاعي عن حصن للمسلمين نزل به عدو فخاف المسلمون أن لا يكون بهم طاقة ألهم أن يصالحوهم على أن يدفعوا إليهم سلاحهم وأموالهم وكراعهم على أن يرتحلوا عنهم؟ فقال: إذا كان لا طاقة لهم بهم فلا بأس. [أحكام الجهاد للشيخ حمد العثمان ١٢٦].
قال في الشرح الكبير: (قال شيخنا [ابن قدامه] : وهذا محمول على غير حالة الضرورة، فأما إن دعت إليه الضرورة، مثل أن يخاف على المسلمين الهلاك والأسر: فيجوز) انتهى.
أي يجوز مصالحة الكفار على مال يبذله لهم في حال الضعف وهو من الجنوح للسلم، لا كما قرره حجاج، لكن الجهل داء فتاك!!
قال ابن القيم: (الجهال هم أعداء الرسل على الحقيقة). [مفتاح دار السعادة].
– ثم يقول في نهاية عبارته السابقة: (نحن نتشدق بالمطالبات السلمية).
فكأنه يريد مطالبات غير سلمية فليته بينها لنا ما هي؟
وهل يقصد بذلك إعلان الحرب على أمريكا؟
فهذا ليس له ولا لغيره من عامة الناس، بل هذه وظيفة ولي الأمر، وهو المنوط به، أحكام الحرب والجهاد، وإلا كان هذا افتيات عليه، ونحن بحمد لله لنا ولاة أمر في الكويت استرعاهم الله علينا ونحن تبع لهم في الحرب والسلم.
قال في الشرح الكبير: (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك) انتهى.
– ثم قال حجاج: (إذا قدمت الأموال حوصرنا، وإذا أردنا أن نقيم جهاد دفع نحفظ فيه أعراض المسلمين ودماءهم أصبح هذا محظور على الأمة…).
إلى أي هوة انزلقت بك القدم؟!!
أو قل: من الذي أرداك بها يا هذا؟!!
فكلام حجاج ما هو إلا ترديد لحداء غيره سمعناه منذ أخزم، فسبحان الله!!
ألم تعلم يا حجاج أن جهاد الدفع يكون متى ما داهم العدو البلد المسلم، فيجب على أهله مدافعته، ولا يجب على غيره إلا إذا احتيج إليهم، ومع هذا فهو منوط بالقدرة وعلى البعيد الإذن من ولي الأمر؟!
قال في الانصاف: (وهو فرض عين في موضعين، أحدهما: إذا التقى الزحفان وهو حاضر. والثاني: إذا نزل الكفار بلد المسلمين تعين على أهله النفير إليهم. إلا لأحد رجلين: من تدعو الحاجة إلى تخلفه لحفظ الأهل أو المكان أو المال. والآخر: من يمنعه الأمير من الخروج، هذا في أهل الناحية ومن بقربهم، وأما البعيد على مسافة القصر فلا يجب عليه، إلا إذا لم يكن دونهم كفاية من المسلمين) انتهى من البلغة نقله عنه في الانصاف.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: (سمعت أبي يقول: إذا أذن الإمام القوم يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلت لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا ، إلا أن يأذن الإمام. إلا أن يكون يفجأهم أمر من العدو ولا يمكنهم أن يستأذنوا الإمام، فأرجوا أن يكون ذلك دفعاً من المسلمين). [مسائل عبد الله (ص٢٢٧)].
ثم نحن في الكويت لم يدهمنا عدو ولم يفجأنا صائل سوى صدام الهالك، وقد نجانا الله منه بفضله ومنّه، فأين هو جهاد الدفع الذي يريد أن ينشأه ويجمع الأموال لأجله؟!
فإن كان يقصد ما يحصل في بعض بلاد الإسلام الجريحة: فقد بين العلماء من يستحق النصرة فيها بالمال ممن لا يستحق، والحمد لله على توفيقه.
– ثم قال حجاج لما لعن السفارة الأمريكية: (ولعن من عاونها على وجودها في بلاد المسلمين).
والذين سمحوا بوجودها في بلادنا هم ولاة أمرنا، وهذا فيه لعن لهم وهو محرم، ومن علامات الضلال والزيغ والإنحراف عن جادة أهل السنة.
قال البربهاري: (إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب وهوى).
وقال الإمام أحمد: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان).
فكيف بلعنهم على رؤوس الأشهاد؟! والنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء)) رواه أحمد.
وقال – صلى الله عليه وسلم – : ((لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)) رواه مسلم.
فكان أولى به أن يمسك لسانه، وهو من يعظ الناس في الفضائيات عن آفات اللسان وسوء الخلق، فما باله يقع فيما ينهى عنه؟!
– ثم قال حجاج: (اليوم لما خرج بعض علماء السلطة يتكلمون عن أحكام الذمي والمستأمن والمعاهد…) إلى آخر بجاجة كلامه.
فهلا بين للناس من هم علماء السلطة الذين يتكلمون في أحكام الذمي والمستأمن والمعاهد؟!
هل يتكلمون بها عن علم وفهم واستنباط؟! مرجعهم في ذلك الكتاب والسنة وفقه السلف؟!
لا كما يفعل من لا خلاق له في العلم؟!
أهم أئمة الدعوة وابن باز وابن عثيمين والفوزان واللحيدان وربيع والسحيمي وغيرهم؟!
أم هم القرضاوي الذي يمدح القذافي ثم ينقلب عليه ويمدح بشار وينقلب عليه؟!
أم البوطي نصير بشار النصيري؟!
أم السويدان الذي يمدحه ويثني عليه ويثني على سبابة الصحابة؟!
أم العودة أم القرني الذين تشهد مواقع اليوتيوب بالصوت والصورة مواقفهم المتناقضه من الحكام؟!
نبئنا بعلم إن كنت من صادقين!!
أخيراً أين التقوى التى يدندن حولها هؤلاء الوعاظ وأخدان القصاص؟!
وأين الخوف من الله والورع الذي يتزينون به عند عوام الناس؟!
وأين حسن الخلق الذي يرمون خصومهم أهل السنة بالتجرد عنه وهم خالين منه ظاهراً وباطناً فاتهموا أهل السنة كذباً وزورا بما هم منه براء؟ّ
فأهل السنة بحمد الله على صراط الحق واقفون، لا تتبدل مواقفهم ولا تتغير توجهاتهم؛ لأنهم على الأثر سائرون، وبالكتاب والسنة عاملون مقتدون، ولسلف الأمة متبعون، (ويا أقدام الصبر احملي بقي القليل).
والحمد لله رب العالمين.
بندر بن محمد الميموني
@bandersnt